أعادت مشاهد الاعتداء على الناشط المدني ضرغام ماجد إلى الذاكرة أحداث الأول من شباط/فبراير 2020 إبان احتجاجات تشرين أو ما عرف لاحقًا بـ"حادثة التواثي" التي قامت بها مجاميع من أنصار التيار الصدري ضدّ محتجي ساحة التحرير وما تبعها لاحقًا من حملة مطاردات ومضايقات تعرض لها ناشطون في عدد من ساحات الاحتجاج وسط وجنوب البلاد كان أبرزها إحراق مخيمات ساحة الحبوبي وساحة الصدرين في محافظتي ذي قار والنجف.
يمتلك التيار الصدري سجلًا من المضايقات للناشطين الذين يوجهون نقدًا لسياسات التيار، أُجبر بعضهم على الهروب خارج العراق
وكان الناشط ضرغام ماجد قد غادر المستشفى مؤخرًا بعد أن تعرّض لإصابات بليغة جرّاء اعتداء بالضرب من قبل مجموعة من حماية النائبة عن التيار الصدري سهى السلطاني، الأمر الذي برره مسؤولون في التيار الصدري بأنه جاء دفاعًا "عن شرف العراقيات"، كما أسماه رئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري في تدوينة له على حسابه الشخصي في "فيسبوك".
اقرأ/ي أيضًا: نزيف بالدماغ وكسر في جمجمة ناشط بعد تعرضه للضرب من حماية نائب صدري
بالمقابل، رد والد ضرغام - وهو رجل دين معروف في محافظة بابل - بأن ابنه يدافع عن شرف العراقيات ولا يريد لهن أن يجمعن لقمة العيش من النفايات بسبب فساد الطبقة السياسية.
تهديد الناشطين وعائلاتهم
وبحسب ناشطين في الحراك الاحتجاجي ومراقبين للشأن العام فأنّ التيار الصدري يمتلك سجلًا من المضايقات للناشطين والمدونين الذين يوجهون نقدًا لسياسات التيار، وأن بعضهم أُجبر على الهروب إلى خارج العراق بسبب المخاطر التي تترتب على مواقفهم الناقدة.
في هذا السياق يروي حسن، أو "حسن باسكت بول" كما يُعرف، وهو ناشط في ساحة احتجاج ذي قار تجربته الشخصية مع التيار الصدري، حيث تعرّض لحملة تحريض في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مدونين صدريين وشخصيات نافذة في التيار.
يقول حسن في حديث لـ"ألترا عراق" إنّ "التحريض ضدي مستمر منذ نهايات العام 2019 تزامنًا مع اندلاع احتجاجات تشرين لأني أحد الأسماء المؤثرة في حركة الاحتجاج في محافظة ذي قار، واستمر التحريض ضدي إلى الآن".
هاجم مسلحون منزل ناشط مدني مهددين عائلته بسبب انتقاده لسياسات زعيم التيار الصدري
مع اللحظات الأولى لاندلاع حريق مستشفى الخطيب والذي انتهى بكارثة كبيرة وقتها، نشر حسن منشورًا في صفحته على "فيسبوك"، "انتقدت فيها، ضمنيًا زعيم التيار الصدري ولم أذكره بالاسم واكتفيت بالتلميح".
ويضيف حسن المقيم حاليًا في تركيا لأسباب أمنية تتعلّق بسلامته الشخصية، أنّ "رؤوسًا كبيرة في التيار الصدري على مستوى لجنة التيار المعنية بالاحتجاج وقيادات في سرايا السلام ومسؤولون في المكتب الإعلامي للتيار أوصولوا لي رسائل تهديد مباشرة بالتصفية ثم عقب ذلك هجوم مسلح على منزلي من قبل قوة مكونة من 8 عجلات مسلحة تابعة للتيار".
وانتشر في شهر نيسان/أبريل 2021 مقطع فيديو يوثّق عملية الهجوم على منزل حسن يظهر فيه عدد من المسلحين وهم يهددون أحد أفراد عائلته طالبين منهم ردع ابنهم ومنعه من نقد سياسات زعيم التيار الصدري.
جاء ذلك على الرغم من تأكيدات أحد أفراد العائلة بأن حسن خارج المحافظة وأن عائلته لا تتحمل تبعات مواقفه السياسية، إلا أنّ الشخص الظاهر في الفديو استمر بالتهديد والوعيد الأمر الذي أدى لانطلاق حملة تضامن واسعة مع حسن وعائلته، إضافة الى مناشدات أطلقها ناشطون طالبوا فيها زعيم التيار بمنع أتباعه من التعرض لعوائل الناشطين؛ ولكن ردًا رسميًا لم يصدر من قبل قيادة التيار رغم وجود تهديدات بتفجير منزل العائلة "على رؤوسهم"، بحسب ادعاء حسن.
اقرأ/ي أيضًا: عن أبوية "التوثية".. لماذا هي أخطر من الكاتم؟
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، خفّف التيار الصدري من خطابه وتصرفاته اتجاه الناشطين المدنيين والمحتجين في مسعى وصفه مراقبون بأنه يأتي في سياق محاولات التيار الصدري ترميم شعبيته المنحسرة بعد مواقفه من احتجاجات تشرين.
وكان التيار الصدري قد فقد حوالي 500 ألف صوت من كتلته الانتخابية التي بلغت في انتخابات العام 2018 قرابة مليون ونصف المليون ناخب، بحسب إحصائيات المفوضية العليا للانتخابات.
يشير ناشطون لوجود ما يشبه الشتات للشباب العراقيين المحتجين موزعين على إقليم كردستان وتركيا ولبنان
وبعد ما يقارب السنتين على الفرار من مدينته ذي قار، قضاها متنقلًا بين بغداد وإقليم كردستان وتركيا، يكشف "حسن باسكت بول" عن وجود محاولات من مسؤولين في التيار الصدري لاستمالته وعدد آخر من الناشطين الفارين خارج مدنهم تزامنًا مع انطلاق الحملة الدعائية للتيار قبيل انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
يقول حسن في حديث لـ"ألترا عراق" إنّ "مسؤولين في التيار الصدري حاولوا توظيفي كمادة دعائية مقابل ضمانات بتوفير الحماية لي ولعائلتي والعودة إلى العراق بشرط عدم المساس بالتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر".
ويستدرك حسن بالقول: "نحن كناشطين في الاحتجاج لا نملك شيئًا لنخسره سوى أنفسنا وحياة عوائلنا وهي رخيصة أمام التضحيات التي قدمها شباب تشرين"، ويشير الناشط لوجود ما يشبه "الشتات" للشباب العراقيين المحتجين موزعين على كردستان وتركيا ولبنان".
حراك مدني للمبعدين قسرًا
وشهدت الأشهر القليلة الماضية أواخر العام 2021 حراكًا لمجموعة من الناشطين في الحراك الاحتجاجي ممن اضطروا للفرار من البلاد بسبب تهديدات تعرضوا لها من قبل فصائل مسلحة عقب احتجاجات تشرين، ليعلن في 21 كانون الأول/ديسمبر الماضي تأسيس رابطة المبعدين قسرًا (رمق).
حمزة الدراجي، وهو أحد أعضاء (رمق) تحدث لـ"ألترا عراق" عن طبيعة عمل المنظمة. يقول الدراجي إنّ "رابطة المبعدين قسرًا تعنى بالدفاع عن حقوق المحتجين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين خطفوا أو تعرضوا لمحاولات اغتيال أو تعرضوا لتهديدات من قبل المليشيات المسلحة أو الأحزاب السلطوية، ساهمت بإبعادهم عن منازلهم ومناطقهم مكرهين تحت سطوة السلاح المنفلت أو من خلال دعاوى كيدية".
يؤشر باحثون منهجية لدى التيار تهدف لمنع أي جهة من مزاحمته في السيطرة على الشارع بوصفها أداة ضغط لدى التيار أمام الخصوم
ويشير الدراجي إلى أنّ "(رمق) استطاعت جمع بيانات أولية عن عدد من المبعدين قسرًا من إناث وذكور داخل وخارج العراق جمعيهم إما تعرضوا لمحاولات اغتيال فاشلة أو تهديدات تستهدف سلامتهم الجسدية ما بعد حراك تشرين، ولا زلنا في طور تكوين قاعدة بيانات متكاملة بالأرقام والتفاصيل عن كل المبعدين قسرًا".
وباشرت المنظمة منذ الأيام الأولى لانطلاقها بنشر ملفات تعريفية بقصص عدد من الشباب الفارين خارج العراق في محاولة لإعادة قضية ضحايا احتجاجات تشرين إلى الواجهة بعد أن طالها الإهمال تحت وطأة الأحداث السياسية والاقتصادية عقب انحسار الاحتجاج.
وتسعى الرابطة، بحسب الدراجي، إلى "التواصل الفعال مع كافة المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بغية الالتفات للوضع الانساني الصعب الذي يمر به المبعدون قسرًا منذ أكثر من سنتين"، مؤكدًا سعي المنظمة لـ"اتخاذ خطوات قانونية اتجاه الجهات التي اضطهدت الناشطين وتسببت بإبعادهم إلى خارج العراق".
سلوك التيار اتجاه المحتجين
وفي الحديث عن سلوك التيار الصدري اتجاه الحراك الاحتجاجي، يؤشر باحثون ومحللون سياسيون "منهجية" لدى التيار تهدف "لمنع أي جهة بغض النظر عن متبنياتها من مزاحمته في السيطرة على الشارع بوصفها إحدى أهم أدوات الضغط لدى التيار والذي استخدمه مرارًا للتلويح أمام الخصوم".
بالمقابل، يعتقد آخرون أنّ "هذه الصدامات التي تجري بين الحين والآخر لا تعدو كونها صدامات محلية وليدة لحظتها ولا يمكن وضعها في سياق سلوك ممنهج يتبعه التيار، إذ يرى الباحث عقيل عباس أن "لعلاقة بين التيار الصدري والحراك الاحتجاجي ملتبسة ويسودها الشك المتبادل".
يقول باحثون إنّ هذا التغاضي والسكوت عن قمع المتحجين قد يفقد التيار بدايات التعاطف التي بدأت تظهر بسبب مواقفه بخصوص حكومة الأغلبية
ويشير عباس في حديث لـ "ألترا عراق" إلى أنّ "الإشكالية لا تكمن في سلوك القاعدة الصدرية فهي جماهير غير منظمة سياسيًا، إنما موالية عقائديًا وأيديولوجيًا لزعيم التيار وتتصرف على أساس مشاعرها وردود أفعالها والتي تذهب في سياقات محددة نحو العنف والتي لها سجل سابق وطويل وقديم ويتكرر".
ويوضح عباس أن "الإشكالية تكمن في الجانب المنظم سياسيًا داخل بنية التيار الصدري، حيث يفسّر سكوتها عن سلوك القاعدة الجماهيرية، الذي يجنح الى العنف، على أنه حالة من الرضا عن هذا السلوك".
وكانت محافظة بابل قد شهدت تجمعًا لنواب الكتلة الصدرية أمام منزل النائبة سهى السلطاني لتقديم الدعم والمساندة عقب إعلان نواب حركة إمتداد عن نيتهم إقامة اعتصام مفتوح أمام منزل النائبة لحين تسليم المتورطين بالاعتداء على الناشط ضرغام ماجد، وهو الأمر الدي تراجعت عنه حركة امتداد لاحقًا.
ويربط الباحث عقيل عباس بين سلوك الجانب الممأسس داخل التيار وتغاضيه عن سلوك القاعدة الصدرية، وبين مساحة المتعاطفين مع الخطاب الذي يتبناه التيار حاليًا.
ويضيف: "على الجانب المنظم سياسيًا داخل التيار أن يتخذ موقفًا واضحًا من هذه الأفعال التي تقوم بها القاعدة الصدرية لأنها في آخر المطاف تحسب عليه ولا تكسبه جمهورًا".
ويؤكد أن "هذا التغاضي والسكوت قد يفقد التيار بدايات التعاطف التي بدأت تظهر بسبب مواقفه بخصوص حكومة الأغلبية، وأنه يريد أن يقود تغييرًا مهمًا في البلاد".
اقرأ/ي أيضًا:
"رمق".. مهمة البحث في وجع التفاصيل
حراك الثكالى يقود مرحلة جديدة ضد السلطة: ميزتان لتصدّي أمهات الضحايا