أعلن عضو المحكمة الاتحادية العليا، القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري، يوم الثلاثاء 12 آذار/مارس 2024، انسحابه من عضوية المحكمة بسبب قراراتها التي تهدف إلى العودة للنظام المركزي، وفق تعبيره، فيما ردّت المحكمة على قرار زيباري بإيضاح حول مستقبل عملها دونه، بلا رد على اتهاماته.
قرارات المحكمة المتتالية تنزع نحو العودة التدريجية إلى أسس النظام المركزي
وقال زيباري في مؤتمر صحفي عقده اليوم، وتابعه "ألترا عراق"، إن "منذ ما يقارب الثلاثة أعوام من الآن باشرت بوظيفتي ومنصبي كقاضي وعضو أصيل في المحكمة الاتحادية العليا ولكوني حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون الدستوري وتخصصي الأكاديمي الدقيق تمثل في أطروحي للدكتوراه والتي كانت بعنوان "السلطة القضائية في النظام الفيدرالي - دراسة مقارنة) وكوني أملك أكثر من 30 سنة من الخدمة في مجال القضاء فقد شغلت منصبي كممثل لإقليم كردستان استنادًا إلى المادة 3 ثانيًا من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدلة بالمادة 1 من القانون رقم 25 لسنة 2021 (قانون التعديل الأول لقانون المحكمة الاتحادية العليا) التي تضمنت عبارة مع تمثيل الأقاليم، وقد وظفت إمكانياتي المهنية والأكاديمية في سبيل ترسيخ مقومات النظام الديمقراطي في العراق بشكل عام من خلال أداء عملي في المحكمة ومن جملة ما حرصت عليه هو محاولة المساهمة في ترسيخ وحماية أسس ومقومات النظام الاتحادي الفيدرالي القائم أساسًا على توزيع السلطات بين المؤسسات الاتحادية بكافة مستوياتها ومؤسسات وسلطات إقليم كردستان باعتباره الإقليم الوحيد المشكل والمعترف به دستوريًا منذ نفاذ الدستور ولغاية الآن، بل أن إقليم كردستان كان قائمًا قبل نفاذ الدستور كثمرة لنضال شعب كردستان الطويل المليء بالتضحيات وبالمآسي ولانتفاضته عام 1991".
وأضاف: "ولا يخفى على أحد أن دستور جمهورية العراقية لسنة 2005 يعتبر العقد الاجتماعي والوثيقة المقدسة سياسيًا والتي بني عليها العراق الجديد بعد الإطاحة بالنظام الاستبدادي الفردي وقد شارك في صياغته ومن ثم إقراره جميع مكونات الشعب العراقي باعتباره يمثل الحد الأدنى من حقوق واستحقاقات كل تلك المكونات، وأن الالتزام بنصوص ومبادئ هذا الدستور هو الضامن لوحدة العراق كدولة اتحادية كما جاء في ديباجة الدستور، وأنا شخصيًا كنت آمل وعملت قدر المستطاع أن أكون خير ممثل ومدافع عن حقوق واستحقاقات جميع مكونات العراق ومؤسسات الدولة الاتحادية بشكل عام واستحقاقات إقليم كردستان الدستورية بشكل خاص كوني أمثله استنادًا للمادة التي أشرت إليها آنفًا، ولكن بعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على إشغالي المنصب وتوالي صدور القرارات من المحكمة الاتحادية العليا بتشكيلاتها الجديدة فقد توصلت إلى قناعة ذاتية أن وجودي واستمراري كقاضٍ في المحكمة لا يحقق الغاية المبتغاة من شغلي لهذا المنصب وهي المساهمة في الحفاظ على المبادئ والأسس التي جاء بها الدستور، وبشكل أخص وجدت نفسي في موقع أصبحت فيها جهودي وإمكانياتي العلمية والمهنية عاجزة عن تحقيق غايتها في الدفاع عن مصالح إقليم كردستان بصفته إقليمًا دستوريًا معترفًا به في العديد من مواد الدستور الاتحادي".
أهم أسباب الوصول لهذه القناعة بحسب ما قاله زيباري، على شكل نقاط، تتمثل فيما يلي:
- من خلال ممارستي لعملي ومتابعتي لمست وجود نزعة في قرارات المحكمة المتتالية نحو العودة التدريجية إلى أسس النظام المركزي للحكم والابتعاد شيئًا فشيئًا عن أسس ومبادئ النظام الاتحادي الفيدرالي من خلال توسيع الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية الواردة على سبيل الحصر في المادة 110 من دستور عام 2005 على حساب السلطات الممنوحة للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم أو السلطات المشتركة الواردة في المواد اللاحقة لها.
- إن المحاكم الدستورية في جميع الأنظمة السياسية التي تتبنى النظام الفيدرالي الاتحادي هي ضمانة لحماية وترسيخ هذا النظام وحفظ التوازن بين السلطات الاتحادية وسلطات الولايات أو الأقاليم ومنع تجاوز كل مستوى من مستويات الحكم على صلاحيات المستوى الآخر وإن تسمية المحكمة (الاتحادية) جاءت أصلًا نسبة إلى النظام الاتحادي أو الفيدرالي الذي أقره الدستور بوضوح في عدة مواد وخصوصًا المادتين 1و116 منه، بل وأكثر من ذلك فإن منطق الأشياء يقتضي أن يكون حرص المحكمة الدستورية في أي بلد على حماية سلطات الأقاليم أو الولايات أكبر من حرصها على السلطات الاتحادية لأن هذه الأخيرة وبحكم طبيعتها وطبيعة صلاحياتها في موقع أقوى من سلطات الأقاليم. غير أن ما لمسته هو عكس ذلك كما أشرت إلى ذلك آنفًا.
- يعد الدستور العراقي لسنة 2005 من الدساتير الجامدة التي حرص المشرع الدستوري أو الآباء المؤسسون على إخضاع تعديله لإجراءات معقدة حماية للمبادئ الدستورية المتفق عليها ولحقوق جميع الأطراف والمكونات وجميع مستويات الحكم، غير أن ما لمسته في اتجاهات وقرارات المحكمة الاتحادية العليا وتفسيراتها لنصوص الدستور في الكثير من الدعاوى هو الاتجاه نحو التفسير الواسع الخارج عن السياق والذي قد يصل إلى مستوى التعديل الدستوري وبما يشكل مساسًا بالعديد من المبادئ الدستورية ومن ضمنها المبدأ الفيدرالي ومبدأ الفصل بين السلطات، وهذا ما أفقده جمود الدستور قيمته ومغزاه.
- بالنظر لعدم سن وتشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا وفق ما تقتضيه المادة 92 من الدستور فإن مواد ونصوص قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل الذي شرع قبل نفاذ دستور عام 2005 والمتعلقة بتشكيل المحكمة وآلية التصويت فيها أثاء إصدار الأحكام والقرارات والتي تكون في معظمها بالأكثرية جعلت ممثلي إقليم كردستان (وهما قاضيان) ضمن العدد الإجمالي لأعضاء المحكمة التسعة عاجزين من الناحية العددية من تفادي صدور قرارات وأحكام تعتبر في نظرهما ماسة بحقوق الإقليم وكيانه الدستوري وهو الأمر الذي جعل تمثيلهما للإقليم غير ذات قيمة حقيقية ومؤثرة من الناحية العملية وأقصى ما يمكن فعله هو تثبيت الرأي المخالف لرأي الأكثرية، ونحن شخصيًا قد ثبتنا موقفنا الدستوري والقانوني المخالف والمعارض في العديد من الأحكام والقرارات ولكن كما أسلفت دون جدوى حقيقية لأن القرارات من الممكن أن تصدر بالأكثرية وليس بالإجماع.
يقول زيباري إن قاضيي إقليم كردستان في المحكمة الاتحادية لا يمكنهما تفادي صدور قرارات تمس بحقوق الإقليم
وختم مؤتمره بالقول: "لكل هذه الأسباب ومن منطلق شعوري بالمسؤولية أمام شعب إقليم كردستان بجميع مكوناته وأمام مؤسساته وكيانه الدستوري، فإنني أعلن انسحابي من عضوية المحكمة الاتحادية العليا بعدما تسببت الحقائق التي ذكرتها أعلاه في تعذر تحقيق الأهداف التي شغلت المنصب من أجلها ومن تغيير اتجاهات المحكمة التي أشرت إليها آنفًا".
وأصدرت المحكمة الاتحادية، توضيحًا مقتضبًا حول انسحاب القاضي عبد الرحمن سليمان، اطلع عليه "ألترا عراق"، قالت فيه إن "إعلان انسحاب القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري من عضوية المحكمة الاتحادية العليا لا يؤثر على سير العمل فيها لوجود ثلاثة قضاة احتياط". ولم ترد على اتهاماته.
وفي 5 آذار/مارس 2024، أصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني بيانًا هاجم فيه قرارات المحكمة الاتحادية، وقال إن القرارات تكشف عن توجه في العراق للابتعاد عن النظام الديمقراطي، داعيًا إلى عدم استغلال المحكمة الاتحادية أكثر من هذا لتحقيق الأهداف والأغراض السياسية.
وجاء البيان، بعد "إصدار القرار بحسم الدعوى المقامة للطعن في قانون انتخاب برلمان كردستان - العراق رقم (1) لسنة 1992 المعدل"، و"خرق الحقوق الدستورية لإقليم كردستان ومبدأ فصل السلطات المثبت في الدستور"، وفق تعبيره.
وأشار البارتي إلى أن المحكمة الاتحادية "تنتهك بنود الدستور وأحكامه"، وإلى "توالي قراراتها التي تشكل انتهاكًا لمبدأ الفصل بين السلطات فقد وضعت نفسها مقام السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأناطت بنفسها من السلطات والصلاحيات ما لم ينطه بها الدستور"، حيث "سعت في قراراتها الأخيرة إلى تقليص اختصاصات وصلاحيات سلطات الإقليم واتجهت بوضوح إلى إضعاف مؤسساته وإفساح المجال للسلطات الاتحادية بالتجاوز على الاختصاصات الدستورية للإقليم"، مؤكدًا أن قرارات المحكمة "تكشف بوضوح التوجه بالعراق إلى دولة ذات نظام مركزي والابتعاد عن النظام الديمقراطي الاتحادي".
الحزب الديمقراطي الكردستاني هاجم المحكمة الاتحادية ببيان لما وصفه بالنزوع نحو المركزية وتقليص صلاحيات كردستان
رئيس المحكمة الاتحادية العليا، جاسم العميري، تحدث في الأيام الأخيرة، أكثر من مرة على الأزمة مع إقليم كردستان، خصوصًا خلال زيارته للأردن.
وبعد يوم من بيان الديمقراطي الكردستاني، التقى العميري برئيس المحكمة الدستورية الأردنية محمد المحادين، وقال إن "مهمة المحكمة الاتحادية العليا الآن ليست فقط في تطبيق الدستور حرفيًا، بل تحقيق المصلحة العليا للشعب والوطن والحفاظ على وحدة العراق وضرورة تمتع جميع المواطنين بالحقوق والحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، مشيرًا إلى أن "النفط والغاز هو ملك لكل الشعب العراقي ويجب أن تكون عائدات النفط والثروات لكل الشعب العراقي، ويجب أن يتمتع جميع الموظفين والمتقاعدين في إقليم كردستان بنفس الحقوق التي يتمتع بها باقي الموظفين".
وقبلها بيوم، تحدث العميري أيضًا عن قرار المحكمة الاتحادية بخصوص رواتب موظفي إقليم كردستان، وقال إنه "رئيس حكومة الإقليم بتوطين رواتب الموظفين والمتقاعدين ومستفيدي الحماية الاجتماعية لدى المصارف الحكومية الاتحادية وتخصم من حصة الإقليم المحددة في قانون الموازنة".
وفي 7 آذار/مارس 2024، قدّم العميري لرئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، شرحًا عن المادة 110 من الدستور العراقي. وأكد "ضرورة التقيّد بأحكام المادة (110) من الدستور، وأن تكون الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تمارس من تلك السلطات، وعدم التجاوز على ذلك من قبل أي سلطة أخرى لأن ذلك يتعلق بسيادة العراق، وبالتحديد السياسة الخارحية والتمثيل الدبلوماسي والسياسة التجارية الخارجية عبر حدود الأقاليم والمحافظات ورسم السياسة المالية والتفاوض بشأن المعاهدات الخارجية".
العميري أكد من الأردن على الالتزام بالمادة 110 التي تحدد اختصاصات السلطات الاتحادية
وتنص المادة 110 من الدستور، على شرح اختصاصات السلطات الاتحادية الحصرية، مثل "رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية"، وكذلك "وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها"، فضلًا عن "رسم السياسة المالية، والجمركية" ، و"وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية".