رغم مساعي فرنسا في إحياء الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أن ثمة تقاطعات وتداخلات مختلفة لاحت في الأفق في ما يخص العراق وربما لبنان.
أحد أعضاء فريق الكاظمي يشكّك بإمكانية أن تملأ فرنسا الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة في العراق
حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة بغداد وتأكيده الذي سبق الجميع مشاركته في مؤتمر التعاون والشراكة مع ممثلي الأردن والكويت وقطر ومصر والسعودية والإمارات وتركيا وإيران، كان لافتًا لناحية بُعد فرنسا عن التأثير المباشر في الساحة العراقية كما هو الحال مع الولايات المتحدة وحتى بريطانيا بنسبة معينة.
تنافر في العراق؟
بدت بعض علامات التنافر بين فرنسا وإيران في العراق مع الأخذ بعين الاعتبار "مقبولية" فرنسا مقارنة بالولايات المتحدة وحاجة طهران لباريس في تفاوضاتها مع المجتمع الدولي وواشنطن بالتحديد.
اقرأ/ي أيضًا: بعد تجربة لبنان.. ما الذي تسعى إليه فرنسا في العراق؟
ومع الدفع الإيراني باتجاه إخراج القوات الأمريكية من العراق، ووصول بغداد إلى اتفاق مع واشنطن بانسحاب قوات الأخيرة القتالية نهاية العام الحالي، فاجأ الرئيس الفرنسي الجميع بتعهده ببقاء القوات الفرنسية في العراق والاستمرار في المساعدة في مكافحة الإرهاب وذلك خلال زيارته إلى مدينة الموصل عقب انتهاء المؤتمر الإقليمي.
ومن آخر معاقل تنظيم الدولة (داعش) صرح ماكرون بالقول: "بغض النظر عن الخيارات التي يتخذها الأمريكيون سنحافظ على وجودنا في العراق لمحاربة الإرهاب".
أثار تصريح ماكرون تحفظات أطراف عراقية وإيرانية، من بينها كان التصريح الأشهر للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الذي قال إن "التضحيات التي قدمتها إيران والمقاومة مكّنت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من التجول في مدينة الموصل العراقية".
لاعب جديد؟
اتسع الدور الفرنسي مؤخرًا وخصوصًا بعد تظاهرات تشرين الأول/اكتوبر في لبنان وباتت زيارات ماكرون تحظى بأهمية وتحركاته تعطي المزيد من الانطباعات عن حجم الدور الذي تلعبه أو تريد أن تلعبه فرنسا.
ويذهب محللون ومعلقون إلى أن الدخول الفرنسي في العراق هو الحل الوسط الذي لا يُشرك الولايات المتحدة الأمريكية في تعقيدات الداخل العراقي وفي الوقت ذاته يسحب بغداد من نفوذ إيران والذي قد يتعاظم أكثر مع الانسحاب المزمع نهاية 2021.
ويرى محللون أن فرنسا "أكثر مقبولية من جميع الدول" سواءً من إيران أو تركيا، وتمثل ذلك في حضورها إلى مؤتمر بغداد الأخير، مقارنة بالولايات المتحدة أو حتى روسيا وإيران.
ويقول محللون إن "الولايات المتحدة ترحب بالمبادرات الفرنسية" وهي – أي فرنسا – في الوقت ذاته "مرغوب بها على صعيد المنطقة وكذلك على الصعيد الدولي".
لكن أحد أعضاء فريق الكاظمي كما ينقل عنه موقع ميدل ايست البريطاني يشكك بإمكانية أن تملأ فرنسا الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة في العراق، مشيرًا إلى سعي الفرنسيين فقط من أجل "تحويل المساحة المتاحة لهم إلى موطئ قدم للتوسع في الشرق الأوسط".
استثمارات نينوى
مع الحديث عن عدم إمكانية فرنسا على ملء الفراغ، يعود مسؤول عراقي ليتحدث للموقع البريطاني عن مشاركة فرنسا في مؤتمر بغداد والتي عدّها بمثابة البوابة الرسمية التي دخلت فرنسا من خلالها لتقدم نفسها شريكًا للحكومة العراقية.
وفي العودة مرة أخرى على التضارب الفرنسي الإيراني، تحدث ماكرون عن استعداد فرنسا للمشاركة في إعمار العراق وقد وصف عملية إعادة إعمار الموصل بالبطيئة جدًا، وبعد يومين، أبدت إيران على لسان قنصلها العام في أربيل نصر الله رشنودي استعدادها لتقديم الخدمات وتحديدًا "في إطار الإعمار والبناء ولديها قدرات وخبرات كبيرة في هذا المجال".
أضاف رشنودي: "نطمح بفتح آفاق للتعاون في المجالات العلمية والاقتصادية وحتى الثقافية مع محافظة نينوى، كما نسعى إلى إقامة معرض يختص بمجال الإعمار والبناء للشركات الإيرانية في الموصل". وتبدو التصريحات الإيرانية التي تلاحق تصريحات ماكرون دليلًا آخر على تناقض المصالح.
الغاز مرة أخرى
مؤخرًا، أعلن العراق توقيعه اتفاقًا مع شركة توتال الفرنسية لاستثمار الغاز المصاحب لإنتاج النفط ويتضمن أربعة عقود للاستثمار في حقل أرطاوي وإنشاء محطة طاقة شمسية وتجهيز ماء البحر المشترك بكلفة تصل إلى 27 مليار دولار.
يهدف المشروع إلى تقليل استيراد الغاز من دول الجوار بشكل صريح كما ورد ذلك في بيانات وتصريحات رسمية عقبت الإعلان عن توقيع العقد، عبر استثمار الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط والذي يحرق منذ ثمانينيات القرن الماضي.
يكلّف استيراد الغاز من إيران خزينة الدولة العراقية قرابة 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية
ويعتمد العراق بنسبة كبيرة على إمدادات الغاز الإيراني في توليده للطاقة الكهربائية لكن الإمدادات انخفضت بنسب كبيرة بحسب تصريحات وزارة الكهرباء بعد أن وصلت إلى 50 مليون متر مكعب في اليوم الواحد، والتي تؤكد أن الانخفاض سببه الديون التي بذمة بغداد لطهران.
اقرأ/ي أيضًا: العراق يوقع رسميًا عقد الطاقة والنفط مع "توتال" الفرنسية
وتسعى واشنطن إلى دفع العراق للابتعاد عن استيراد الغاز الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية وذلك عبر حثّه مرارًا على استغلال الغاز الموجود في أرضه، لكنها تمدد باستمرار استثنائه من العقوبات المفروضة على المتعاملين مع إيران في هذا المجال؛ لكن البديل لم يكن متوفرًا حتى إعلان التعاقد مع توتال.
وفي الحسابات الاقتصادية، يكلّف استيراد الغاز من إيران خزينة الدولة العراقية قرابة 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية فيما سيكون الغاز المنتج عبر مشروع شركة توتال أرخص وبواقع دولار ونصف الدولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بحسب تصريحات وزير النفط إحسان عبد الجبار، والمشروع يمثل 20% من كلفة الغاز المستورد من إيران.
سيساعد المشروع الذي ستستثمر فيه توتال العراق على خفض وراداته من الغاز من إيران، حيث سيكون الغاز المنتج محليًا "أرخص من الغاز الإيراني" كما يقول وزير النفط؛ الذي يؤكد أن الأولوية "ليست استبدال الغاز المستورد" بدل تحويل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية "من الوقود السائل إلى الوقود الغازي".
اقرأ/ي أيضًا:
النفط: "توتال" الفرنسية لم تطلب ضمانات سيادية من العراق
إيقاف الغاز الإيراني لـ6 أشهر "يغامر" بـ26% من إنتاج العراق الكهربائي