عقب إطاحة قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بنظام صدام حسين عام 2003، واختفاء الأخير مع جيشه بشكل غير متوقع، خرج مئات من الشيعة إلى شوارع البلاد المختلفة فرحِين بسقوط النظام وهم يهتفون "ماكو ولي إلا علي.. نريد حاكم جعفري"، مؤكدين بذلك على "أحقيتهم" بحكم "العراق الجديد" كونهم يشكّلون أغلبية سكانية.
طالب الشيعة عقب الاحتلال بـ "حاكم جعفري" لتحقيق حلمهم بالعدل بعد سنوات من الطغيان والقمع
بعد شهور قليلة، سار آلاف الشيعة على الأقدام بشكل جماعي من محافظاتهم قاصدين زيارة ضريح الإمام الحسين بن علي في كربلاء، لأول مرة منذ عقود دون مضايقات من قبل السلطة، ثم أُدخل اسم الإمام علي ضمن آذان الصلاة الذي تبثه قناة الدولة شبه الرسمية، مع تولي حزب الدعوة الإسلامية، أبرز أحزاب المعارضة، مقاليد الحكم في العراق عام 2005.
اقرأ/ي أيضًا: جون لوك والإمام علي..بين استحضار التسامح والانحطاط
انتعشت آمال الشيعة حينها، بانتهاء حقبة القمع والمقابر الجماعية والتهجير التي طالتهم بعد تمردهم المسلح على حكم صدام حسين عام 1991 فيما عرف بـ"الانتفاضة الشعبانية"، حيث طردوا قواته من مدنهم، قبل أن يقمعهم النظام بقسوة.
الطبقة الفقيرة من المجتمع الشيعي راودتها أمنيات بأن تدير الأحزاب الشيعية العراق، وفق منهج الإمام علي في الحكم بما عُرف عنه من عدل في توزيع الثروات والحقوق وزهد شخصي فيها مع الشِدة في محاسبة المسؤولين المترفين على حساب المال العام، كما تروي عنه سير التاريخ وخطبه ورسائله ووصاياه في "نهج البلاغة"، وهو ما عبّروا عنه في انتقاداتهم اللاحقة لتردي الأوضاع العامة.
لم يمض طويلًا حتى ظهر سوء الإدارة وتفشى الفساد في كل مفاصل الدولة، بلغ حجم الأموال الأموال المفقودة أو "المسروقة" من الموازنات المالية للدولة بين 2004 و2014، وفق إحصائيات وتقارير متعددة، 361 مليار دولار على أقل التقديرات، وهو ما جعل العراق يتصدر قوائم منظمة الشفافية العالمية للدول الأكثر فسادًا في العالم، فيما يُقدر ارتفع عدد الأرامل جراء أعمال العنف التي أعقبت الغزو الأمريكي في 2003، بنسبة 60%، حسب منظمة الإغاثة الدولية.
أما نسبة الشباب العاطلين عن العمل فتبلغ 20% بحسب أرقام رسمية، لكن منظمات محلية ودولية غير حكومية تقول إن نسبهم الحقيقية ضعف ذلك، في حين يعيش ربع العراقيين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، فضلًا عن آلاف المشاريع المتلكئة التي انعكست بانعدام الخدمات ووضعت العاصمة بغداد على رأس مؤشر "ميرسر" كأسوأ مدينة للعيش في العالم.
عاد الشيعة بعد سنوات الموت والفقر والجهل، إلى ذكر علي بن أبي طالب مجددًا، في تظاهراتهم الاحتجاجية على ذلك، وفي مجالس عزاء تقام لإحياء ذكرى وفيات أئمتهم الإثني عشر، وحتى في مناسبات العامة، لكن هذه المرة لنقد الأحزاب الشيعية التي حكمت باسمها وشكايتها إليه، قارنوا أداء "المدعين" بحكمه ما جروه من ويلات على البلاد باسمه.
الصيف الماضي، خرج الآلاف من أبناء محافظات الوسط والجنوب الشيعية في تظاهرات منددة بتردي الخدمات وتفشي الفساد والبطالة، انطلقت شرارتها من محافظة البصرة التي كانت تعاني، إضافة لذلك، من تلوث مياه الشرب رغم كونها عاصمة البلاد الاقتصادية بما تحويه من آبار نفط وموانئ وثروات أخرى، فراح سكانها يشكون إلى الإمام علي "سرقة" الأحزاب لهم، وهو ما يوثقه هذا المقطع من التظاهرات.
حول "الحكام الجعفريون" البلاد إلى جحيم على مدى سنوات من القتل والتهجير والفساد والجهل بـ "اسم الدين وحكم علي بن أبي طالب"
رد السلطات على المتظاهرين، الذين أحرقوا مبان الحكومات المحلية ومقار أغلب الأحزاب في تلك المحافظات، دفع هذا المنِشد الديني إلى الشكوى لدى الإمام الحسين من "الخداع" الذي تعرض له الشيعة باسم "أهل البيت" من قبل أحزاب تدّعي الانتماء لهم، وانخراطها مع الأحزاب السنية التي تشارك في الحكم ضمن "مبدأ المحاصصة"، بتعميق الشرخ الطائفي بين العراقيين وما جره ذلك من حروب أدت إلى "بحر من الدماء"، منتقدًا اقتصار التعيينات في دوائر الدولة على المقربين من هذه الأحزاب وحرمان الفقراء منها.
اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة.. رهان النجاة من مقامرة ميليشيات المحاصصة
على مدى السنوات الماضية، انتشرت صور كثيرة، على مواقع التواصل، لنسوة وأطفال يبحثون عن طعام في النفايات أو يجمعون العلب المعدنية منها لبيعها. ناشرو هذه الصور يتساءلون دائمًا عمّا كان سيفعله الإمام علي لو رآى هذه المشاهد، وكيف سيحاسب المسؤولين وأعضاء البرلمان على ذلك.
في ذكرى وفاته، ينشر مدونون، في كل عام، وصايا وتحذيرات أرسلها الإمام علي لعماله في ولايات الدولة الإسلامية، التي حكمها كرابع الخلفاء الراشدين للفترة من سنة 35 هـ/ 656 ميلاديًا، وحتى سنة 40 هـ/ 661م، دون أن يجد بعض متابعيهم صعوبة بفهم القصد وربطه مباشرةً بسلوك السياسيين والمسؤولين الحاليين.
القوى الشعبية المدنية اتهمت، في احتجاجاتها العديدة، مجمل الأحزاب الإسلامية بـ"استغلال" الدين في الوصول إلى الحكم، عبر هتافها الشهير أيضًا "باسم الدين باكونه الحرامية"، وهو ما عزا إليه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى همام حمودي خسارة هذه الأحزاب في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في آيار/مايو 2018، وفقدان حزب الدعوة لمنصب رئاسة الوزراء الذي ظل محتفظا به لـ13 عامًا.
عاد الشيعة إلى الاستنجاد بعلي بن أبي طالب مجددًا لكن هذه المرة من "الحكام الجعفريين" الذي سرقوهم "باسم الدين"
وقال حمودي في تصريحات بعد إعلان نتائج الانتخابات، إن "المطالبين بتغيير الوجوه السياسية نجحوا في إبعاد الاسلاميين عن الحكم من خلال التظاهرات وشعارهم (باسم الدين باكونه الحرامية)"، مبديًا "أسفه" لذلك، واصًفا أصحاب هذا الشعار بـ"الفاسدين، الحرامية، وأسوأ الناس".
اقرأ/ي أيضًا: