أخيرًا، وبعد قرابة عامين على توقيع الاتفاق الأولي، وقع العراق العقود الأربعة مع شركة توتال الفرنسية في عقد كثيرًا ما عولت عليه الحكومة العراقية وتستذكره في كل مناسبة تتعلق بحاجة العراق للغاز وتحسين الطاقة الكهربائية.
وفق العقود التي وقعها العراق مع "توتال الفرنسية" سيتم إيقاف حرق واستثمار 600 مقمق يوميًا من الغاز المحروق
وفي أيلول/سبتمبر 2021، كان العراق وتحت إدارة حكومة مصطفى الكاظمي قد وقع الاتفاق مع شركة توتال الفرنسية، والذي وصفت الحكومة حينها هذه العقود بأنها تعد "أكبر استثمارات لشركة أجنبية في العراق"، وبقيمة 27 مليار دولار، حيث يتضمن العقد إنشاء محطات للطاقة الشمسية تنتج ألف ميغا واط، وتحلية مياه البحر لاستخدامه في الضخ بآبار النفط لرفع ضغط المكامن النفطية، وبواقع 5 ملايين برميل يوميًا، وكذلك رفع إنتاجية حقل أرطاوي إلى 210 آلاف برميل يوميًا، وكذلك استثمار الغاز بواقع 600 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا.
ومنذ ذلك الحين، مر العقد بالكثير من العقبات، ولكن العقبة الأهم والتي تم تجاوزها مؤخرًا، هي حصة مشاركة العراق في المشروع، فبينما كان العراق يصر على حصة تبلغ 40%، كانت شركة توتال الفرنسية ترفض هذه الحصة، قبل أن يتراجع العراق عن موقفه، وذلك بموافقة الحكومة الحالية على تخفيض حصة العراق لتمرير المشروع، حيث جاء في قرارات مجلس الوزراء في 4 نيسان/أبريل ما نصه: "تعديل (40 %) من مشاركة الجانب الحكومي بموجب قراري مجلس الوزراء (361 و480 لسنة 2021) لتصبح (30 %) لأهمية حسم الموضوع المذكور آنفًا والمضي بتوقيع الاتفاقيات المتعلقة به".
هذا التراجع، دفع بعجلة المشروع مجددًا بعد تعطله لقرابة عامين، لتكون حصة العراق من المشروع 30%، ولقطر 25%، مقابل 45% لشركة توتال الفرنسية.
وجاء توقيع هذا الاتفاق مؤخرًا بالتزامن مع اشتداد درجات الحرارة، وأزمة تراجع ضخ الغاز الإيراني مما تسبّب بانخفاض التجهيز الكهربائي بشكل كبير حتى أعلنت وزارة الكهرباء فقدان أكثر من 5 آلاف ميغا واط، ومن هنا تبرز أهمية قراءة الأرقام التي تنطوي عليها هذه العقود، ومدى أهميتها بالنسبة لمستقبل الطاقة والكهرباء في العراق.
ويعد الشق الغازي والكهربائي في هذه العقود، هو الجانب الأهم فيها، نظرًا لكونه يمس الحاجة الرئيسية للعراق المتمثلة بالكهرباء والغاز، فعلى صعيد الغاز سيتم إيقاف حرق واستثمار 600 مقمق يوميًا من الغاز المحروق، وهذه الكمية تمثل 45% من إجمالي الغاز الذي يحرقه العراق حاليًا، وفق الباحث في شؤون الطاقة، مصعب الهاشمي.
ويقول الهاشمي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنه "لترجمة هذا الرقم الغازي، إلى ما سيضيفه على الطاقة الكهربائية، تجدر الإشارة إلى أن ما يستورده العراق من إيران يبلغ 1700 مقمق يقوم من خلاله بتشغيل أكثر من 7 آلاف ميغا واط، هذا يعني أن الـ600 مقمق ستكفي لتشغيل نحو 2500 ميغا واط، فضلًا عن 1000 ميغا واط يوفرها عقد توتال بالطاقة الشمسية، ليكون إجمالي الإنتاج الكهربائي الناتج عن هذه العقود هي 3500 ميغا واط".
لكن هذا الرقم أو ثمار مشاريع عقود توتال إجمالًا، لن يتم حصدها قبل 3 سنوات من الآن، بحسب وزارة النفط.
بالمقابل، فإنّ نمو الطلب على الكهرباء في العراق سنويًا يتراوح بين 7 إلى 9%، وهو ما يمثل بين ألف إلى ألفي ميغا واط سنويًا، وبذلك، فإنّ عقود توتال عندما ستقدم 3500 ميغا واط إلى المنظومة الكهربائية في العراق، ستجد أن الطلب ارتفع بنفس المقدار، حيث سيلتهم الطلب الجديد، الطاقة الجديدة المضافة من هذه العقود، ليكون الأمر وفق ما يعرف شعبيًا "سد بسد"، دون إضافة تحسينيّة جديدة على قطاع الكهرباء، بحسب وصف الهاشمي.
ليس توتال فحسب.. ماذا سيحدث بعد 5 سنوات؟
لا ينطبق هذا "السباق غير المتكافئ" على عقود مشاريع توتال فحسب، بل على جميع المشاريع والخطط التي تعمل عليها الحكومة، كما يرى الباحث سمير الراجحي.
ويقول الراجحي في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أنه "في حال استثمار الغاز العراقي المحروق بالكامل، فإنه سيتم إضافة 5 آلاف و400 ميغا واط، مع 4 آلاف ميغا واط بالطاقة الشمسية تعمل الحكومة على إتمام عقودها، ولكن جميع هذه المشاريع لن تنتهي قبل 5 سنوات من الآن.
ويبيّن أنّ "هذه المشاريع ستضيف 10 آلاف ميغا واط في أحسن الأحوال بعد 5 سنوات، عندما يكون الطلب قد ارتفع في ذلك الحين إلى ليس أقل من 8 آلاف ميغا واط اضافية"، مشيرًا إلى أنّ "العراق أساسًا لديه عجز حالي في الطاقة يبلغ 10 إلى 12 ألف ميغا واط، حيث ينتج نحو 24 ألف ميغا واط والطلب الحقيقي يبلغ 35 ألف ميغا واط".
لدى العراق عجز في الطاقة يبلغ من 10 إلى 12 ألف ميغا واط وفق خبراء
ويستنتج الراجحي أنه "بعد 5 سنوات من الآن، وفي حال تمت الخطط الحكومية كما هي لاستثمار جميع الغاز وإدخال عقود الطاقة الشمسية، فإنّ العجز سيبلغ حينها 8 آلاف ميغا واط، من المؤمل أن يتم توفير نصفها عبر مشاريع الدورة المركبة التي لا تحتاج لمزيد من الغاز لتشغيلها، إلا أن الـ4 آلاف ميغا واط الأخرى، ستكون بحاجة إلى ألف مقمق إضافي، أما أن تستمر الدولة باستيراده، أو أن ترفع إنتاج النفط لبين 1.5 إلى 2 مليون برميل إضافي للحصول على غاز مصاحب، أو تقوم بتوفير هذه الكميات من الغاز عبر مشاريع استثمار حقول الغاز الحر".