أظهر مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضابطًا عراقيًا برتبة رائد وهو يلقي القبض على رجل دين معمم انتزع الضابط من جيبه أموالًا كويتية، قال الضابط إن المعمم يروم شراء "الزئبق" من عصابة تم إلقاء القبض عليها.
تسابق على التحقيق والقبض على القابض!
تسربت وثيقة صادرة من الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عقيل الخزعلي في الخامس عشر من نيسان/أبريل أظهرت توجيهه مديرية أمن الأفراد في الوزارة بـ"تشكيل مجلس للتحقيق بقيام مفرزة مديرية مكافحة المخدرات في البصرة بأمرة الرائد (علي شايع سعيد) بنشر مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي عن إلقاء القبض على المتهم (كاظم عبد الله طه) والتجاوز عليه بكلمات غير لائقة"، مؤكدًا على "انجاز التحقيق خلال 7 أيام، مشفوعًا بالتقرير النهائي والقرار وإعلامه بذلك".
في نفس اليوم، سارعت مفتشية وزارة الداخلية بإصدار بيان تعلن فيه "إنهاء اللجنة التي شكلها المفتش العام من مكتب تفتيش البصرة مهامها ورفعت تقريرًا مفصلًأ بالواقعة".
اقرأ/ي أيضًا: اغتيالات البصرة.. اسأل "باسيج" الحشد الشعبي!
أضافت المفتشية في بيانها الذي تلقى "ألترا عراق"، نسخة منه، أنه "استمعت اللجنة التحقيقية إلى إفادات آمر المفرزة وأعضائها الذين أفادوا بأن عملية القبض جرت بصورة قانونية أصولية وجاءت بعد ورود معلومات واعترافات من قبل عصابة تم إلقاء القبض عليها سابقًا، ورفعت اللجنة تقريرًا مفصلًا بالواقعة إلى مفتش عام الداخلية ضمنته عدة توصيات، وإثر ذلك صدر الأمر بتوقيف جميع أفراد المفرزة القابضة واستقدامهم إلى وزارة الداخلية وتشكيل مجلس تحقيقي وزاري بمشاركة مكتب المفتش العام لكشف ملابسات القضية والمتورطين فيها وتقديمهم إلى القضاء".
الصحفي (ر.خ) علق لـ"ألترا عراق" على بيان المفتشية بالقول، إن "الضابط طالب المعمم بنزع عمامته احترامًا لها قبل أن يقبض عليه، ولا أجد في تصرف الضابط إساءة لرجل الدين".
نائب رئيس مجلس النواب حسن الكعبي أشار ببيان صدر في 16 نيسان/أبريل إلى أن "الاعتقال جاء منافيًا لمبادئ حقوق الإنسان، وبعيدًا عن قوانين وأساسيات الضبط الأمني والعسكري، وفيه الكثير من التشهير بحق شخص لم تثبت التهمة عليه"، مضيفًا أنه "يتابع الحادثة بقلق بالغ، وما تخللها من تصوير فيديوي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة واسعة".
دوافع الضابط
مصادر تحدثت لوسائل إعلام محلية، عن "معلومات يمتلكها الرائد علي شايع سعيد عن عملية تهريب مخدرات وشيكة، وساورته شكوك حول رجل الدين الظاهر في الفيديو"، مضيفة "الضابط مُعتقل الآن رغم أنه يمر بظرف إنساني حرج، وهو وفاة والدته".
لفت مصدر آخر في حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى أن "ثلاثة أشخاص اعتقلهم الضابط في وقت سابق، اعترفوا على المعمّم ما أدى إلى انتظاره بكمين واعتقاله وتصويره".
الكاتب علي الذبحاوي كتب على صفحته في "فيسبوك"، أن "الرائد سعيد خرج بكمين بمعلومات من الأمن الوطني تفيد بوجود شخص يتاجر بمادة الزئبق الأحمر الممنوعة دوليًا، وأن المتهم المعمم مطلوب للقضاء وصادر بحقه أمر قبض وتحري"، لافتًا إلى أن "المنتسبين الذين يقومون بمهمة خطرة خلال واجبات بهذا المستوى يقومون باستخدام آلة التصوير لتوثيق الحدث لحماية أنفسهم خوفًا من هروب المتهم أو حصول أي أمر طارئ".
يضيف الذبحاوي "لو تم عقاب هذا الضابط أو فصله من وظيفته أو حصل شيء له أو لعائلته، لن يقوم أي بواجبه الرسمي أمام هؤلاء الخارجين عن القانون والذين يتسترون برداء الدين هروبًا من المطاردة بارتكابهم للجريمة".
المدون المقرّب من الحشد الشعبي أسعد البصري اعتبر في منشور على صفحته في "فيسبوك"، ما قام به الرائد علي "مخططًا من طرف أكبر من الضابط منح الأخير الأمان لغرض إظهار ولاء بعض الناس لرجل الدين الإيراني". مشيرًا إلى أن الضابط لم يُقدِم على مثل هذه المجازفة دون مبلغ محترم".
قناة الاتجاه الفضائية التابعة لكتائب حزب الله نشرت تقريرًا على صفحتها في "فيسبوك"، قالت فيه إن "التشهير برجل الدين مقصود لحرف الأنظار عن ضبط شحنة لحوم إماراتية تالفة".
البطاط يهدّد الضابط وعائلته
رجل الدين وزعيم جيش المختار واثق البطاط ظهر في فيديو قال فيه مهددًا الرائد علي بلهجة عامية "سنسحلك أنت وعائلتك ومن معك وعوائلهم ومن ورائكم، وسنخلع عيونك من جمجمتك ونحوّل رأسك "نفاضة مال جكـَاير".
يقول البطاط إن "إساءة الضابط للعمامة هو تعرض للنبوة وللعمامة بشكل عام وللمرجعية، وسنجعله عبرة لمن اعتبر ولعمومته كذلك" ويقصد عشيرته.
أشار البطاط إلى إن "المجاهدين سينفذون ذلك، وإذا لم يوجد في البصرة رجال فالمحافظات الأخرى والعالم الشيعي فيه رجال بإمكانهم التنفيذ".
ردود فعل على البطاط سادت مواقع التواصل الاجتماعي. كتب الصحفي مصطفى ناصر على صفحته في فيسبوك "دعونا نتفق أن إجراء ضابط الحدود مع السيد المعمم مستهجن ومشين، فليس من القانون ولا من الأمن ولا من الأخلاق أن يُهان رجل مهما كان وصفه".
أضاف ناصر "دعونا نتفق أيضًا أن واثق البطاط رجل خارج على الدولة والقانون وبقاءه حر طليق إهانة للعراق والقوى الأمنية".
فيما كتب المدون علي المياح في منشور على صفحته في "فيسبوك"، أن "البطاط يهدد ويتوعد بين فترة وأخرى رغم أن تاريخه الجهادي ضعيف، فهل عصي على الدولة أو أن لا أحد يستطيع النيل منه؟".
باسم الربيعي أشار في منشور له إلى أن "البطّاط ليس حالة شاذة، أما الضابط فقد عبّر عن كيفية عمل المؤسسات الحكومية الفاشلة، والسيد المعمم المعتقل واحد من عشرات قطّاع الطرق الذي يمارس تلك المهنة أو قد يكون بريئًا، لكن الحقيقة الثابتة هي وجود لصوص يرتدون لباسًا دينيًا".
بعد استقدامه من الدولة: عائلة الضابط في حماية العشيرة!
ردود الفعل على تصريح البطاط لم تقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تعدتها إلى نزول عشائر في قضاء الزبير الواقع غربي محافظة البصرة، للتظاهر وتشكيل طوق بشري حول منزل أهل الرائد علي الذي اعتقل المعمم بعد تهديدات البطاط لعائلته.
شيخ عموم بني مالك ضرغام المالكي استنكرتهديد البطاط للرائد علي الذي ينتمي لقبيلة بني مالك، مشيرًا في بيان إلى أنه "لن يسمح لأي شخص في العراق مهما كان حجمه المساس بأي مالكيْ".
توعد شيخ بني مالك أن "يكون للعشيرة موقفًا قانونيًا مع البطاط"، مطالبًا بمقاضاة الأخير بعد تهديده للضابط وعائلته بالقتل.
خالد ثجيل بعرور أحد شيوخ بني مالك المجتمعين بالقرب من منزل أهل الرائد علي قال "إذا تعرض أبننا الرائد علي لشيء فسنأخذ حقه من واثق البطاط".
بعرور، ردّ على إطلاق البطاط لتهديداته من إيران وكيف سيقتصون منه بمثلٍ دارج "البدوي أخذ حقه بعد ٤٠ عامًا وقال استعجلت".
هل يُعتقل البطاط "الداعشي"؟
أصدرت وزارة الداخلية في السادس عشر من نيسان/أبريل بيانًا أعلنت فيه "توجيهها برفع دعوى قضائية ضد البطاط بسبب ما صدر عنه من تهديدات تمس سيادة القانون وتحرّض على العنف وتبعث على إثارة الفوضى".
بيان الداخلية وصف البطاط بـ "صوت نشاز وأحد أدعياء الانتساب للمؤسسة الدينية"، مشيرة إلى أنه "استخدم لغة بربرية انتقامية لا تختلف عن منطق الدواعش، وتُعبّر عن مديات التدني في الخطاب، والتي اتسمت ببعدها التام عن المنطق والعقل".
ودعت وزارة الداخلية "المؤسسة الدينية الى استمرار دعم المؤسسة الأمنية وأن يكون لها كلمة الفصل في نبذ وشجب واستنكار تصريحات بعض الدخلاء عليها".
المحامي علاء عزيز قال لـ "ألترا عراق" إن "النص العقابي في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1959 وفي المادة 430 نص على أن جريمة التهديد سواء المنسوب إلى جماعة أو شخص معين بالاسم تصل عقوبتها إلى السجن لمدة لا تزيد عن 7 سنوات".
يوضح عزيز أن "العقوبة تكون بحسب ظروف الموضوع وجسامة التهديد، خصوصًا وأن المُشرّع وضع (أو) لتكون سلطة التقدير للمحكمة ذاتها".
يضيف "نوع تهديد البطاط هو جريمة قائمة بذاتها ويحاسب عليها القانون بالسجن أو الحبس الشديد منه والبسيط"، مشيرًا إلى أن "تهديد البطاط كان عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهي من التهديدات العلنية، وكذلك لأحد أجهزة الدولة، ما يعني وجود ظروف مشددة للجريمة تؤدي إلى عقوبة في سقفها الأعلى، وهي سبعة سنوات".
في وضع مثل وضع العراق وشخص مثل البطاط معروف الولاء لن يتم اتخاذ أي إجراء بخصوصه رغم أن الجريمة مشهودة ولا تحتاج لأمر قضائي للقبض على الجاني!
محامٍ آخر رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال إنه "في وضع مثل وضع العراق وشخص مثل البطاط معروف الولاء لن يتم اتخاذ أي إجراء بخصوصه رغم أن الجريمة مشهودة ولا تحتاج لأمر قضائي للقبض على الجاني".
يقول المحامي في حديثه لـ"ألترا عراق" إن "هذه الإجراءات معمولة فقط مع المواطن البسيط، وإذا حُكم على البطاط بالحبس لمدة شهرين فعاتبوني!".
اقرأ/ي أيضًا:
نشطاء الاحتجاجات المغيبون قسرًا.. لا خبر جاء ولا وحي نزل!
220 انتهاكًا ضد صحفيين عراقيين في 2018.. "ديمقراطية العصبيات" تعبر عن نفسها!