بناءً على مذكرات صدرت عن القضاء، تنفذ الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، خلال الأيام القليلة الماضية، حملة اعتقالات طالت عددًا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بدعوى تقديمهم "محتوى هابطًا ومسيئًا للذوق العام".
أصدر القضاء مجموعة من أوامر القبض بحق مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي بدعوى تقديم محتوى هابط
ووفقًا لبيانات متلاحقة وصور تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فأن الحملة شملت 6 أشخاص حتى الآن بينهم البلوغر "عسل حسام" و"أم فهد"، فضلًا عن "حسن صجمة" و"سيد علي" و"سعلوسة" و"أبو علوش".
بلاغات جديدة في القضاء
وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، إن "مواقع التواصل الاجتماعي في عموم العالم أصبحت مشاهدة ومتابعة من قبل جميع المواطنين ومن مختلف الأعمار، وبالتالي أصبح لزامًا التخلص من المحتوى الهابط الذي يمس الموروث الثقافي والذوق العام للمجتمع العراقي"، حسب تعبيره.
ويشير المحنا، إلى أن "هذا المحتوى ينتهك القانون العراقي كونه لا يجيز المحتوى الذي يسبب خدش للحياء والتحريض على العنف"، مؤكدًا في الوقت نفسه أن "وزارة الداخلية فتحت تعاونًا مباشرًا مع القضاء العراق بشأن ملف المحتوى الهابط".
وفي الشهر الماضي، أطلقت وزارة الداخلية العراقية، منصة إلكترونية على موقعها الرسمي للإبلاغ عن "المحتويات التي تتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي"، وفقًا لبيانها.
وبحسب حديث المحنا، لـ "ألترا عراق"، فأن المنصة وبالتعاون مع الجهات القضائية في العراق بدأت تتسلم بلاغات عديدة بشأن الأشخاص الذي يقدمون محتوى هابطًا، مضيفًا أن "الوزارة شكلت لجنة متخصصة تعمل على دراسة البلاغات ومن ثم تحويلها إلى القضاء للنظر فيها".
تقول وزارة الداخلية إن منصتها تلقت المزيد من البلاغات الجديدة وهي بطور دراستها
القضاء ينظر إلى هذه البلاغات، والكلام للمحنا، ويبحث عن الجنبة القانونية ويكيفها وفقًا للمادة القانونية الخاصة بها، مشيراً إلى أن "الأجهزة الأمنية اعتقلت عددًا من هؤلاء المشاهير بعد صدور مذكرات قضائية بحقهم".
ويستطرد اللواء في وزارة الداخلية، بالقول إن "المنصة تلقت بلاغات جديدة حول مشاهير يقدمون محتوى سيئًا وهابطًا، وأرسلت إلى القضاء للنظر فيها بعد دراستها بشكل دقيق وقانوني".
وحول كفاءة المنصة الإلكترونية، يختتم المحنا حديثه قائلًا، إن "المنصة غير قابلة (للتهكير)، وهي ذات مستوى أمني عالي وفعال ضد أي هجمات إلكترونية قد تؤثر على هذه البلاغات".
وفي خضم هذه الحملات، قضت محكمة جنايات الكرخ في بغداد، في 8 شباط/فبراير 2023، بحبس "البلوغر" غفران مهدي سوادي المعروفة باسم (أم فهد) لمدة 6 أشهر، فضلًا عن حبس المدان (حسن صجمة)، لمدة عامين.
كما وجّه مجلس القضاء الأعلى في العراق، في اليوم ذاته، بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق من يرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام"، في وثيقة موقعة من رئيس المجلس فائق زيدان يقول فيها إنه " لوحظ من خلال الرصد الإعلامي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات".
ملاحقة المشاهير في القوانين
من جانبه، يقول المتخصص بالقانون الجنائي، حيان الخياط، إن "المشاهير الذين ينشرون محتوى كالصور والفيديوهات فيعد نشرهم من وسائل العلانية، فإذا تضمن أفعالًا مخلة بالحياء فستتحقق جريمة عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة أكثر من 200 ألف دينار ولا تزيد على مليون أو بإحدى هاتين العقوبتين".
يفترض غلق الدعاوى والإفراج عن المعتقلين في حال كان "المحتوى الهابط" لا يشكل جريمة
اما إذا نَشر كتابات أو رسومًا أو صورًا أو فيديوهات أو غير ذلك من الأشياء، وكانت "مخلة بالحياء أو الآداب العامة"، فتكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة أكثر من 200 ألف دينار ولا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين"، وفقًا للخياط.
ويضيف الخبير القانوني، في حديث لـ"ألترا عراق" أن "وزارة الداخلية لا علاقة لها بتحديد هل أن أفعال المشاهير غير قانونية أم لا، وكل ما بالأمر أن العديد من الأجهزة الأمنية التابعة لها تكون مهمتها البحث عن الجرائم وملاحقة مرتكبيها وعرضهم على القضاء".
ويتابع الخياط حديثه قائلًا، إن "كان المحتوى الهابط يشكل جريمة كما وردت في أحد نصوص القانون فان قاضي التحقيق سيتخذ الإجراءات القانونية بحقهم ومن ثم إحالتهم إلى محكمة الموضوع لإيقاع العقوبة المناسبة، أما أن كان المحتوى الهابط لا يشكل جريمة فسيتم غلق الدعوى والإفراج عنهم".
وتنص المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن 200 ألف دينار كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو وزع كتابًا أو مطبوعات أو رسومًا أو صورًا أو أفلامًا أو رموزًا مخلة بالحياء أو الآداب العامة".
جدل شعبي حول الحملة
وأثار قرار إعلان وزارة الداخلية عن ملاحقة صانعي "المحتوى الهابط" جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، حيث تفاعل عراقيون بين ناقمٍ ومتخوفٍ من تكميم الأفواه، وبين من اعتبرها خطوة مهمة تحد من نشر المحتوى "السيء والخادش للحياء" ما ينعكس سلبًا على المجتمع، حسب وصفهم.
انتقد ناشطون حملات الاعتقالات وما قد تكون إليه مآلاتها فيما أيّد آخرون اعتقال بعض مشاهير السوشال ميديا
ناشطون أعربوا عن غضبهم أزاء هذه الحملات التي شملت الكثير دون الكشف عن المعايير التي وضعها القضاء لمحاسبة هؤلاء الأشخاص.
وكتبت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "المستوى الهابط يحتاج تأهيل من قبل الحكومة وليس السجن في ليلة وضحاها، كل المشاهير تبحث عن شهرة للحاجة المادية".
ووفقاً لما تداولوه مدونون، فأن وزارة الداخلية كانت مطالبة بتحذير هؤلاء منذ فترة قبيل البدء بعمليات الاعتقالات وبهذا الشكل.
كما علّق ناشطون على هذه الحملة بالقول إن "قانون المحتوى الهابط جس نبض لقوانين ومصادرات أقوى للحريات في المستقبل، الجهات المعنية احتاجت إلى التأييد الشعبي لها كخطوة أولى بهدف تحول الأمر إلى اعتقال كل من ينتقد سياسي أو حزب معين".
وأشاروا إلى أن "هذا القانون هو بداية أداة قمع حقيقية لحرية التعبير في المستقبل"، معتبرين أن "الحملة شملت أشخاصًا لم يقدموا محتوى خادشًا للحياء أو للمجتمع العراقي، الأمر الذي جعل من هذه الحملة تشوبها شوائب غير قانونية".
بالمقابل، اعتبر العديد من مدوني مواقع التواصل الاجتماعي خطوة مهمة ملاحقة هؤلاء المشاهير ضرورية لحماية المجتمع من تصاعد كمية المحتوى هابط والذي بات ينتشر بشكل كبير على جميع المنصات، كما يرون.
وعلق هؤلاء الرواد على أخبار اعتقال المشاهير، بالقول إن "السجن هو المكان لكل من يقدم محتوى هابط"، مشيدين بقرار وزارة الداخلية والقضاء كونه "سيعمل على الحد من انتشار هكذا مقاطع مسيئة"، حسب وصفهم.