مطلع كانون الأول/ديسمبر وصف رحيم الدراجي، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، 80% من المصارف الأهلية العراقية بأنها "عبارة عن دكاكين". لم يتوان عن القول إن هذه المصارف تقودها "بعض الجهات السياسية". وبعد نحو أسبوعين من تصريحه، وضع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية شركتين عراقيّتين متخصصتين بالتحويل بالمالي على "القائمة السوداء".
برلمانيون عراقيون يفضحون عملية استخدام المصارف العراقية لتمويل داعش وغسل الأموال
وفي الآونة الأخيرة، بدا نواب في البرلمان العراقي على اهتمام كبير بحركة الأموال العراقيّة، ومراقبة أصول بعض شركات التحويل المالي ومسالك تحويلاتها المالية الداخليّة والخارجية. اتضح أن الكثير من هذه الشركات تعمل بمساعدة أحزاب على تهريب الدولار. وتساعد، بعلمها أو من دونه، على وصول الأموال إلى تنظيم "داعش" الذي ما زال يسيطر على محافظة نينوى، إحدى أكبر المحافظات العراقيّة. وكشفت ماجدة التميمي، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، عن وجود دعاوى في المحاكم العراقية ضد 37 شركة ومكتب صيرفة بتهمة الفساد والتعاون مع تنظيم "داعش".
والتميمي، المعروفة بدقّة معلوماتها، قالت إن "الدعاوى ضد هذه الشركات جاءت بناء على معلومات استخبارية عراقية"، لافتة في الوقت ذاته إلى أنها ستقوم شخصيًا، عبر اللجنة المالية في البرلمان، بـ"الاتصال ومتابعة نتائج التحقيق بحق هذه الشركات".
اقرأ/ي: العراق.. الجبوري بريء من الفساد في ساعة واحدة
ووفقاً للتميمي، فإن إحدى الشركات المقام دعوى ضدها هي نفسها التي فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليها. وسرعان ما أعلن البنك المركزي العراقي اتخاذ إجراءات بسحب أصول الشركتين، وحثّ المؤسسات المالية العراقيّة على عدم التعاون معهما.
وأتت إجراءات البنك المركزي الساعية إلى تجفيف منابع أموال التنظيمات الإرهابية بالمديح عليه من قبل ملحق الخزانة في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد، حيث قال إن البنك المركزي العراقي قد أنجز خلال السنة الماضية ما يفوق الإجراءات المتخذة لـ13 عامًا الماضية من حيث الإجراءات والأنظمة التي تحد من تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
في المقابل، وفي الشقّ الثاني من حركة الأموال العراقيّة، فإن عامي 2015 و2016 كشفا عن زيف الأصول المالية لبعض المصارف الأهلية، إذ مع انخفاض مدخول العراق المالي من الدولار بعد هبوط أسعار النفط، أعلنت عدة مصارف أهلية إفلاسها وهو ما تسبّب بتظاهرات لعملائها على مداخل أبنيتها.
البنك المركزي العراقي أنجز إجراءات حثيثة للحد من تمويل الإرهاب وغسيل الأموال
وفي الغالب، تموّل المصارف نفسها من خلال مزاد البنك المركزي من الدولار الذي يأتِي ليدعم قيمة الدينار العراقي. ويعد هذا المزاد بوابة إثراء للمصارف وبعض الأحزاب، حيث يقوم هؤلاء بشراء الدولار بمبلغ منخفض وليقوموا ببيعه في السوق السوداء، أو تهريبه إلى خارج البلاد من خلال حيل الحوالات المالية التجارية، ووفقًا للنائب الدراجي فإن أرباح بعض المصارف الشهرية تتجاوز 10 ملايين دولار، وتثير هذه المصارف حنق عبد السلام المالكي، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية.
وأشار المالكي إلى وجود "أربعة مصارف أهلية" متنفذة عمدت إلى إنزال أربعة مصارف وهمية لكل منها أي بواقع 16 مصرفًا، حيث تم دفع اعتماداتها من العملة بواقع 125 مليار دينار لكل مصرف، لافتًا إلى أنها "تمثل أذرعًا وهمية وواجهات لتلك المصارف". ووصف المالكي المصارف (لم يسمها) بـ"المافيات"، وقال إنها "تعمد إلى محاربة وتشويه سمعة كل من يحاول استهدافها من خلال وسائل إعلام مشبوهة أو شبكات عنكبوتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ناهيك عن وجود حيتان فساد وأحزاب متنفذة سياسيًا توفر الدعم والغطاء لتلك المصارف بغية تنفيذ أهدافها بتدمير اقتصاد البلد".
ولم يستبعد المالكي أن تذهب بعض الأموال هذه المصارف إلى "طريق التهريب إلى جماعات إرهابية"، فضلًا عن أنه عدّ عملها "استنزافًا مقصودًا لثروات البلد بغية تخريب الاقتصاد المحلي وصولًا إلى انهياره بشكل كامل". وحتّى عام 2015، لم يكن العراق يمتلك قانونًا لغسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، ولولا ضغوطاتُ البنكُ الدولي على الحكومةِ العراقيةِ وتلويحه بوضعِ العراقِ على القائمةِ السوداء، لما أقرّ البرلمان العراقي قانون "غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب".
وعدّ اقتصاديون أن إقرار القانون جاء متأخرًا، لاسيما بعد ان تمّ تهريب أموال طائلة إلى خارج العراق، وأدت عدم مراقبة حركة الأموال إلى تمويل تنظيمات مسلحة منها "داعش"، لكن، وإلى الآن، هل يبدو أن الحكومة قد سيطرت بشكل فعلي على تدفق المال إلى الخارج وإلى التنظيمات الإرهابية؟
اقرأ/ي أيضًا: