ألترا عراق ـ فريق التحرير
في الأشهر الأخيرة، وأثناء الخلاف المحموم بين زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر من جانب، والإطار التنسيقي من جانب آخر، ظهر الجدل بشأن المثلية الجنسية في العراق، والعمل على حظرها بقانون مشرّع، بالإضافة إلى قوانين أخرى. وليس بعيدًا عن العالم وارتباط هذه القضية بالتيارات السياسية، كانت السياسة أيضًا دافعًا رئيسيًا وراء التحرّك الأخير.
يتخوف ناشطون من أن يعاد دور "المخبر السرّي" بعد تشريع قانون يحظر المثلية
وفي أوّل بوادر استجابة من "الإطار التنسيقي" لتحدٍ أطلقه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كشف النائب عن ائتلاف دولة القانون المنضوي في الإطار التنسيقي، عارف الحمامي عن اتفاق داخل مجلس النواب على "جمع تواقيع لتشريع قانون يحظر المثلية في العراق"، مبينًا أنّ "تشريع قانون كهذا سيعزز ببنود قانونية تمنع المثلية والانحرافات المرتبطة بها".
التطبيع والمثلية الجنسية في حسابات الصدر
الصدر كان قد أطلق ما يشبه التحدي، أثناء استعراضه أسباب انسحابه من العملية السياسية واستقالة أعضاء كتلته، حيث أشار إلى أنّ عودته إلى العملية السياسية بعد انسحابه قبل الانتخابات كانت لهدفين؛ الأول هو تجريم التطبيع وتم تشريعه على يد الكتلة الصدرية بالفعل، والآخر هو تجريم المثلية، وتساءل عما "سيفعل المتبقون داخل العملية السياسية"، ولا سيما الإطار التنسيقي وهل سيقومون بتشريع قانون بهذا الخصوص.
هذا الحراك المحموم الذي تقف "المثلية الجنسية في العراق على مائدته محليًا، يجري في الوقت الذي يشهد العالم الغربي في أوروبا وأمريكا مناكفات مستمرة على الأصعدة السياسية والاجتماعية بهذا الخصوص، وتحديدًا بين تيارات اليمين المحافظ واليسار، ولأسباب ودوافع أيديولوجية وسياسية واجتماعية معقدة.
ونظرًا للظروف السياسية والاجتماعية، فإنّ ما يجري في العراق لا يشبه ما يحدث هناك من حراك فيه هوامش أوسع للاختلاف والجدل، واستمرار المناكفات الفكرية والسياسية بلا حسم نهائي بشأن المثلية على مختلف المستويات، إلا أنه بالمجمل يرفض أنصار مجتمع "الميم" أو المثلية الجنسية وصف هذا الخيار الجنسي بـ"المرض"، معتبرين أنه خيار فردي، بل من أخص خياراته الفرديّة في مساحته الذاتية الخاصّة التي يجب أن تطالها يد الدولة وسيطرتها.
أما في العراق، الذي يعاني من مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، في ظل فشل القوى السياسية في تشكيل حكومة بعد مرور نحو تسعة أشهر على انتهاء انتخابات تشرين الأول/أكتوبر، وما يواجهه البلد من تهديدات الجفاف ونقص الأمن الغذائي والطاقة والاقتصاد المرهون بالنفط فقط والمهدد بالنضوب، فتتحرّك القوى السياسية لتشريع قانون لحظر "المثلية الجنسية" التي لا يوجد لها في العراق أساسًا منظمات أو مجتمعات صريحة وعلنية، بحسب نشطاء.
هل يدخل القانون لأجساد الناس؟
لم تتكشف تفاصيل هذا القانون بعد، لكنّ العراق عمومًا لا يمتلك تشريعات واضحة وصريحة تجاه هذا الملف، حيث أنّ المواد 393 و394 التي تعاقب بالحبس المؤبد "من واقع إنثى أو لاط بذكر دون رضاهم"، أي أنّ هذا التشريع لا يعالج مسألة المثلية الجنسية التي تجري بـ"الرضا" بين الطرفين، أو وجود مواد غير صريحة تعاقب الإتيان بـ"أفعال مخلّة بالشرف".
ومن أهم التساؤلات التي تطرح حول القانون المرتقب، هل أنّ المشرع سيعمد إلى "مكافحة الإعلان والتصريح وتنظيم المنظمات والمجتمعات الفئوية المثلية في العراق"، أم أنه سيعمد إلى جعل "الإبلاغ" عن هذا السلوك وتقديم الأدلة عليه لمحاكمة أطرافه أمام القضاء.
ويرى "م.ع" وهو ناشط عراقي في مجال حقوق الإنسان، أنّ "المثلية جزءًا من سلوكيات مختلفة ومتنوعة تنتشر بين البشر في مختلف الحقب الزمنية والحضارات المختلفة"، مبينًا أنّ "الممارسات الجنسية المختلفة وغير الشائعة والمخالفة للقواعد البشرية المتعارف عليها كثيرة ومتنوعة ولا تقتصر على المثلية، وتقف وراؤها أسباب عدة نفسية وعضوية، وهي تجري يوميًا في السر ولا يمكن للقانون منع شيء سوى التصريح والترويج لهذه السلوكيات".
واعتبر الناشط الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "القانون إذا اقتصر على حظر الترويج العلني لهذا السلوك فقط دون التدخل بخصوصيات الآخرين وجعل القانون أداة بيد المخبر السري، فهي خطوة ستجنب العراقيين صدامات لا طائل منها ونقاش غير محسوم في العالم أساسًا، ولعله سيغلق باب ذرائع السياسيين التي لا تنتهي كالتطبيع والمثلية وغيرها والتي يواجهون بها أي تحركات تحررية شبابية ضدّ سلطتهم".
عالج القانون العراقي موضوع المثلية بصورة ضمنية
جدلية حقوق الإنسان
ويعتبر المدوّن والباحث في علم الاجتماع أحمد الرافعي، أنّ "جدليّة حقوق الإنسان في هذا الملف، ربما تقتصر على عدم تدخل المجتمع ومنظومات السلطة في الحياة الشخصيّة للفرد أو لأي فردين وطبيعة علاقتهما، إلا أنها تتوقف عندما يتحوّل الأمر إلى أيديولوجيا جديدة تبشيرية وتصديرها كمنظومة قيمية جديدة، خصوصًا وأنها نابعة من رغبات غير قائمة على أسس علميّة محسومة، ما يجعل مستقبل الشباب والأطفال عرضة للاندماج بتجربة جديدة قد لا تنسجم مع شعورهم الحقيقي بنوع جنسهم، وغير نابعة من تأثيرات جينية أو نفسيّة أو هرمونية بل فقط من الشعور بالفضول والتجربة ورغبة الانتماء والانضمام".
خطر محدق.. إطالة الشعر قد تجعلك مثليًا
وفي جوانب خطيرة محتمل أن تأتي بالقانون يشير الخبير القانوني محمد جمعة إلى أن حدًا فاصلًا بين أن يكون هذا القانون خطرًا على حريات الإنسان، نتيجة عدم وجود معايير واضحة لمعرفة من هو المثلي.
ويرى جمعة في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ موضوع المثلية بالقانون العراقي معالج بصورة ضمنية،حيث أنّ "القانون العراقي يجرّم الفعل الفاضح بالمكان العام، مهما كان هذا الفعل الفاضح سواء مثلية أو غيرها، فضلًا عن تجريم القانون التحريض على الفسق والفجور مهما كان هذا الأمر سواء في العلاقات الجنسية المحرمة أو المثلية أو غيرها".
أما المثلية بأن يكون الشخص هو مثلي ولا يمارس فعلًا فاضحًا أمام الملأ ولا يحرض على الفسق والفجور ولا يحرض على علاقات مثلية فهي "ليست جريمة في القانون العراقي"، بحسب جمعة الذي أشار إلى أنّ "فلسفة القوانين في جميع أنحاء العالم لا تتدخل في خصوصيات الإنسان ما دامت لا تسبب ضررًا لأحد، حيث أنه ليس من المنطقي أن يجرم القانون فعلًا لا يسبب الضرر لأحد والجريمة تأخذ اسمها من الإجرام بأحد ما وإضراره".
وتساءل جمعة، إذا "كان قانون حظر المثلية الجنسية في العراق سيجرم الشخص بذاته لأنه مثلي وليس لأنه يحرض على ذلك، فكيف سيثبت أن هذا الشخص مثلي وهو لم يمارس فعلًا فاضحًا ولم يحرض عليه؟"، فيما أبدى مخاوفه من أنّ "يكون هذا القانون مفتاحًا لتجريم حتى من اختار أن يطيل شعره أو يلبس قلادة أو سوار أو يختار زيًا معينًا قد يدخل في تفسير أن يكون هذا الشخص مثليًا، مما سيجعل هذا القانون بابًا لكبت الحريات ومصادرتها وقانونًا خطيرًا".
ويتحدث الخبير القانوني عن حالات كثيرة حصلت لأشخاص اعتقلوهم لأن شعرهم طويل وبقوا محتجزين، والتفسير كان أنهم "يتشبهون بالنساء أو اعتقال أشخاص لاختلاف صورهم في الهوية عن مظهرهم، وهذه الاعتقالات جرت رغم عدم وجود قانون يجرمها، فكيف إذا أصبح قانونًا لدينا ويبقى تطبيقه مرهونًا بتقديرات ومعايير رجال الأمن؟".
وعبّر جمعة عن مخاوفه من "تحريم وتجريم حتى من لم يكن مثليًا ولكن ساند حرية الإنسان في اختيار هذا الأمر واعتبره القانون جريمة عندها سيكون بابًا لكبت حرية الرأي أيضًا، باعتبار أنّ هذا البرلمان يشرع قوانينًا تفتح أبوابًا للتضييق على الحريات، منها قانون تجريم التطبيع الذي يجرم الآراء دون أن يحدد ما هي الأفكار الصهيونية تحديدًا، وخوفنا من أن تكون مستقبلًا الدعوة لحقوق المرأة والعلمانية أفكارًا صهيونية".