10-يونيو-2023

محطة وقود في العاصمة بغداد (فيسبوك)

ما أن تكشفت المعلومات الأولى والرئيسية عن موازنة 2023 في أذار/مارس الماضي، انشغلت الأحاديث بحجم الموازنة الأضخم والعجز هائل وتحليل مخاطر ميزانية أولى من نوعها بعد 2003 تمتد لثلاثة أعوام.

أثارت المادة 42 جدلاً كبيرًا واحتجاجات غاضبة لموظفي شركتي المصافي والتوزيع أدت إلى أزمة وقود في البصرة

ومع ظهور النسخة النهائية احتدم الجدل بشأن جملة مواد، من بينها المادة 42 المتعلقة بالرسوم والضرائب على المشتقات النفطية، والتي أثارت غضب موظفي المصافي وشركة التوزيع.

 

مراجعة للمادة 42

المعلومة الأولى بشأن الرسوم والضرائب على المشتقات النفطية كانت وردت في بيان الموازنة الصادر عن وزيرة المالية طيف سامي، في 13 آذار/مارس الماضي، ولم يلق الأمر الكثير من الاهتمام حينها، ومن ثم ظهرت في نسخة الموازنة، ولكن في جميع مراحلها كان الغموض يكتنف آليات تطبيقها.

واكتفى بيان وزيرة المالية باستعراض الإيرادات المتوقعة التي من الممكن أن تحصل عليها الوزارة وبالتالي خزينة الدولة، دون أن يفصل البيان آلية الحصول على هذه الرسوم ونسبها، وكذلك من أين يتم استحصالها بالضبط.

3

وبحسب بيان وزيرة المالية، فأنّ الأموال المتوقعة من ضريبة تعبئة الوقود المستورد "البنزين المحسن" تصل إلى 25 مليار دينار خلال عام، و450 مليار دينار من البنزين العادي، و45 مليار دينار من وقود "الكاز"، أما رسوم النفط الأسود فمن المتوقع أن تبلغ 50 مليار دينار، جميعها تذهب لصالح خزينة الدولة، وبهذا يكون المجموع نحو 570 مليار دينار عراقي، باستثناء إيرادات بيع النفط الخام لشركات المصافي الذي من المتوقع أن يحقق إيرادًا بـ 2.2 تريليون دينار. لكن لم يتم تصنيف هذه الفقرة ضمن الضرائب والرسوم، ولم يتضح إن كان يقصد بها الإيرادات الكلية أم الإيرادات المضافة بعد رفع سعر برميل النفط المباع إلى المصافي من قبل شركات الاستخراج.

فيما بعد، ظهرت نسخة الموازنة، وكان فيها شيء يسير من التفصيل، حيث تضمنت المادة 42 من الموازنة النسب المفترض استقطاعها كرسوم وضرائب من إيرادات بيع هذه المشتقات، حيث فرضت المادة رسومًا بـ 5% من عوائد البنزين على اللتر الواحد، و10% على كل لتر من الكاز، و1% على عوائد مبيعات النفط الأسود، و15% على اللتر الواحد للوقود المستورد.

3

 

من سيتحمل الرسوم؟

ولم تتضمن المادة إيضاحات كافية عن الجهة التي ستتحمل كلف هذه الاستقطاعات، أي هل يتم استقطاع الرسوم من المواطن المستهلك النهائي، أم من محطات الوقود، أم من شركة التوزيع، أم من شركة المصافي التي تعتبر الحلقة الأولى لإنتاج المشتقات وبيعها؟

عدلت اللجنة المالية المادة لتجنب المواطنين أي تبعات مالية لتتحمل شركتي المصافي والتوزيع دفع الرسوم 

من صيغة كتابة المواد التي فرضت الرسوم على البنزين العادي والمحسن والكاز على اللتر الواحد، وعلى النفط الأسود بشكل عام دون تحديدها باللتر، يتضح أنّ الحكومة كانت تنوي تحميل المستهلك النهائي (المواطن) رسوم البنزين والكاز، ورسوم زيت الوقود للمعامل والمصانع، المستهلك النهائي أيضًا.

بعد ذلك، تدخلت اللجنة المالية النيابية، التي انتبهت لغموض هذه المادة، وقررت تعديلها بإضافة عبارة تنسف إمكانية تحميل هذه الرسوم للمستهلك النهائي، عندما أضافت عبارة في نهاية الفقرة تنص على "على أن لا تؤثر في سعر بيع المنتجات النفطية للمواطن".

3

من هنا، تغير الهدف الأساسي والمستهدف النهائي من فرض الرسوم، وجرى تفسيرها بأنّ الذي سيكون متضررًا ومسؤولاً عن استقطاعات الرسوم هي شركات المصافي وشركات التوزيع، حيث أنّ المصافي هي التي تقوم ببيع المشتقات النفطية إلى شركات التوزيع، وشركات التوزيع تبيعها بدورها إلى المحطات.

 

تضارب وغموض!

لكن المادة بقيت غامضة إذ لم تحدد ما إذا كانت المصافي ستتحمل الرسوم أم شركات التوزيع، خاصة وأنّ البنزين المستورد "المحسن" لا علاقة له بشركات المصافي، بل يتعلق بشركة تسويق النفط "سومو" التي تستورده مباشرة لصالح شركات التوزيع.

الغموض لا يتعلق بهوية من سيتحمل هذه الرسوم فقط، بل بحجم الأموال التي ستذهب إلى خزينة الدولة أيضًا.

وبالعودة لبيان وزيرة المالية، فإنّ مجمل الأموال التي ستربحها خزينة الدولة من هذه الرسوم ستبلغ 570 مليار دينار خلال عام، عدا 2.2 تريليون دينار متعلقة بسعر بيع برميل النفط إلى شركات المصافي، دون أن تتضمن نسخة الموازنة أي فقرة واضحة عن سعر بيع البرميل إلى المصافي وآلية استيفاء المبلغ.

لكن تصريحات لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب تتحدث عن أرقام بعيدة جدًا، وقد تصل إلى أكثر من ضعف الأرقام الواردة في بيان وزارة المالية عن رسوم الوقود، فبينما تتوقع وزارة المالية 570 مليار دينار فقط إجمالاً، تقول اللجنة إنّ "حجم الخسائر التي ستتكبدها شركة مصافي الجنوب ستصل إلى 562 مليار، و450 مليار من شركة نفط الوسط"، أي ما يعادل أكثر من تريليون دينار كمجموع.

 

حسابات خاصة

وفي محاولة للتوصل إلى أرقام تقريبية عن حجم الإيرادات التي سيتم استقطاعها من هذه الرسوم، أجرى "الترا عراق" عمليات حسابية استنادًا إلى نسب الرسوم المذكورة في نسخة الموازنة، بالمقارنة مع أسعار المشتقات النفطية وكذلك حجم المشتقات التي تبيعها شركات التوزيع خلال عام واحد.

وتظهر إحصائية لشركة توزيع المنتجات النفطية للعام الماضي، أنّ البنزين المجهز المباع بكل أنواعه في جميع محافظات العراق على مدى عام بلغ 10.5 مليار لتر، أما الكاز فبلغ 9.5 مليار لتر، مقابل 11 مليار لتر من زيت الوقود.

تشير حسابات خاصة لـ "الترا عراق" إلى أنّ الرسوم الممكنة استنادًا لإحصائيات العام الماضي أقل من التي تتوقعها وزارة المالية بـ 135.5 مليار دينار

وفي تفصيل أكثر، يعني أن حجم البنزين المباع يوميًا كان يبلغ 28.7 مليون لتر، من بينه 3 ملايين لتر يوميًا كبنزين محسن، أي أن أكثر من مليار لتر خلال عام بيع كبنزين محسن "مستورد" كما هو، و9.5 مليار لتر كبنزين عادي.

وبذلك يكون حجم استهلاك المشتقات المستهدفة بالرسوم في الموازنة خلال عام كما يلي:

  • 9.5 مليار لتر بنزين عادي.
  • أكثر من مليار لتر بنزين محسن.
  • 9.5 مليار لتر كاز.
  • أكثر من 11 مليار لتر زيت وقود.

وحول أسعار بيع هذه المشتقات من المصافي إلى شركات التوزيع وبالتالي المحطات والمستهلك النهائي، يشير الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إلى أنّ سعر بيع البنزين من المصافي إلى التوزيع يبلغ 250 دينار لكل لتر، وسعر بيع الكاز 225 دينار لكل لتر، فيما يبلغ سعر النفط الأسود 100 دينار لكل لتر.

وفقًا لهذه الأرقام تكون عائدات شركة المصافي خلال عام من بيع البنزين العادي 2.3 تريليون دينار، ومن الكاز 2.1 تريليون دينار، ومن النفط الأسود 1.1 تريليون دينار، فضلاً عن 657 مليار دينار من بيع البنزين المحسن.

وبالاستناد إلى الأرقام الواردة في الموازنة تكون قيمة رسوم المبيعات كما يلي:

  • البنزين: 5% (115 مليار دينار).
  • الكاز: 10% (210 مليار دينار).
  • زيت الوقود: 1% (11 مليار دينار).
  • البنزين المحسن: 15% (98.5 مليار دينار).

ليكون المجموع 434.5 مليار دينار، بفارق 135.5 مليار أقل عن الإيرادات المتوقعة من قبل وزارة المالية.

كما أنّ الإيرادات التي تتوقعها وزارة المالية من رسوم مبيعات الكاز أقل بشكل كبير، حيث يخمن بيان الوزارة 45 مليار دينار فقط، على الرغم من أن النسبة المحددة في الموازنة من الرسوم على الكاز تبلغ 10%، أي ضعف الرسوم المتوقعة من البنزين، في ظل تقارب أسعار البنزين والكاز نسبيًا.

 

غضب في الجنوب

وأثارت المادة احتجاجات غاضبة نظمها موظفو شركتي المصافي والتوزيع بلغت ذروتها في الساعات الأيام القليلة الماضية بإضراب أدى إلى أزمة وقود في البصرة.

وصعد الموظفون احتجاجاتهم بالتزامن مع جلسة تمرير الموازنة عبر إغلاق الطريق إلى بوابات الشركات النفطية في الشعيبة، وإغلاق سكة قطار نقل المشتقات النفطية في البصرة.

ويقول المحتجون إنّ فرض هذه المادة يعني "تحويل شركات التصفية والتوزيع إلى "شركات خاسرة"، فيما يرجح مختصون أن تطعن وزارة المالية بتعديلات اللجنة البرلمانية في حال إقرارها، لتفرض الرسوم على المستهلك النهائي.

وسبق أنّ أكّدت وزيرة المالية طيف سامي أنّها ستطعن بالموازنة في حال تغيير الفقرات التي أدرجتها الحكومة في المسودة التي صوت عليها مجلس الوزراء.