يحتفل المسيحيون في العراق والعالم في مثل هذه الأيام بعيد قيامة المسيح، عدا فئة لم تخضع لاتفاق عموم الكنائس بتوحيد أيام العيدين "الولادة والقيامة". هذه السنة على سبيل المثال، تحتفل عموم الكنائس بالعالم في الحادي والعشرين من نيسان/أبريل، فيما تحتفل الكنيسة الشرقية والسريان الأرثذوكس والروم الأرثذوكس وكنائس ما تعرف بـ"7 بالشهر" في العراق وبلاد الشام بالأيام المقبلة.
يختلف عيد المسيحيين في العراق عن بقية البلدان لما مر على هذه الفئة من مآسٍ أخذت حجمًا كبيرًا بسبب الانخفاض الهائل في أعدادهم بالعراق، ولقد انضم السوريون إلى العراقيين وتحولت أعيادهم من أفراح إلى صلوات وأمنيات لعودة الأوضاع إلى مستقرها
يأتي عيد القيامة عادة بين نهاية شهر آذار/مارس وشهر نيسان/أبريل، بعد فترة صيام تحدد بخمسين يومًا، وهو قريب بذلك من عيد الفطر لدى المسلمين، بينما تعتبر من أساسيات هذا العيد أن يكون في يوم الأحد بعد "الجمعة العظيمة" التي يعتقد المسيحيون أن المسيح صُلب فيها، ثم سبت النور فأحد القيامة.
اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن انقسامات "المحاصصة".. عراقيون يحتفلون بـ"البرونايا"
يختلف عيد المسيحيين في العراق عن بقية البلدان لما مر على هذه الفئة من مآسٍ أخذت حجمًا كبيرًا بسبب الانخفاض الهائل في أعدادهم داخل بغداد خصوصًا والعراق عمومًا، ولقد انضم السوريون إلى العراقيين وتحولت أعيادهم من أفراح إلى صلوات وأمنيات لعودة الأوضاع إلى مستقرها.
في أربيل، مدينة عينكاوا، وهي تضم أكبر تجمع للمسيحيين في العراق في أيامنا هذه، يمارس المسيحيون القادمون من مختلف أنحاء العراق طقوسهم، ويحتفلون بأعيادهم مع حنين لأماكنهم السابقة، وفي الأعياد الأخيرة شهدت مدينة عينكاوا تواجد المسيحيين السوريين بعد هجرتهم من وطنهم بأثر أعمال العنف في سوريا.
في كنيسة المشرق ـ مار يوحنا المعمدان، الكائنة في منطقة عينكاوا تجمع المسيحيون مساءً ليحضروا قداس ليلة العيد ليتناولوا ما يُدعى "القربان" المكوّن من الخبز المُصلّى عليه، كتعبير مجازي عن جسد المسيح الذي أفنى نفسه من أجل الناس، بحسب المعتقد المسيحي.
ورغم الأجواء الأمينة وسهولة الوصول إلى الكنائس في ساعات متأخرة من الليل إلا أن حنينًا ما يبقى ولا يزول.
يقول الإعلامي نوئيل مراد أحد المشاركين في القدّاس، وهو من سكنة بغداد السابقين، إن "أربيل أكثر أمانًا من بغداد خصوصًا في فترة الأعياد"، مستدركًا في حديثه لـ"ألترا عراق" "لكن الحنين إلى بغداد وكنائسها وأعيادها وذكرياتها باقٍ معنا رغم احتفالنا هنا في أربيل".
مع أن الأجواء الاحتفالية حاضرة، إلا أن مراد يرى "التجمعات والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان تكون هي الفيصل في مثل هذه الأمور"، مشيرًا إلى أن "مسيحيي أربيل لا يشعرون بأي فرق مثل ما يشعر به شخص مثلي احتفل وهو طفل في العيد ثم خريجًا جامعيًا في بغداد، مبينًا "تبقى الذكريات هي من تُحدث فرقًا".
مسيحيو بغداد وبقية المحافظات ليس وحدهم ممن يحتفلون بعيدًا عن مناطقهم السابقة وذكرياتهم وكنائسهم، فالمعاناة التي تضرب المنطقة لا تعرف جغرافية وحدود، حيث أن المسيحيين السوريين استذكروا أعيادهم في بلدهم وسط دعوات لعودة الأمان لسوريا وشعبها.
تقول سارة خوري "يتميز عيد الشعانين نوعًا ما في سوريا عمّا هو في أربيل، حيث يلبس الأطفال الملابس البيضاء قبل أسبوع من عيد الفصح، بالإضافة إلى تزيين البيوت بزينة العيد، مبينةً "كما توجد فرق الكشافة أو الشبيبة الذين يدقون الطبول ويعزفون الأغاني الحزينة في يوم الجمعة العظيمة، حاملين صليبًا ونعشًا رمزيًا للمسيح ليدورون في مناطق المسيحيين في سوريا".
لفتت خوري في حديثها لـ "ألترا عراق" إلى أن "الجيل الجديد من السوريين لم يعش أجواء العيد الحقيقية في سوريا، فكانت أيام الأعياد تضج بالتفجيرات والقذائف، والناس تخاف أن تخرج للاحتفال".
أشارت خوري إلى أن "هذه الفئة "مبسوطة" أكثر هنا، فهي تخرج وتحتفل وتسهر للاحتفال، الأمر الذي كان صعبًا بالنسبة لي ولصديقاتي حين كنّا في سوريّا".
راشيل منصور، سوريّة أخرى تقيم في أربيل، لا تجد فرقًا كبيرًا في العيد بين سوريّا والعراق. تقول منصور في حديث لـ"ألترا عراق" إن "يوم الشعانين يختلف قليلًا، إلا أن الأجواء الإيمانية أكثر في عينكاوا منها في سوريّا"، بحسب تعبيرها.
أما طيبة دنحا، عراقية من أصل بغدادي، كانت مغتربة في سوريّا قبل أن تستقر في أربيل بعد الثورة السورية، تقول لـ"ألترا عراق"، إن "الأجواء لا تختلف كثيرًا بين سوريّا وأربيل، يوجد اهتمام في سوريّا في الكشافة، كما أن الأجواء الاحتفالية في باب توما والقصاع وشارع الحمرا في دمشق مميزة، حيث يتواجد نسبة كبيرة من المسيحيين".
لكن فاتن سامي، وهي بغدادية احتفلت هذا العيد في أربيل، ترى أوجه تشابه بين أجواء العيد في أربيل وتلك التي كانت قبل سقوط النظام في 2003، تقول سامي لـ"ألترا عراق" إن "أعيادنا كانت قبل سقوط النظام أفضل بكثير من الآن، فالأجواء آمنة وهناك حرية حركة، مستدركة "لكن الوضع تغيّر بعد 2003 ولم يكن العيد عيدًا في بغداد".
لفتت سامي إلى أن "مطاعم أربيل بدورها تشارك المسيحيين أعيادهم، وتضع البيض الملوّن على طاولاتها"، والبيض الملوّن جزء من تقاليد الاحتفال لدى المسيحيين في عيد القيامة.
أما طيبة دنحا فتقول لـ "ألترا عراق": "لم أعش أجواء العيد في بغداد كثيرًا، غادرنا العاصمة بعد سقوط النظام بسنتين ولم أكن واعية لما قبله، لكن أهلي يتحدثون لي عن أجواء الكنائس في بغداد سابقًا"، مضيفةً "أتمنى أن تعود الأوضاع في بغداد مثل السابق لأعيش تلك الأجواء، مستدركة "لكن على أية حال فالاحتفالات في أربيل جيدة".
اقرأ/ي أيضًا:
نوتردام والثور المجنح.. لماذا سكت العالم عن "اغتصاب بلاد الرافدين"؟