منذ بداية الاستعداد لمعركة الفلوجة، رفضت الكتل السياسية السُنية مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية في المعارك التي تخوضها القوات الحكومية العراقية ضد تنظيم "داعش" في مدينة الفلوجة حتى لا تتكرر الانتهاكات التي حصلت بحق المدنيين في محافظة صلاح الدين، بل وكل المعارك التي كان اشتراك الحشد الشعبي فيها معلنًا، إذ كانت السمة المميزة هي الانتهاكات والمجازر والاعتداءات الوحشية من منطلقات طائفية.
لتحل الحكومة العراقية أزمة وعدها بعدم دخول الحشد الشعبي للفلوجة، قامت بتوزيع ملابس الشرطة الاتحادية على قوات الحشد
في مقابل ذلك كانت قيادات الحشد الشعبي ترد على تلك التصريحات وتؤكد أنها ستشارك في معركة تحرير الفلوجة. وتحدث زعيم منظمة بدر والقيادي في الحشد الشعبي هادي العامري للصحفيين أثناء تجوله في أحد جبهات القتال قرب الفلوجة قبل بدء المعارك قائلًا: "إن الحشد سيشارك في عمليات التطويق ويترك اقتحام المدينة للجيش".
اقرأ/ي أيضًا: هل تتحول داعش لنسخة أخرى من القاعدة؟
ورغم أن العامري قال "نحن الحشد لن ندخل الفلوجة ما دام فيها عوائل"، إلا أن الحشد شارك في معركة تحرير الفلوجة ودخلها، رغم المطالبات التي كانت ترفض ذلك، كما لم تسلم هذه العوائل التي يحرص العامري في حديثه على تجنيبها ويلات القتال من ويلات مقاتليه سواء أثناء رحلة نزوحها ومحاولات الخروج من الفلوجة تحت الحصار المركب من داعش داخليًا والحكومة وباقي المليشيات من الخارج دون توفر ممر آمن حقيقي لهم.
لكن كيف دخل الحشد الشعبي للفلوجة؟
الزي الأزرق الذي ترتديه قوات الشرطة الاتحادية التي تخوض جزء كبير من المعارك ضد "داعش"، تم توزيعه على مقاتلي فصائل الحشد الشعبي، وارتدى قادتهم رتبًا عسكرية توزعت بين عقيد ولواء، هذا ما أفادته روايات شهود العيان في الميدان، وأقوال من داخل الحشد.
أبو ضرغام المطوري، وهو أحد قيادات الحشد الشعبي، يظهر في هذا الفيديو وهو يرتدي زي الحشد الشعبي، ويتم تعريفه على أنه قيادي في الحشد الشعبي، لكنه في صورة مع زعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، يظهر وهو يرتدي زي الشرطة الإتحادية داخل الفلوجة، ويحمل رتبة لواء.
وكتب النائب في البرلمان العراقي، قاسم الأعرجي، وهو قيادي أيضًا في منظمة بدر التي تعمل ضمن الحشد الشعبي في صفحته على الفيس بوك: "دخلنا الفلوجة ولا يعرفون كيف دخلناها".
تعتقد الحكومة العراقية أن وجود الحشد الشعبي ضمن القطعات التي تشارك في معركة الفلوجة واقتحامها، أمر ضروري من وجهة نظر خططها الديمغرافية، لكنها في ذات الوقت لم تكن تريد أن تجد نفسها مساءلة أمام العراقيين وكذلك أمام المجتمع الدولي بتواجد قوات الحشد داخل المدينة، لذا بقيت حائرة، حتى جاءتها هذه الفكرة.
اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل..3 مراحل و3 أهداف
يقول مراقبون، أن إيران ضغطت عبر ممثلها في المعارك التي تُخاض ضد تنظيم "داعش"، قاسم سليماني، على الحكومة العراقية بضرورة أن يتواجد الحشد في المعركة وداخل الفلوجة.
وإثر الإصرار الإيراني على مشاركة الحشد في الدخول للمدينة، صار الاتفاق على أن يرتدي الحشد الشعبي زي الشرطة الاتحادية، رغم رفض عدد من قيادات الشرطة لذلك لكنهم أجبروا بسبب الأوامر، لذا وزعت ملابس الشرطة الاتحادية على مقاتلي الحشد وكذلك عدد من الآليات الحكومية، ووزعت رتب عسكرية على قادتهم للمشاركة في المعركة.
تشير معلومات إلى ارتكاب عناصر في الحشد الشعبي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان قبل دخولهم الفلوجة. والحديث عن مئات المختفين قسريًا، ومثلهم تعرضوا للاعتداءات، وعشرات القتلى.
في معركة تحرير الرمادي قبل أشهر اكتشفت القوات الأمريكية دخول عناصر من الحشد الشعبي بزي قوات الشرطة الاتحادية والدخول إلى مناطق شرقي الرمادي في حصيبة والسجارية وجويبة، ما دفعها إلى أن تصدر أمرًا عسكريًا بإيقاف تقدم القطعات العسكرية والأمنية، حتى صار الاتفاق مع الحكومة العراقية على عدم إدخالهم للرمادي.
يفسر ضابط عسكري رضوخ الحكومة العراقية في النهاية لرغبة الحشد الشعبي، قائلًا لـ"الترا صوت": "ضغط الحشد الشعبي وقياداته كبير جدًا. لا نستطيع رفض أوامرهم. سطوتهم ونفوذهم فوق القانون"، هذا التصريح يمسي مفهومًا أكثر لدى النظر على تفاصيل خارطة الهيمنة الإيرانية في العراق ما بعد 2003، فلم يقصر المقص الإيراني بمشروع تفتيت العراق طائفيًا ومذهبيًا.
اقرأ/ي أيضًا: