01-نوفمبر-2022
السوداني وزعماء الكتل

الترا عراق - فريق التحرير

شهد العراق، خلال الأيام القليلة الماضية موجة من السخط عبرت عن خيبة أمل كبيرة تجاه كابينة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وسط مقارنات بين ما تعهدت به حكومة الأخير وما ترجمته باختيار المسؤولين لإدارة الحقائب الوزارية وبعض المناصب.

واجهت كابينة السوداني انتقادات لاذعة منذ الساعات الأولى لمنحها الثقة من قبل مجلس النواب

ونال وزراء حكومة السوداني حصصًا متفاوتة من السخرية والغضب، إذ اعتبرت الكابينة نموذجًا يمزج بين أسلوب المحاصصة الصريحة على طريقة حكومتي نوري المالكي وتشكيلة التسوية برئاسة عادل عبد المهدي. لكن القدر الأوفر من الانتقادات كان من نصيب اثنين من أعضاء مجلس الوزراء؛ أحدهما وزير التربية إبراهيم النامس الجبوري.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد إطلاق النار من أسلحة متوسطة وخفيفة في سماء منزله احتفالاً بتنصيبه ضمن الحكومة، وسط مطالبات بمحاسبته التزامًا بتعهدات السوداني بحفظ هيبة الدولة والسيطرة على السلاح المنفلت، فيما بادر المكتب الإعلامي للوزير بإصدار بيان قال فيه إنّ "المقطع الذي نشر بعنوان الاحتفال بتسنمه حقيبة وزارة التربية، لا تمثله ولا تعكس الطابع العلمي للوزارة وهي عبارة عن اجتهادات خاصة غير مقبولة".

 

التربية بالرصاص.. و"التعليم الولائي!"

بدوره، واجه وزير التعليم العالي نعيم العبودي، أحد أبرز قيادات حركة "عصائب أهل الحق" الموالية للمرشد الإيراني علي خامنئي، حملة انتقادات وسخرية أشد وطأة.

وأعاد ناشطون ومتفاعلون ترويج مقاطع من تصريحات سابقة للعبودي يقول فيها إنّ "العامود الفقري ثقافيًا وعقائديًا في العراق هو ولاية الفقيه"، في ظل مخاوف حقيقية من استخدام نفوذ الوزير في إطار حملة "السيطرة الولائية على الجامعات العراقية".

يرتبط اسم العبودي بقضية شراء شهادات علمية من جامعات لبنانية في ملف ما يزال مفتوحًا في وزارة التعليم العالي

ويحمل العبودي شهادة دكتوره من الجامعة الإسلامية في لبنان، إحدى 3 جامعات قررت وزارة التعليم العالي التي يرأسها العبودي الآن، حظر الدراسة فيها إثر فضيحة تمثلت في اتهامات ببيع 27 ألف شهادة عبر شبكة مرتبطة بمسؤولين في العراق.

 

ولا تشير السيرة الذاتية للعبودي، الذي ما يزال يشغل صفة المتحدث باسم حركة العصائب، إلى تواريخ حصوله على درجة الماجستير والدكتوراه من الجامعة اللبنانية الإسلامية، ما أثار مطالبات بعزل الوزير خاصة بعد شهادات دونها أساتذة جامعات.

وكتب رئيس جامعة الكوفة والمستشار في وزارة التعليم نبيل الراوي، في وقت سابق، "نعيم...من مفارقات القدر أني كنت رئيسًا لجامعة الكوفة بعد انتقالي من رئاسة جامعة الأنبار قبل الاحتلال وكنت أنت طالبًا فيها"، مضيفا: "اليوم أنت وزير بعد حصولك على دكتوراه (كلك) وأنا مطارد"، و"كلك" هي كلمة تطلق بمعنى "التزوير" باللهجة العراقية الشعبية.

ويتابع الراوي انتقاده للعبودي: "فقط للعلم...هي كبيرة جدًا عليك، ولا يليق بكوادر التعليم العالي والجامعات أن يحدو ركبهم مزور شهادات".

 

وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي في مجال الإعلام مسلم عباس، أنّ "غالبية المواطنين العراقيين يعتقدون أنّ الوزير يمثل أفضل نتاجات الأحزاب، وهذا ينطبق على وزيري التربية والتعليم، ما يعني أنّ نتاجات الأحزاب على هذا الصعيد لا تليق بالمستوى الذي تتأمله الجماهير".

 

مفارقة.. ونزاع مبكر

ويقول عباس في حديث لـ "الترا عراق"، "من الغريب تعيين وزير للتربية لم يستطع تعليم أسرته أن إطلاق العيارات النارية سلوك خاطئ وغير مبرر أخلاقيًا وممنوع قانونيًا"، مشيرًا إلى أنّ "وزير التربية فشل في الدرس الأول واستحق تقييمًا سلبيًا من الجماهير العراقية جعلته في مصاف التلاميذ الفاشلين".

وحول الانتقادات الموجهة إلى رئيس الوزراء بشأن اختيار نعيم العبودي لوزارة التعليم، فيبيّن عباس، أنّ "الإشكالية الكبرى تتمثل بالشهادة العلمية التي يحملها العبودي، وقد أعلنت الوزارة عدم الاعتراف بها قبل شهور قليلة، وهي مفارقة حقيقية دعت الكثير من المواطنين إلى السخرية من الموضوع واعتباره عقوبة للوزارة نفسها، وتكريمًا للسيد نعيم العبودي".

وجهت منصات تابعة لفصائل مسلحة نيرانها إلى داخل الإطار إثر خلاف على إدارة المناصب ومكاتب المسؤولين

على مستوى آخر، طفا إلى السطح مبكرًا نزاع بين الأطراف الشيعية الموالية لإيران بشأن مناصب الخاصة وإدارة مكاتب المسؤولين في حكومة السوداني.

وأبدت منصات وحسابات إعلاميين على صلة بالفصائل المسلحة، تولت سابقًا قيادة حملات تحريض ضد متظاهرين وناشطين، اعتراضًا على تكليف ربيع نادر على رأس المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة.

13

 

ربيع نادر مجددًا؟!

عمل نادر سنوات طويلة في مواقع متقدمة في قناة "العهد"، الناطقة باسم حركة "عصائب أهل الحق"، وظل مرتبطًا بها على الرغم من الاتهامات الكبيرة الموجهة إلى الفصائل المسلحة بشأن عمليات القتل والاغتيال وصفقات الفساد. وعلى الرغم من ذلك لم يتردد إعلاميون من الخط الولائي في وصم نادر بالمتخاذل، بحجة أنّ موقفه من المناهضين للإطار التنسيقي لم يكن "واضحًا بشكل كاف".

إلى جانب ذلك، صب خبر تعيين إعلامي العصائب الأبرز، المزيد من الزيت على الغضب المتصاعد نحو حكومة السوداني، بالنظر إلى دور ربيع نادر في مكتب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إبان الاحتجاجات الشعبية عام 2019.

وتولى نادر قيادة فريق إعلامي، بالتزامن مع اندلاع تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر، بهدف إنقاذ سمعة الحكومة آنذاك، عقب سقوط عشرات الضحايا، وهي مهمة فشلت بعد أقلّ من شهرين فقط.

ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان مهند الجنابي لـ "الترا عراق"، إنّ "رئيس مجلس الوزراء لم يقم باختيار شخصيات إدارة الكابينة الجديدة، على أسس الكفاءة والنزاهة"، مبينًا أنّ "سلوكيات بعض الوزراء وعوائلهم أظهر حكومة السوداني بين أسوأ التشكيلات الوزارية منذ 2003".

يحذر مراقبون من عواقب وخيمة قد تقود إليها حكومة السوداني في حال مواصلة اختيار شخصيات مرفوضة في المرحلة الراهنة

ويضيف الجنابي، أنّ "تكليف وزير متهم بالتزوير وآخر دون مؤهلات وشخصيات من هذا النوع في المناصب الرفيعة، يؤشر حجم الأزمة التي يعيشها نظام الحكم في العراق، وقد يدفع البلاد إلى منزلق خطير جدًا، في ظل تجاهل الرغبة الشعبية العارمة بالتغيير".