ألترا عراق ـ فريق التحرير
لم يغب ملف الاختفاء القسري في العراق عن المشهد طيلة السنوات الماضية، إذ أن البلاد تتصدر الموقع الأول عالميًا في عدد المختفين قسريًا، وبالرغم من أن الجهات السياسية التي تدافع عن المتهمين بـ"التغييب القسري"، ترجع أمر المغيبين إلى أنه يطرح كورقة انتخابية في أيام الانتخابات، أو في الأزمات والاختلافات السياسية كورقة للضغط، إلا أن منظمات عالمية وحقوقية ومطالبات للأهالي تؤكد وجود آلاف المغيبين بغض النظر عن الاستثمار السياسي، فيما ظهر الحديث بهذا الملف هذه المرة كـ"قنبلة موقوتة" في مؤتمر البرلمانات العربية من خلال كلمة ألقاها النائب ظافر العاني، وهو أيضًا، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي.
يقول ظافر العاني إن الميليشيات تمنع 100 ألف عراقي من العودة جرف الصخر حيث منازلهم
العاني، وفي كلمته التي اتهم فيها "الميليشيات الموالية لإيران في العراق بتغييب أبناء المكون السني"، أثار حفيظة الكثير من الأطراف السياسية وأبرزها عضو هيئة رئاسة البرلمان، النائب الأول حسن كريم الكعبي، الذي عبر عن استيائه الكبير ببيان صحافي شديد اللهجة طالب من خلاله بإقالة العاني من عضوية المجلس، معتبرًا ما ادعاه العاني بـ"الدعاية الانتخابية الرخيصة والطائفية"، وهو ما واجهه تحالف القوى العراقية ببيان مماثل أوضح فيه ما اسماه بـ"مغالطة الكعبي للوقائع الموجودة على الواقع".
اقرأ/ي أيضًا: جثث مقطّعة تدفن سرًا.. وثائق وصور جديدة عن جرف الصخر و"المغيبين"!
أبرز ما جاء في كلمة العاني، قوله إن "المنظمات الحقوقية تتجاهل أو تقلّل من قيمة الاعتداءات على حقوق الإنسان في العراق"، لافتاً إلى أن "حقوق الإنسان تتعرض لانتهاكات خطيرة من قبل الميليشيات التي تركب على ظهر الدولة العراقية"، فيما أشار إلى "وجود أكثر من 10 آلاف مغيب لا يُعرف مصيرهم وتحرم عوائلهم من دفن رفات أبنائها، أو حتى جبر خواطرهم وتجري عملية اختطاف ممنهج وترويع وقتل للشباب من قادة التظاهرات، ولا يعرف أحدًا لليوم هوية قاتليهم، كما تمنع الميليشيات 100 ألف عراقي من مدينة جرف الصخر من العودة لمنازلهم، ومثلها مدن أخرى بالعراق في مسعى لإحداث التغيير الديموغرافي".
لكن أطرافًا سياسية ترفض الاعتراف بـ"ملف المغيبين"، وهو ما يشير إليه المتحدث باسم شيوخ محافظة صلاح الدين، مروان الجبارة، بالقول، إن "هناك الآلاف من المغيبين قسريًا منذ 2003 وإلى الآن، مستدركًا "لكن الفترة التي أعقبت تحرير المحافظات التي احتلها تنظيم داعش الإرهابي وانطلاق العمليات العسكرية في 9 آذار/مارس عام 2015 شابها الكثير من المشاكل والتزييف حول اختفاء أبناء تلك المحافظات، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هناك أكثر من 700 مواطن من أهالي الجزيرة ـ غرب تكريت بعد أيام من تحرير مناطقهم في الشهر الرابع والخامس من ذات العام".
أما عن منطقة الدور في المحافظة، يبيّن الجبارة، أنه "في الشهر الثالث من العام 2015 كان هناك اختفاء لـ293 مواطنًا، وغيرهم في شمال بيجي والشرقاط، إضافة للمغيبين الذين اختطفهم التنظيم الإرهابي وهم كثر جدًا، لافتًا إلى أنه "تم التواصل مع الدوائر المعنية من الشرطة والجيش والقوات الأمنية الأخرى ليتم حصر أكثر من 9 آلاف مواطن مغيبين، وهم مسجلون بشكل رسمي في القوائم عبر شكاوى وإخبارات قضائية بمعزل عن غير المسجلين ولا يعرف عنهم أي تفاصيل".
ويتحدث الجبارة عن لقاء جمعه برئيس مجلس الوزراء في 30 آب/أغسطس 2020، وهو يوم المغيّب العالمي أو يوم المفقودين، وطرح ملف المغيبين قسريًا في محافظة صلاح الدين وتسليم كل القوائم المتوفرة وشكاوى ذويهم، مؤكدًا أنه "أبلغ الكاظمي صراحة بالجهات الخاطفة لذويهم وهم ميليشيات مسلحة تعمل في العراق لصالح إيران، وكانت مشاركة في عمليات التحرير".
طلب "ألترا عراق" من الجبارة كشف أسماء تلك الجهات التي قال إنها "ميليشيات إيرانية"، لكنه اعتذر قائلًا: "فيها خطورة علينا وعلى ذوي المغيبين لكون تلك الميليشيات لا تزال على الأرض في المحافظة".
القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، وقبل 8 أشهر، وعد بمتابعة الموضوع وكشف مصير المغيبين، إلا أنه :لم يرد أي شيء منه لغاية اليوم بخصوص هذا الملف"، بحسب الجبارة الذي تحدث عن "عائلة اختطف منها 7 أشخاص بعد عمليات التحرير من قبل الميليشيات وغيرها الكثير لتبقى العوائل بلا رجال ويتم معاملتهم على أنهم دواعش، في حين هم عوائل لا يجب معاملتهم هكذا لكون أبناءهم اختطفوا بعد القضاء على التنظيم الإرهابي"، كما يضيف الجبارة أن "هؤلاء بقوا بلا حقوق ولا تعويضات لكون منسوب لهم تهم كيدية لا تعتبر ذات صلة بهم".
يتحدث الناشط عمر آغا عن أكثر من 700 شخص تم تغييبهم في منطقة الرزازة من قبل "كتائب حزب الله"
النائب الأول لرئيس البرلمان، والذي ينتمي لتحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، حسن كريم الكعبي، ينفي وجود "مختطفين أو مهجرين بفعل الميليشيات كون مفوضية حقوق الإنسان في العراق لم تتحدث بذلك"، في رد على بيان العاني في جلسة البرلمان العربي، كما برّر الكعبي استمرار تهجير أهالي جرف الصخر، بأنها "كانت حاضنة للإرهاب".
لكن مفوضية حقوق الإنسان تحدثت عن "ملف المغيبين" في أوقات سابقة، عكس ما يقول النائب الأول لرئيس البرلمان، إذ أنها ـ وعلى سبيل المثال ـ أكدت في آب/أغسطس 2020، توثيق 8 آلاف و500 حالة إخفاء قسري في المناطق المحررة ومنها نينوى للفترة ما بين (2017- 2020)، وقال نائب رئيس المفوضية علي ميزر الجربا في تصريحات صحفية رصدها "ألترا عراق"، إن "المفقودين في المدن المحررة تم اختطافهم من قبل تنظيم داعش والفصائل المسلحة وبعض الجهات الأمنية".
واعتبر تحالف القوى العراقية، قول حسن الكعبي بعدم وجود مغيبين أو مختطفين "أمر لا تدعمه الحقائق، فهنالك الآلاف الذين تم اختطافهم في الصقلاوية وبزيبز وجرف الصخر ونينوى، والجهات التي اختطفتهم يفترض أنها معروفة للحكومة وللجميع، وقد استمرت تلك الجهات ومن يغطي عليها في الدفاع عنها وتبرير جرائمها، وهي التي يسميها مقتدى الصدر أنها ميليشيات وقحة"، كما عدّ التحالف وجود المغيبين "أمر ثبتته الوقائع وآخرها موازنة العام 2021 التي نصت على تعويض عوائلهم ومعاملتهم كشهداء".
اقرأ/ي أيضًا: "جثث بابل" تُعيد الخطاب الطائفي.. ما علاقة شقيق رئيس لجنة الأمن النيابية؟
وتواصل "ألترا عراق" مع المفوضية العليا لحقوق الإنسان، لتوضيح كيفية تعامل العراق مع ملف المغيبين، وهو الأمر الذي أوضح من خلاله عضو المفوضية، علي البياتي، قائلًا إنه "على الرغم من توقيع العراق لاتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، لكنه لا يوجد قانون في البلاد يترجم بنود هذه الاتفاقية ولا قانون يعرف الإخفاء والتغييب القسري، وبالتالي، فإن هذه المصطلحات تعتبر غائبة في القانون بالمطلق".
ولفت البياتي إلى أن "الاتفاقية تعرف بأن أي شخص يتم اعتقاله أو احتجازه من قبل موظف حكومي أو جهة حكومية أو طرف ثالث بعلم جهة حكومية، ويتمّ نفي مكانه أو مصيره، لذلك، فإن غياب القانون سيحبط أي محاولة تغييب أي شخص أم لا، وأيضًا الوصول لنفس المعنى المذكور بنص الاتفاقية، مؤكدًا أن "القضية بحاجة إلى تحقيق حقيقي وشفاف من قبل المؤسسة القضائية للتأكد في أي ادعاء يصدر للوصول للحقيقة".
وتسجل المفوضية أي شكوى تردها من مواطن عن اختفاء أشخاص بأنهم "مفقودون"، بحسب البياتي الذي قال إن "المفوضية لا تستطيع إطلاق أي تسمية أخرى ما لم يوجد تحقيق أولي بالحادثة عن طريق الجهات الأمنية، مشيرًا إلى أن "المفوضية عملت بشكل أصولي وخاصة من خلال لجنة الأمر الديواني 46 التي تشكلت في حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي على ذات الملف لكون الشكاوى وصلت إلى 8 آلاف شكوى نهاية عام 2017 فقط، وأيضًا، لدى اللجنة المستقبلة للشكاوى 10 آلاف شكوى كلها بنوعية (البلاغات) من العوائل والأهالي ولم يكن هناك أي تحقيق بشأنها".
ولفت البياتي إلى أنه "لا يمكن البت بمصير هؤلاء الأشخاص بالنسبة للمفوضية، ما لم تعرف عدة معلومات أساسية، وعلى سبيل المثال، هناك ضرورة لوجود قاعدة بيانات رئيسية وشاملة لكل المطلوبين بالإرهاب، فضلًا عن قاعدة بيانات لكل المحتجزين سواء في السجون أو الجهات الأمنية بالأرقام الدقيقة لأن ما موجود لا يمثل تفاصيل يمكن المطابقة من خلالها رغم أنه تم العثور على ما يقارب 250 شخصًا مفقودًا تم العثور عليهم بالسجون الحكومية عليهم قضايا جنائية أو أرهابية ما أدى لاعتقالهم دون وجود طريقة لتواصلهم مع ذويهم".
وتأخذ محافظة الأنبار حصتها من ملف المغيبين في مختلف مناطقها، إذ يتحدث الناشط عمر آغا عن أكثر من 700 شخص غيبوا في منطقة الرزازة فقط، قائلًا: "رغم أنهم هربوا من بطش عصابات داعش إلى العاصمة بغداد، لكن المعلومات المؤكدة تثبت تورط ميليشيات كتائب حزب الله بتغييبهم، وهو من اختطف هذه المجاميع من أهالي مدينة الفلوجة ومن ثم الرمادي وقضاء هيت".
ويقول آغا لـ"ألترا عراق"، إن "أغلب رجال ناحية الصقلاوية التابعة لقضاء الفلوجة اختطفوا من داخلها بعد دخول قوة تابعة للحشد الشعبي إلى الناحية أثناء عمليات التحرير، فيما أوضح أنه "في مدينة القائم غربي الأنبار الحدودية مع سوريا، قد تم اختطاف أكثر من 2000 شخص من قبل قوة ترتدي زي داعش بعد تحرير المدينة بأشهر، ولا يزال ذويهم يطالبون بكشف ملابسات الحادثة لأن أغلب المختطفين هم منتسبون للشرطة الاتحادية، وعادوا للمدينة بعد سيطرة الفصائل المسلحة عليها وخروج داعش".
ويضيف الناشط أن "ذوي المغيبين توجهوا للحكومة المحلية بمحافظة الأنبار، وسلّموا أسماء أبناءهم للجهات الحكومية المحلية، مستدركًا "لكن الأخيرة لم تقم بفعل شيء سوى نشر قوائم الأشخاص المفقودين على مواقعها"، كما تقوم بالرد على ذويهم بطريقة تأكيدية: "إنهم قد ماتوا أو لا نعرف أين، وأقوال أخرى غير مفسرة".
ويوضح آغا، أن "الحكومة المحلية بالأنبار تعتقد أن مسؤوليتها هي الاهتمام بعوائل المغيبين بشكل أساسي، وليس البحث عن أبنائهم المفقودين، في حين هي لم تقدم شيئًا لا للعوائل ولا لملف المغيبين، وحتى أهالي المغيبين هم لا يريدون شيئًا من الجهات الحكومية غير العثور على مفقوديهم ولو كان جثثًا فقط، معتبرًا سكوت الحكومة المحلية "تخاذل كبير عن تحمل مسؤوليتها تجاه أبناء المحافظة".
وبخصوص محاولات جهات معينة لتفعيل ملف العثور على المغيبين، بيّن الناشط الأنباري أنه "كانت هناك عدة خطوات لفترة معينة قام بها ناشطون ومنظمات، ولكن جوبهت بتحجيم للخطوات من قبل الجهات السياسية والأمنية رغم عدم وجود جهات أي كانت أو تمثيل نيابي تبنى القضية، وكأنه لا شيء حصل في هذه المحافظة"، فيما يستغرب آغا حصول ما اسماه "اتفاق مريب بين عدة أطراف على أن الأمر انتهى"، قائلًا "كأن هناك قوة نزلت من الفضاء أو من جهة غير معلومة اختطفت الأشخاص المغيبين حتى بات الناس يخافون الحديث بمسميات الجهات الخاطفة بسبب حالة الرعب والتضييق الشديد ضد من يتكلم عنها".
وبالعودة للمتحدث باسم العشائر في صلاح الدين، فقد سلّم موقع "ألترا عراق"، قائمة تحتوي على 376 اسمًا لأشخاص مغيبين في غرب تكريت، ومسجلين بشكاوى رسمية من ذويهم ضد قوات الحشد الشعبي (عصائب أهل الحق ـ فوج واسط التابع لمنطقة الجزيرة) ومسجل فيه أمام كل شخص معتقل اسم الجهة المعتقلة له، وهي تتراوح بين "عصائب أهل الحق" و "كتائب جند الإمام".
وبالحديث عن أسماء الفصائل الموجهة لها شكاوى بتغييب المواطنين في صلاح الدين، فقد كان لقائد كتائب جند الإمام وهو النائب في البرلمان أحمد الأسدي عن تحالف الفتح، موقفه أيضًا ضد ما كشفه النائب العاني في جلسة البرلمان العربي، إذ اتهم في تغريدة له على موقع "تويتر"، ظافر العاني بأنه عبارة عن "كتلة كراهية وحقد بعثي".
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن العراق يوجد فيه أحد أكبر أعداد الأشخاص المفقودين بالعالم، إذ تقدّر اللجنة الدولية للمفقودين التي تعمل بالشراكة مع الحكومة العراقية للمساعدة في استرداد المفقودين وتحديدهم، أن "العدد قد يتراوح منذ عام 2016 إلى 2020 بين 250 ألفًا ومليون شخص".
وفي وقت سابق، أكد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أن "العراق لا يزال الأول عالميًا من حيث عدد المختفين قسريًا على يد القوات الحكومية والميليشيات المرافقة لها وتنظيم داعش، داعيًا إلى "تدويل القضيّة وتشكيل لجان تعمل على كشف مصير المغيبين والمعتقلين ومحاسبة الجناة والمُقصرين".
ويقول مدير المركز عمر الفرحان، إن "اللجنة الدّوليّة للمفقودين وثقت منذ عام 2003 وإلى اليوم ما بين 250 ألفًا إلى 1000000 مليون مغيب، ولدينا نحن في المركز العراقي أرقامًا لبعض المناطق والمحافظات التي تعرضت إلى هجوم من قبل الميليشيات والقوات الحكومية مثل محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى سُجّل فيها أكثر من 23000 ألف مغيب خلال سنتين فقط، ولا يُعلم مصيرهم على الرغم من وجود الفيديوهات والصور التي تؤكد أنّ الميليشيات الولائية (فصائل الحشد الموالية لإيران) هي من قامت بخطفهم وتغييبهم لأسباب كثيرة منها الانتقام والتغيير الديموغرافي والطائفية والابتزاز المالي".
اقرأ/ي أيضًا:
مسلسل الجثث "مجهولة الهوية".. مغدورون جدد لا يمكن دفنهم وتكتم حكومي!