بعد أنّ صوّت مجلس النواب العراقي برئاسة محسن المندلاوي، على قرار يتضمن استقطاع مبلغ مليون دينار من راتب النائب المتغيّب، ظهرت أسئلة حول إمكانية تطبيق القرار، فضلًا عن أسبابه وتوقيته، خصوصًا أن ظاهرة غياب النواب تعتبر من الظواهر الشائعة منذ سنوات، لكنّ تصريحات لنواب وسياسيين تؤكد أن القرار كان "عقوبةً" للنواب المتغيبين عن جلسة مناقشة القصف الأمريكي وإنهاء إخراج القوات الأجنبية من العراق.
قال نائب عن تحالف الفتح إنّ جلسة كانت مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة ولكنها تحولت إلى نقاشية لعدم اكتمال النصاب القانوني بسبب غياب برلمانيين
وفشل مجلس النواب العراقي، في عقد أكثر من جلسة لـ"مناقشة إنهاء تواجد قوات الولايات المتحدة، فضلًا عن القصف الأمريكي الذي يستهدف مواقع وشخصيات قيادية في الفصائل المسلحة".
وقتها، عبرت النائب حنان الفتلاوي، عن استغرابها من "غياب الكتل الكردية والسنية عن جلسة مجلس النواب التي كانت مقررة لمناقشة القصف الأمريكي في العراق".
وقالت الفتلاوي عبر حسابها في منصة إكس، "جلسة نيابية مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة العراقية تُقاطعها الكتل السنية والكتل الكردية".
ووفق بيان صادر في مطلع شباط/فبراير عن الدائرة الإعلامية للبرلمان واطلع عليه "ألترا عراق"، فإنّ "رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي، طالب أعضاء مجلس النواب بالتصويت على قرار نيابي يتضمن استقطاع مبلغ (مليون دينار) من راتب النائب عن كل يوم غياب بدون إجازة رسمية".
وفعلًا تحدث النائب عن تحالف الفتح، رفيق الصالحي، عن أنّ ما حصل في جلسة إنهاء تواجد القوات الأجنبية "يعتبر معيبًا وسيطبق بحق كل مقصر"، ولهذا صدر قرار عقوبة استقطاع راتب النائب ونشر اسمه في حال تغيّب عن الجلسات.
وقال الصالحي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "جلسة البرلمان كانت مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة العراقية، ولكنها تحوّلت إلى نقاشية لعدم اكتمال النصاب القانوني بسبب غياب الكثير من النواب لأسباب غير معلومة وبغير عذر قانوني".
وتحدث الصالحي عن "أهمية محاسبة كل من يتغيب لما في انعدام للشعور بالمسؤولية تجاه جداول الأعمال والملفات المهمة، إضافة للقوانين والقضايا الطارئة التي تتطلب الالتزام".
وقال أيضًا إنّ "استهداف شخصيات بارزة في الحشد الشعبي من قبل القوات الأجنبية كان يفترض أخذه حيزًا كبيرًا من الاهتمام لدى النواب المتغيبين بدل المواقف المخجلة"، داعيًا إلى "اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً وفقًا للنظام الداخلي لمجلس النواب لمنع تكرار أحداث الجلسة الماضية".
أما المتحدث باسم المجلس الأعلى الإسلامي، علي الدفاعي، قال إنّ "غياب النواب عن جلسات البرلمان بطرق غير قانونية تعطل العمل التشريعي أمر لا يجب السماح بحصوله، مؤكدًا أنّ "تغيب الكثير من النواب الشيعة عن الجلسة المخصصة لمناقشة الاعتداءات الأمريكية على السيادة لا يعني وجود انقسامات في الإطار التنسيقي".
وبيّن الدفاعي في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "الجلسة الأخيرة للمجلس كانت محددة للتداول وليست مخصصة للخروج بقرارات أو تشريع قانون، وجرى الإعلان عنها مسبقًا بهذا الهدف من أجل مناقشة الاعتداءات الأمريكية المستمرة على الأراضي العراقية واستهداف القيادات الأمنية".
وقال إنّ "تطبيق قرار رئاسة البرلمان باستقطاع مبالغ مالية من النواب المتغيبين إجراء مهم لضبط العمل النيابي وأداء المهام الموكلة بالأعضاء والكتل السياسية".
وتحدث الدفاعي عن "أهمية دعم البرلمان بجميع مكوناته وجهاته لإجراءات الحكومة ولجانها في التفاوض مع الجانب الأمريكي حول إنهاء التواجد العسكري للتحالف الدولي"، موضحًا أنّ "غياب النواب لا يمكن وصفه بالقبول على بقاء القوات الأجنبية أو نتيجة لانقسامات بالمواقف بين النواب الشيعة حول هدفهم المنشود بإخراج أي قوات عسكرية خارجية".
وبشأن غياب نواب عن جلسة مناقشة القصف الأمريكي، اعتبر المتحدث أنّ "هذا الأمر تكرر سابقًا في العديد من القضايا المهمة، وهي أمور نتجت عن أحداث سياسية متعاقبة يصدرها بعض النواب وتوثر في البقية، وهي أيضًا لا يمكن اعتبارها تأكيدًا على مواقف جامعة للكتل السياسية التي ينتمون لها".
وأشار الدفاعي إلى أنّ "الجلسة كانت تهدف لإبراز موقف وطني جامع للمكونات ودعمًا للخطوات الحكومية بهذا الصدد، خاصة بعد تشكيل اللجنة الفنية بين العراق والولايات المتحدة لمناقشة جدولة الانسحاب العسكري للقوات"، معتبرًا أنّ "الخروقات التي تقدم عليها الولايات المتحدة في العراق لا يمكن السكوت عنها خاصة بعد تطور عمليات القصف إلى المدن بعدما كانت على المعسكرات التابعة للحشد الشعبي في الشريط الحدودي".
قال المتحدث باسم المجلس الأعلى إن تطبيق قرار رئاسة البرلمان باستقطاع مبالغ مالية من النواب المتغيبين إجراء مهم
وفي الأثناء، عبّر الخبير القانوني، علي التميمي، عن تأييده للقرار النيابي باستقطاع مبلغ مليون دينار من النائب المتغيّب عن الجلسات، مؤكدًا "دستوريته وقانونيته للمضي بالعمل به".
وقال التميمي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "قرار مجلس النواب يعتبر قانونيًا ودستوريًا بلا شك، كما لا يتعارض مع النظام الداخلي للمجلس"، مبينًا أنّ "النظام الداخلي ينص على أنه في حالة تكرار غياب النائب لخمس مرات متتالية يتم إحالته إلى لجنة تحقيقية، وفيما لو أعاد الغياب بعد ذلك ليتجاوز عشر مرات يتم استبداله بنائب آخر يحل محله بعضوية المجلس".
وأضاف أنّ "النظام الداخلي للبرلمان يحتوي الكثير من الفقرات العقابية التي يمكن اتخاذها بحق المتغيبين"، مستدركًا بالقول: "لكنها على الأغلب لا تنفذ بسبب المجاملات والضغوطات السياسية".
ولفت التميمي إلى أنّ "عدم تطبيق هذه المواد العقابية بحق النواب الذين يكررون الغياب يجعلهم يستمرون بهكذا أفعال، وهو ما يحصل طيلة السنوات السابقة بمختلف الدورات النيابية".