ألترا عراق ـ فريق التحرير
منذ الاحتلال الأمريكي وآليات التكميم تمارس بأوسع مدياتها على الوسط الصحفي في البلاد، ولطالما وضع العراق في المنطقة الحمراء على خارطة حرية الصحافة، ولا ينتظر الصحفي أن يقمع من جهة واحدة، حيث تتعدد محاور استهدافه، السلطة وأذرعها الساندة من الجماعات المسلحة، والتي تأخذ على عاتقها مهمة تهديد الصحفيين واختطافهم، وتصفيتهم إذا استلزم الأمر.
مع بداية الاحتجاجات في تشرين الأول اتسعت دوائر استهداف الصحفيين في العراق، حيث ترك أغلبهم أماكن عملهم متوجهين إلى إقليم كردستان
منذ الجولة الأولى للاحتجاجات في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019، أخذت دوائر استهداف الصحفيين تتسع، فيما تقلصت مساحة حريتهم، حيث هُدد الكثير منهم، وتعرضت مكاتب قنوات فضائية إلى المداهمة والإغلاق من قبل مجاميع مسلحة، ما دفع كثيرون إلى ترك محافظاتهم والسفر إلى إقليم كردستان في محاولة للبحث عن الأمان والحرية لممارسة أعمالهم، بالإضافة إلى بعض وسائل الإعلام التي أغلقت مكاتبها في بغداد وتحولت إلى محافظات الإقليم.
اقرأ/ي أيضًا: 2019.. عام الانتكاسات والاغتيالات للصحفيين في العراق
وثقت النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين، في تقريرها السنوي الصادر في 12 كانون الثاني/يناير، 188 انتهاكًا تعرض له صحفيون وإعلاميون عام 2019، فيما أشار رئيس النقابة ياسر السالم إلى أن "استمرار عمليات التصفية الجسدية والمنع والاحتجاز والاختطاف والاعتقال بحق الصحفيين يجعل واقع الصحافة العراقية مريرًا ومشؤومًا وبائسًا وبلا مستقبل".
الصحفيون، افتقدوا الشعور بالأمان، وكان على كل منهم أن يتخذ سلسلة إجراءات أمنية للحافظ على حياته، بحسب "س.م"، والذي يقول إن "غلق مؤسساتنا بعد اقتحامها عرضنا وعوائلنا للخطر والتهديد بشكل مباشر، فلم يكن لنا وجهة آمنة وقريبة سوى إقليم كردستان أو الجلوس في المنزل، خاصة وإن محافظات الإقليم غير مشمولة بقطع الإنترنت مثل بغداد وبقية المحافظات، ما يضمن الاستمرار بممارسة أعمالنا".
الصحفي "س.م"، رفض الكشف عن اسمه لذات الأسباب "المخيفة" التي اقتحم بها مقر عمله، حيث يضيف لـ"ألترا عراق"، أن "العمل في مؤسسات صحفية تابعة لجهات حزبية ومجاميع مسلحة، تعتبر بطاقة أمان للعاملين بها من الصحفيين، والتي يتحركون فيها، وعند أي تعرض ولو بالخطأ سيحظون بحماية ورعاية فصيلًا مسلحًا"، مبينًا أن "بعض الصحفيين يعملون مع تلك الجهات ويمارسون دور المخبر على زملاءهم، فيما ينقل بعضهم التهديدات من خلال نصائح يوجهونها لهم".
ينقل "س.م" عن زميله الذي يعمل في مؤسسة تابعة لجهة مسلحة، قوله، إن "التعامل مع الصحفيين الذين لا يعلمون مع مؤسسات الفصائل أو يعملون في مؤسسات ضد توجه السلطة وولاية الفقيه، يكون على أنهم جزء فاعل في المؤامرة الأمريكية أو المشروع الأمريكي الذي يستهدف النفوذ الإيراني، لافتًا إلى أن "تصفيتهم أو اعتقالهم مشرعن بفتاوى صريحة يتناقلونها بينهم، وهي مرهونة بتقديرات وتنفيذ تلك الجهات".
بعض الصحفيين الذين يعملون مع قنوات الفصائل المسلحة يمارسون دور المخبر على زملاءهم، فيما ينقل بعضهم التهديدات من خلال نصائح يوجهونها لهم
ليس بعيدًا عن بغداد، تمارس الجهات ذاتها تهديدًا مضاعفًا على الصحفيين في المحافظات الجنوبية، والذي يعزوه صحفيون هناك إلى صغر المحافظة، فضلًا عن قلة عددهم مقارنة بالعاصمة.
اقرأ/ي أيضًا: التغطية تحت أزيز الرصاص.. كيف وثق الصحفيون احتجاجات تشرين؟
ونشطت بشكل لافت التهديدات والملاحقات لصحفيين في عدد من المحافظات، واختطف مجهولون صباح 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، مراسل وكالة بغداد اليوم، في محافظة الديوانية، على مقربة من منزله وسط المدينة، فيما أكد زملاء له، تلقيه عدة تهديدات منذ انطلاق الاحتجاجات، بحسب مرصد الحريات الصحفية JFO.
وفي أوقات ما بعد الاحتجاجات، كان اغتيال الصحفي أحمد عبد الصمد وزميله المراسل صفاء غالي، الأشد وقعًا على الصحفيين، حيث تم اغتيالهما خلال تغطيتهما للتظاهرات الشعبية في البصرة، وكان عبد الصمد قد طرح سؤالًا على صفحته في "فيسبوك"، قال فيه، إنه "لماذا لم يعتقل أحدًا من المتظاهرين الذين تظاهروا لأجل الجانب الإيراني قبل أيام أمام السفارة الأمريكية"، مضيفًا "لماذا بدأت الاعتقالات الآن، ولماذا سقط الشهداء بين المتظاهرين في البصرة، ولم يتعرض أحدًا للمتظاهرين أمام السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء"، مبينًا "هل عرفتم الآن من الطرف الثالث؟".
من جهته، يرى الصحفي، عمر الشمري، أن "ما تعرضت له وسائل الإعلام خلال الأشهر الأربعة الماضية، ينسف الحديث عن وجود حرية تعبير، وحرية إعلام في العراق، حيث ألقى بظلاله على تلك الوسائل وفق عدة مستويات، أبرزها الإغلاق بشكل نهائي، كما حصل لقناة NRT عربية، بعد اقتحام مقرها، وصولًا إلى أغلاق مكاتب عدة مؤسسات إعلامية في بغداد، بسبب التهديدات الحاصلة، وانتهاءً بعمليات الإعدام الميدانية التي طالت الكثير من الصحفيين الذين نشطوا في تغطية الاحتجاجات الشعبية".
عدّ الشمري خلال حديث لـ"ألترا عراق"، واقعة اغتيال أحمد عبدالصمد، وصفاء غالي في البصرة "دليلًا على التواطؤ الحكومي مع الميليشيات المسلحة المتغلغلة في البلاد، وعجز القوات النظامية، عن التحرك"، مبينًا أن "التراخي الواضح في التحقيق وإعلان النتائج حول منفذي الاغتيالات يعزز الشكوك بتورط حكومي أو جهات رسمية، في تلك الاغتيالات خاصة مع غياب القضاء والادعاء العام لملاحقة مرتكبي تلك الجرائم".
عمر الشمري: اغتيال أحمد عبد الصمد وصفاء غالي في البصرة هو دليل على التواطؤ الحكومي مع الميليشيات المسلحة المتغلغلة في البلاد
وبشأن سبل مواجهة تلك التحديات، أشار الشمري إلى أن "ذلك يعود إلى قدرة وسائل الإعلام على المناورة، سواءً بتوفير حماية لصحفييها، أو نقل مقرّاتها إلى إقليم كردستان، كما حصل مؤخرًا لقناة الحرة، ووسائل إعلامية أخرى، انتقلت إلى هناك على وقع التوترات، ما يضمن السلامة ويمنح الصحفي الحرية التامة في العمل والكتابة وتسليط الضوء على أي مفصل، معتمدًا على مصادره في المحافظات".
اقرأ/ي أيضًا:
وثق الانتهاكات وشخّص الطرف الثالث.. لماذا قتل عبدالصمد فورًا بعد هذا الفيديو؟
جمعية الدفاع عن حرية الصحافة: تشرين هو الأسوأ للصحفيين منذ 16 عامًا!