أصبح الجدل الملازم للأعمال الدرامية والفنية التي تظهر خلال شهر رمضان، حدثًا متكررًا كل عام، ولم يقتصر على المستوى المحلي، بل تعداه إلى المستوى العربي، ليس ابتداءً بمسلسل "فلوجة" التونسي المثير للجدل منذ أولى حلقاته، ولا انتهاءً بمسلسل "دفعة لندن"، الذي يعد صاحب الوقع الأكبر وحديث الشارع العراقي والخليجي.

 أثار مسلسل "دفعة لندن" الكثير من الجدل بسبب ما اعتبره العديد من المدونين "إساءة للعراق"

"دفعة لندن"، وهو جزء من سلسلة أعمال درامية مشابهة مثل "دفعة بيروت" و"دفعة القاهرة"، للكاتبة الكويتية هبة مشاري، والتي تتحدث عن طلبة عرب، لكنهم هذه المرة يدرسون الطب في جامعات لندن بين السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث يسلط المسلسل الضوء على تأثير الغربة على سلوك وتصرفات الطلبة، ومدى تأثرهم ببعضهم عبر الاطلاع على ثقافات وأفكار مختلفة ومتناقضة دينيًا واجتماعيًا.

احتوى المسلسل في حلقاته الأولى، مشاهد مثيرة للجدل، فخلال حلقتين فقط، أظهرت الكاتبة العراقيين بأدوار اعتبرها البعض "مسيئة"، فأظهر المسلسل المرأة العراقية تعمل كخادمة في منزل كويتيات في لندن و"سارقة" أيضًا، فيما أظهر مشهد آخر رجلًا عراقيًا مسنًا في لندن وهو يبصق بوجه فتيات كويتيات طلبن منه المساعدة بعد أن تعرضن للسرقة.

وتسببت الحلقات الأولى للمسلسل بغضب كبير في الأوساط العراقية، وذلك لما احتواه المسلسل من تفاصيل اعتبرها مدونون أنها "تتعمد الإساءة للعراقيين"، فيما لم يقتصر عدم الرضا على الأوساط العراقية، بل انتقل للأوساط الخليجية وحتى الكويتية.

واعتبر كويتوين أنّ "بلادهم بريئة من هذا العمل، وأنّ الكاتبة هبة مشاري ممنوعة من عرض أعمالها في الكويت، وأن الغضب العراقي لا يجب أن يوجه تجاه الكويت وتحميلهم مسؤولية العمل"

وجاءت أبرز مبررات الغضب والتحفظ العراقي، هو بسبب ما عده نشطاء "عدم منطقية الطرح"، ففي تلك الحقبة ولاسيما السبعينيات كانت "فترة ذهبية للعراق على المستوى الاقتصادي" بحسب وصف المغردين، ولم يعملن العراقيات "كخادمات".

وبالإضافة إلى أن العراق ـ وفق منشورات مدونين ـ لديه أسماء لامعة للنساء على الصعيد العلمي مثل زها حديد، وكونه صاحب حضارة، ما يجعل سردية عمل العراقيات كخادمات لدى الأسر الكويتية في تلك الحقبة، سردية غير معقولة.

الممثل العراقي ذو الفقار خضر، والذي يظهر بدور عامل بمحل سيدة أعمال إيرانية في المسلسل، أوضح بدوره ملابسات المشاهد المثيرة للجدل، مبديًا استغرابه من "عدم فقه المتلقي العراقي للمراد من المسلسل".

والمسألة ـ بحسب خضر ـ تدور حول عائلة عراقية ووالدهم أستاذ آثار، وقام صدام حسين بعد انقلاب حزب البعث على حكم عبد الرحمن عارف، بإعدام والد هذه العائلة التي هاجرت إلى لندن وهم فتيات صغار، مبينًا "بالتأكيد ستكون ظروفهم صعبة وتضطر للعمل بشرف، وهو أفضل من أن يظهرن عاملات بملاهي مثلًا". 

أما فيما يخص الرجل المسن الذي بصق بوجه الكويتيات عندما طلبن منه المساعدة، أشار خضر إلى أنّ "المشهد واضح، وهو يعبر عن رجل مهاجر سياسي من صدام، وعندما عرف جنسية الفتيات بأنهن كويتيات غضب بسبب دعم العرب لصدام في حربه ضد إيران، والتبعات السلبية للحرب هذه على العراقيين".

من جانبها، ترى الأستاذة في أكاديمية الفنون الجميلة أروى الماجدي، أنّ الحدود في الأعمال الفنية قليلة جدًا، فهي مرتبطة بخيال الكاتب وما يريد إيصاله من رسالة.

واعتبرت الماجدي في حديث لـ"ألترا عراق"، أنه "يصعب الحكم أو الانتفاض على اختيار الشخصيات واعتبار وضع جنسية معينة بمهنة متواضعة هو إساءة متعمدة"، مشيرة إلى أنّ "وضع الشخصيات في مواضع ومشاهد جدلية معينة يحكمه السياق، فإذا كان السياق غير محبوك دراميًا أو يتعلق بقصة لها هدف درامي معين أو أن يكون المشهد يمكن الشعور بأنه زائد ومحُشر ولا يأتي في سياق القصة، فأنه سيكون حينها علامة سلبية على صاحب العمل الفني، أما إذا كان في سياق القصة، فيجب أن نكمل القصة إلى النهاية لنتوصل إلى الهدف النهائي للعمل".

اقرأ/ي أيضًا:

الدراما ولغة الجسد

"الضعف والتكرار" يستمر في الدراما العراقية.. والانتقاص من الجنوب حاضر

جدلُ مستمر يصل إلى "القضاء".. ما أسباب تراجع الدراما في العراق؟

غضب وسخرية غير مسبوقين.. من المسؤول عن "انحطاط" الدراما الرمضانية؟