26-مايو-2022
الخزعلي فائق

علِم "الترا عراق" أنّ مجموعة من الساسة والنشطاء ومسؤولين سابقين وحاليين، يقودون حراكاً لاستنساخ حملة "تمرّد" المصرية في العراق، وذلك بالتزامن مع توقف مفاوضات تشكيل الحكومة بين "التحالف الثلاثي" والإطار التنسيقي الذي يضم القوى والفصائل المسلحة الأقرب إلى إيران.

 

عدة اجتماعات.. وتفاعل ضعيف

وحصل "الترا عراق" على نسخة غير مُعلنة بعد، لاستمارة مُقترحة، تستنسخ تصميم وثيقة حملة "تمرد" المصرية، وتقترح تسليم السلطة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.

يقترح القائمون على الحراك المستنسخ من الحملة المصرية تسليم السلطة إلى رئيس مجلس القضاء فائق زيدان

ويقول المصدر الذي اطلع على مضامين اجتماعات ناقشت إطلاق الحملة، إنّ المُنظمين يفضلون عدم إعلان فكرتهم، أو طرح الأوراق في الشارع قبل حصد دعم قوى وشخصيات وازنة.

1

 

ويقوم على الفكرة الآن عدد محدود من الأشخاص، لكن من بينهم سياسيون ومسؤولون ونواب سابقون، من "مختلف المحافظات والمكونات"، وقد أجروا عددًا من الاجتماعات شملت عدة محافظات، كان أحدها في بغداد، لمفاتحة فعاليات شبابية ومجتمعية وإقناعها بدعم الحملة.

لكن المحاولة العراقية تعاني وفقًا للمعلومات حيث لم تتفاعل معظم الشخصيات والقوى التي عُرِضَت عليها الفكرة حتى الآن.

وعام 2013، أعلن مجموعة من النشطاء المصريين تشكيل حركة "تمرّد" للإطاحة برئيس الجمهورية محمد مرسي، وتسليم السلطة في المرحلة الانتقالية، إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا القاضي عدلي منصور، وانضمت قوى احتجاجية إلى الحملة كان على رأسها حركة "6 أبريل"، و"كفاية" إضافة إلى "جبهة الانقاذ".

وأكدت الحملة حينها أنّها جمعت أكثر من 20 مليون توقيع من المواطنين المصريين، قبل إطلاق تظاهرات عارمة في الثلاثين من حزيران/يونيو، قادت إلى عزل الرئيس مرسي.

ويخطط أعضاء "نواة تمرّد" العراقية، إلى استثمار الوقت قبل 30 حزيران المقبل لإقناع قوى مدنية بارزة بدعم الفكرة، كما يقولون إنّهم يقترحون "تكرار مسار الدعم الذي حصلت عليه النسخة المصرية من دول خليجية، لكن مع توسعته ليشمل جميع دول جوار العراق والمجتمع الدولي، التي بدأت تلمس أن استقرار العراق ضروري لمصالحها".

تمرد

 

أوساط الحلبوسي متوجسة

ويقول سياسي بارزٌ في بغداد، إنّ "ثمّة توجسًا في مكتب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حيث يعتقد بعض مقربيه، أنّ الحركة ومثيلاتها إنما تستهدف منصبه بشكل مباشر".

وتمكن الحلبوسي من شغل مقعد الرئاسة الوحيد حتى الآن بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينما يتسبب الانسداد السياسي ببقاء منصبي رئاستي الجمهورية والوزراء بحوزة رئيسَي الولاية السابقة برهم صالح ومصطفى الكاظمي. وهو ما يجعل أوساط الحلبوسي غير متفاعلة مع سيناريوهات إعادة الانتخابات، فضلاً عن فكرة الحركة الأخيرة.

يثير الحراك الجديد توجسًا في مكتب الحلبوسي لكن مسؤولاً سنيًا يقلل من أهمية ما يجري

ويقلل مسؤول في تحالف سنّي بارز، من أهمية فكرة حركة "تمرّد" ويقول إن "سياسيًا معروفًا يحاول تصفية حسابات قديمة مع حزبه السابق عبر التحشيد لهذه الحركة، وأنّ بعض الترضيات ستكون كفيلة بانتهاء القضية".

 

فائق زيدان

وكما في الحركة المصرية، فإن رعاة "تمرد" العراقية، يقترحون تسليم جميع السلطات إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، باعتباره "رئيس السلطة الشرعية الوحيدة بعد أن غرق البرلمان في الخروق الدستورية بتجاوزه على مدة انتخاب رئيس الجمهورية".

11

 

وقد لا تكمن أهمية الفكرة المسرّبة في تكرار السيناريو المصري بحذافيره وهو ما قد يكون مستبعدًا، بل في عودة اسم كبير القضاة إلى الواجهة من جديد.

ومنذ العام 2018، يتكرر طرح اسم زيدان كمرشح قوي لرئاسة الوزراء، غير أن رئيس القضاء يقول إنّه "يرفض وبقية القضاة الموافقة على تولي رئاسة الوزراء رغم تلقيه 3 عروض، وأن مكان القاضي هو القضاء"، لكن حديث زيدان يحيل أيضًا إلى تصريحات وزير الدفاع المصري عام 2013 عبد الفتاح السيسي عن "رفضه الترشّح وتفضيله البقاء ضمن مؤسسته العسكرية".

ولا يظهر زيدان أي حماس للمقترحات "الاستثنائية" للخروج من الأزمة السياسية، ويقول "إنّ ظروف العراق لا تسمح بأي إجراء استثنائي" مثل حكومة الطوارئ وغيرها، ويذهب إلى أنّ "الحل الأقرب إلى المنطق هو حلّ البرلمان"، لكنه يحذر من ضريبة باهظة لهذا الخيار، ويحث القوى السياسية على التوافق لتشكيل الحكومة.

 

القضاء في مهب التشكيك.. و"التغيير"

ويأتي طرح اسم زيدان مجددًا، بالتزامن مع حراك يقوده التحالف الثلاثي وقوى أخرى، إذ يعتقد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وحلفاؤه، إنّ "القضاء يساير الثلث المعطل" الذي يضم القوى الأقرب إلى إيران، وقد شنّت النائبة عن الكتلة الصدرية مها الدوري هجومًا غير مسبوق ركزت فيه على أنّ السلطة الأولى للبرلمان وليست للقضاء.

وكما كان متوقعًا فقد توصلت أطراف سياسية وقانونية عديدة إلى أن تعديلاً ما، ينبغي أن يجري في هيكل المؤسسة القضائية سيما المحكمة الدستورية.

ويقول القاضي البارز، ورئيس هيئة النزاهة الأسبق، رحيم العكيلي إنّ "المحكمة الاتحادية تعاملت مع قضايا دستورية كما لو أنّها من قضايا القضاء العادي كما في نصاب الثلثين، أو حكومة تصريف الأعمال أو قانون النفط والغاز، ولم تتعمق في التأويل والغايات"، بينما يؤكد خبراء إنّ حل المحكمة الاتحادية أو تعديل قانون مجلس القضاء لا يحتاج أغلبية الثلثين، بمعنى أنّه في متناول التحالف الأكبر في البرلمان.

 

عودة حُقبة "الحيطان لها آذان"

يستخدم زيدان عبارة "الأخ" في وصف رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، المتهم بأعنف مجزرة بحق المتظاهرين، وبينما لم يشارك كبير القضاة في أي فعالية اجتماعية لمواساة ذوي ضحايا القمع أو الاغتيالات رغم تجاوز أعدادهم 500 عراقيًا، فقد زار زيدان مجلس عزاء متظاهرَين اثنين، قالت "فصائل المقاومة" المقربة من إيران، أنّ القوات الأمنية قتلتهما أثناء تظاهرات الاعتراض على نتائج الانتخابات، تشرين الأول/نوفمبر الماضي.

يتبادل الصحافيون في مناطق السلطات الاتحادية تحذيرات من مغبة انتقاد زيدان علنًا بعد تجارب قادت أصحابها إلى السجون

وفي المناطق الخاضعة للسلطة الاتحادية، يهمس الصحافيون لبعضهم ويتبادلون النصائح عن ضرورة تجنب إغضاب زيدان. وهو مستوى غير مسبوق من الحذر يشعر النشطاء أنّ عليهم اتخاذه، إذا ما قورن برئيس القضاء السابق مدحت المحمود، الذي حشد النشطاء تظاهرات أمام مقر عمله في منطقة الحارثية عدة مرات.

لكن زيدان، من جهة أخرى، يعارض روايات الفصائل عن وجود "طرف ثالث" استهدف المتظاهرين، ويقول إن ثمة طرفين فقط، هما المتظاهرون والقوات الأمنية بمختلف تشكيلاتها.

1

 

يفاخر زيدان بأنّ علاقته "المتميزة" برئيس مجلس القضاء الإيراني -الذي أصبح رئيسًا للجمهورية- إبراهيم رئيسي، انعكست إيجابيًا على المستوى السياسي، وقد عبّر عن تلك الفكرة بنحو 40 كلمة تلميحًا دون تصريح، في محاولة لتفادي تعزيز بعض الاتهامات التي يواجهها بالقرب من إيران. كما سرد أيضًا سلسلة زيارات قام بها إلى السعودية وقطر والكويت والأردن وتركيا والدول الأوروبية، وتحدث عن "دعم لا محدود" من المملكة المتحدة للقضاء العراقي، في سياق تأكيد نأيه عن السياسة والمحاور.

وقد لا تفضّل الجهات الأقرب إلى زيدان، فكرة توليه رئاسة الوزراء، لجهة تفوّق مزايا منصبه الحالي من ناحية فترة الولاية المفتوحة، إضافة إلى الأهمية المتزايدة لدور القضاء في حسم الصراع السياسي.