أكثر من ثلاثة أشهر على تعطيل المرجعية الدينية في النجف لصلاة الجمعة المقامة في العتبة الحسينية في كربلاء، استجابة لمقررات خلية الأزمة لمواجهة فيروس كورونا، وتتصدر الخطبة السياسية التي يقرأها ممثل المرجع السيستاني عن الأخير نشرات الأخبار يوم الجمعة، غالبًا ما تتوالى بيانات التأييد والالتزام من القوى السياسية لها، حتى الأحزاب الذين قد يكونوا هم المقصودون بها.
انقطعت الخطبة السياسية التي تقدمها المرجعية في كل جمعة منذ بداية أزمة كورونا في العراق
وبالرغم من أن المرجعية تؤكد أن مسار علاقتها بالحكومة ضمن "النصح والإرشاد"، إلا أن مواقف حساسة كان رأيها فيها محوريًا، وبعضها لم يتم الالتزام بها، بدءًا من فتوى الجهاد الكفائي التي دعت فيها المواطنون إلى الانخراط في صفوف القوات الأمنية ومواجهة تمدد "داعش"، وصولًا إلى دعمها لاحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر، وتبنيها ذات المطالب التي رفعها المحتجون، مثل قانون انتخابات عادل ومفوضية انتخابات نزيهة، فضلًا عن الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، بالرغم من اتهام بعض الزعماء لهذا الخيار بأنه خطة أمريكية، لكنهم تبنوه فيما بعد، فضلًا عن مطالبتها بشكل واضح وصريح رئيس الحكومة السابق عادل عبدالمهدي بـ"الاستقالة".
اقرأ/ي أيضًا: مفتي السنة غاضب.. رسالة إلى السيستاني وتحذير للكاظمي
وتعتبر المرجعية حجر الزاوية في اختيار مرشحي رئاسة الحكومة، بحسب تصريحات سياسية عديدة تقول إن "الكثير من الشخصيات تم سحب ترشحيها لرئاسة الوزراء بسبب رفض المرجعية، أبرزها رئيس الوزراء نوري المالكي في الولاية الثالثة، وأسماء أخرى كادت أن تُكلف بعد استقالة عبدالمهدي".
بدوره، يعتبر مدير مكتب المرجعية في بيروت والمقرب من السيستاني حامد الخفاف، للمرجعية أدوارًا مختلفة في العملية السياسية، منذ سقوط النظام السابق 2003 ولحد الآن، ويقول "أخذت بزمام المبادرة بإصدارها الفتوى الدستورية الشهيرة التي أسست لبناء الدولة العراقية الحديثة وفق نظام يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع إلى صناديق الاقتراع، وحثت العراقيين على الاشتراك في الانتخابات لتقرير مصيرهم بأيديهم، وعلى احترام القانون والحفاظ على المال العام، وعدم الثأر والانتقام".
ويضيف الخفاف في حوار صحفي اطلع عليه "ألترا عراق"، أن "المرجعية العليا تدخلت غير مرة لإيقاف التدهور الأمني في أكثر من منطقة، مستخدمة قوتها المعنوية، بتقديم حلول سياسية تارة، وبالتدخل المباشر تارة أخرى، كما حدث في أزمة النجف الكبرى في آب/أغسطس 2004، وكما أجهضت كثيرًا من المشاريع الأجنبية المشبوهة، وأخمدت الفتنة الطائفية بالحكمة والصبر، وواجهت الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وكان من أهمها الهجوم الهمجي الذي تعرض له العراق من قبل عصابات داعش، حيث أصدرت فتوى الدفاع الكفائي، ما أدى إلى تغيير موازين القوى بشكل جذري وإحباط مؤامرة كبرى حيكت للعراق والعراقيين".
ويتابع الخفاف "واكبت المرجعية العليا الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد المالي والإداري ودعمته بخطبها ومطالباتها ومواقفها"، لافتًا إلى أنها "كانت ولا تزال تراقب العملية السياسية بدقة تامة فتتدخل متى ما استشعرت الخطر محدقًا بالعراق ومصالح شعبه، ووجدت أن تدخلها يكون مجديًا في حل الأزمات المستعصية أو التخفيف منها، ولتدخل المرجعية ـ التي هي حريصة على أن لا تتجاوز فيه الأطر القانونية ـ صيغ مختلفة معلنة وغير معلنة، باختلاف الظروف والحيثيات".
وحول مساحة تأثير المرجعية في العمل السياسية قال الخفاف إن "المرجعية لا تتدخل في تفاصيل العمل السياسي بل تترك المجال واسعًا للقوى السياسية للقيام بذلك، وإنما تتدخل في القضايا المصيرية التي تعجز القوى السياسية عن التعاطي معها أو تقديم حلولًا مركزية له، وهي تؤمن بضرورة اندماج الشيعة أينما وجدوا في أوطانهم، وهي تترك لأهل الحل والعقد في كل بلد تدبير شؤونهم، ولا تتدخل في قضاياهم إلا إذا طُلب منها ذلك، ورأت أن لتحركها ثمرة مفيدة وفق الظروف والمعطيات الموجودة".
يقول حامد الخفاف إن قسمًا من الخطبة السياسية في يوم الجمعة يعد بمكتب السيستاني في النجف وبتوجيهه ومراجعته
وعن آلية كتابة خطبة الجمعة السياسية قال الخفاف، إن "قسمًا منها يعدّ في مكتب السيستاني في النجف بتوجيهه ومراجعته ويقُرأ بالنص، وقسم آخر كان من إعداد خطيبي الجمعة عبد المهدي الكربلائي وأحمد الصافي، ويتم إجراء بعض التغييرات الضرورية عليها قبل إلقاءها، وقسم ثالث كان مما ارتجله الخطيبين ضمن عناوين عامة متفق عليها مع المكتب"، موضحًا "لما تقرر في شباط/فبراير 2016، عدم التطرق أسبوعيًا إلى رؤى المرجعية في الشأن العراقي بل حسبما تستجد من الأمور اقتصر في الخطب ـــ ولا يزال ـــ على ذكر أمور أخلاقية ودينية واجتماعية عامة، وهي كلها من إعداد الشيخ الكربلائي والسيد الصافي، مع استثناءات قليلة يعدّ فيها نص الخطبة مكتوبًا في النجف، فيُقرأ من دون إضافة مرتجلة أو تغيير ملموس، كخطبة تحرير الموصل في تموز/يوليو 2017 وخطبة الاستفتاء في إقليم كردستان في أيلول/سبتمبر2017 وخطبة النصر على داعش في كانون الأول/ديسبمر2017، وخطبة الانتخابات في أيار/ مايو2018".
اقرأ/ي أيضًا: واشنطن تدفع الكاظمي إلى الفخ.. كيف يمكن تقويض الفصائل دون حمام دم؟
يعتقد الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي، أن "دور المرجعية يندرج ضمن قوة التأثير الاجتماعي، والذي يعد مطلبًا أساسيًا في ظل النظم الديمقراطية، بوصف الشعب مصدر السلطات، والفواعل التي لديها قوة تأثير في الرأي العام وتوجيهه هي قادرة على تصحيح المسار السياسي، والمرجعية تؤكد على هذا الإطار".
يضيف الشريفي لـ"ألترا عراق"، أن "المرجعية تؤكد في كثير من الأحيان على التخصص الدقيق في أخذ زمام المبادرة في إدارة الأزمة، ثم يأتي الدور الداعم من المرجعية أو قادة الرأي العام للتعبئة بما يتخادم مع سياسة الدولة المنبثقة من المتخصصين، وهذا يستشعر بشكل واضح في رأيها في آلية التعامل مع فيروس كورونا"، مبينًا أن "المسؤولية تقع على الحكومية في اختيار المتخصصين وإدارة المؤسسات وتفعيل اللوائح والقوانين، فيما يُرهن تدخل المرجعية بتقديراتها بوجود ضرورة تحتاج لرأيها".
تمارس القوى السياسية الانتقائية في التعامل مع رأي المرجعية، على حد تعبير الشريفي، قائلًا إن "الأجدر في البعد السياسي أن يكون تفهم، خاصة بظل النسق الثابت للمرجعية والتي لا تتغير بحسب الضرورات السياسية، والمفترض أن يتغير قادة الأحزاب وفقًا لقوة التأثير الاجتماعي لأنها تمثل رأي المجتمع، لكن الأحزاب أخذت تتفاعل وتسوق لخطاب المرجعية الذي يخدمها وتضفي عليه القدسية، فيما تتغاضى مع ما يتعارض مع مصالحها".
يرى الشريفي تعامل صُناع القرار مع رأي المرجعية مرهون بدرجة تطابقه مع مصلحتهم العليا، فيما ترهن المرجعية رأيها بمصلحة البلاد والشعب، وهذا ما تكرر في الحكومات السابقة التي تعاملت بانتقائية واستثمرت الكثير من مواقف المرجعية لمصلحتها الشخصية.
يرى الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي أن الأحزاب تسوق لخطاب المرجعية الذي يخدمها وتضفي عليه القدسية، فيما تتغاضى عن الذي يتعارض مع مصالحها
وبالرغم من انقطاع صلاة الجمعة التي تقرأ خلالها الخطبة السياسية، إلا أن الشريفي لا يعده "غيابًا"، ويوضح أن "المرجعية تكتفي بالمتابعة والمراقبة عندما تصل القناعات حول الوضع السياسي إلى حد الاطمئنان، ولا تتدخل إلا حين تحتاج العملية السياسية إلى الإسناد أو التقويم، حتى في فترة الانتخابات أشارت إلى الخطوط العريضة عبر تحديدها للصفات العامة للمرشحين انطلاقًا من مبدأ ولاية الأمة، لافتًا إلى أن "الترقب يخيم على الأداء السياسي لحكومة الكاظمي التي لم تتضح لغالية الآن، ما يجعل تدخل المرجعية بشكل علني مرهون بتطورات قادم الأيام، مع متابعته لما يحدث بشكل تفصيلي وتسأل عن مفردات دقيقة جدًا".
اقرأ/ي أيضًا:
تقرير: المواجهة مع الفصائل "تتعّمق".. والكاظمي أمام خيارين قاسيين
الكاظمي يوجه بإطلاق النار على الأشباح.. القوة العسكرية أو "الفاتحة" على العراق