أميط اللثام عن فضيحة جديدة للجيش البريطاني في العراق، تمثلت بسماحه بقتل عشرات المدنيين العزل في البصرة ومحافظات العراق الجنوبية، خلال احتلاله لتلك المحافظات بين عامي 2003 – 2007، عندما سمحت قيادته بـ "تخفيف قواعد الاشتباك"، وفق شهادات جنود بريطانيين نشرها موقع "ميدل ايست آي".
قتل الجنود البريطانيون عراقيين عزل في البصرة لمجرد حملهم هاتفًا نقالًا أو إثارتهم لشكوك الجنود
قال الموقع، الأسبوع الماضي، أن "الجيش البريطاني كان قد أقرَّ ونفذ قواعدًا وقوانينًا للاشتباك في العراق - وكذلك أفغانستان - سمحت في بعض الأحيان للجنود بإطلاق النار على مدنيين غير مسلحين، كان يشتبه في تنفيذهم مهام مراقبة ضد القوات البريطانية".
اقرأ/ي أيضًا: طفل عراقي مغيب منذ 13 عامًا..والجيش البريطاني متهم
فيما أكد جنديان سابقان، أن "قواعد الاشتباك قد خففت في بعض الأحيان أثناء العمليات في البصرة، وغيرها من المحافظات الجنوبية التي تحتلها بريطانيا، بسبب مخاوف من عمل أفراد غير مسلحين كمراقبين للقوات البريطانية لصالح مجاميع المتشددين، أو انهم كانوا متورطين في زرع قنابل على جانب الطريق".
يقول الجنديان، إن "قيادة الجيش سمحت لهم في عام 2007، وفي وقت تعرضت فيه القوات البريطانية لهجمات متكررة أو استهدفتها قنابل على الطريق، بإطلاق النار على أي شخص يحمل هاتفًا أو يحمل مجرفة أو يتصرف بأي شكل من الأشكال بطريقة مريبة".
أنتج ذلك "فورة قتل"، كما يكشف جندي ثالث، مؤكدًا إنه لا يعتقد أن جميع الضحايا كانوا يراقبون القوات البريطانية. وقال إنه "شهد مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في البصرة عام 2007"، مضيفًا : "كان قادتنا يقولون لنا: سنحميكم في حال تم التحقيق معكم. فقط قولوا إنكم ظننتم بصدق أن حياتكم معرّضة للخطر- هذه الكلمات ستحميكم".
إلى ذلك أكدت شهادة مواطنين عراقيين، الاتهامات الموجهة للجيش البريطاني، إذ قال أحد ابناء البصرة إياد سالم، وفقًا للموقع: "كل هذا صحيح"، مشيرًا إلى أن "القوات البريطانية، كانت تقتل كل من يتجول في شوارع البصرة، في نيسان/أبريل عام 2003".
وأضاف، : "كنت أحد الأشخاص المستهدفين، حينها، بينما كنت أسير في منطقة جسر الزبير في البصرة. وفي تلك اللحظات، استهدفت القوات البريطانية بعض المارة بوابل من الرصاص، كان هناك الكثير من المدنيين في المنطقة القريبة من (المحطة)".
من جانبه قال الصحافي منتظر الزيدي، والذي رشح في الانتخابات البرلمانية الماضية عن قائمة سائرون التي يتزعمها مقتدى الصدر، لكنه لم يفز، إنه "لم يسبق له أن أدرك أن المدى الذي نجم عنه موت المدنيين في البصرة، كان بسبب السياسة العسكرية المتعمدة"، مضيفًا : "اعتقدنا أن عمليات إطلاق النار هذه كانت أعمال فردية قام بها جنود أو ضباط - لم نعتقد أنها جزء من العقيدة العسكرية البريطانية"، وفقًا للموقع البريطاني دائمًا.
رأى الزيدي، الذي رمى حذائه على الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، في عام 2008، أن التقرير "كشف عن عقلية استعمارية من جانب الجيش البريطاني"، مشددًا بالقول : "هذا الأمر رخيصٌ ومنحط، ويذكرنا بعقلية وأخلاق العصور الوسطى"، فيما اتهم الجيش البريطاني، بـ "التخلف إنسانيًا وأخلاقيًا".
في حين رفضت وزارة الدفاع البريطانية التعليق على تلك الاتهامات، وفق "ميدل ايست آي"، فيما لم يرد مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، على الاتصالات للتعليق عليها.
بدوره قال سلام علي، عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي، إن روايات الجنود البريطانيين كانت "مروعة"، مشددًا على ضرورة "إجراء تحقيق مستقل ومناسب بعمليات القتل تلك".
أضاف علي، وفقًا للموقع، إنه "سلوك متعمد يعيد إلى الأذهان الطريقة التي تصرف بها موظفو شركة بلاك ووتر الأمريكية في العراق، مع ما يقرب من 200 عملية إطلاق نار، كما وثقها الكونغرس"، مشيرًا إلى المذبحة التي وقعت في ساحة النسور في بغداد عام 2007، عندما قُتل 17 مدنيًا.
وأكد علي، أن "هناك حاجة إلى إجراء تحقيق مناسب في حوادث مماثلة لتوثيق الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين خلال الحملة العسكرية التي قام بها التحالف الدولي ضد داعش منذ 2014، بما في ذلك المملكة المتحدة".
يظهر تحقيق الموقع البريطاني، أن "إطلاق النار على المشتبه بهم بالمراقبة لصالح العدو ليس مخالفًا للقانون، وفقاً لخبراء في القانون العسكري، في حال كانوا يستخدمون الهاتف النقال للمشاركة في هجوم عدائي".
يطالب عراقيون بتحقيق شامل في حوادث القتل التي ارتكبتها قوات التحالف الدولي ضد المدنيين
حيث ينص تعديل عام 1977 لاتفاقيات جنيف، أنه لا يجوز مهاجمة المدنيين أثناء أي نزاع مسلح دولي "إلا إذا شاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية"، حينها فقط يفقدون حمايتهم القانونية. غير أنه لا يوجد تعريف دقيق لـ "المشاركة المباشرة"، ولكن يجب منح المدنيين "فائدة الشك" في حال لم تتضح مشاركتهم في الأعمال العدائية.
اقرأ/ي أيضًا: استمرار اغتيال الناشطين في البصرة.. خوف السلطة من تقصيرها
يبيّن التحقيق، "في حين يتمتع الأطفال والنساء بحماية خاصة في القانون الدولي، ليس هناك ما يحد حق الجندي بالدفاع عن نفسه، حتى عمر المشتبه به".
وكانت بريطانيا قد سلمت السلطة في البصرة، إلى القوات المحلية في عام 2007، إلا أن 400 جندي بريطاني ما زالوا في العراق، كجزء من التحالف لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في وقت باتت تثير تلك القوات غضب الكتلتين الأكبر في البرلمان العراقي، واللتين تسعيان لتشريع قانون لطرد القوات الأجنبية.
اقرأ/ي أيضًا: