في ظل تكتم وكم كبير من التسريبات والتكهنات، تعهد رئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي، بتقديم حكومته ومنهاجها خلال الأسبوع الجاري دون أن يكشف عن آلية اختيارها، في حين حدد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، يوم الأربعاء 24 تشرين الأول/اكتوبر المقبل، موعدًا مرجحًا لعرض كابينة عبد المهدي الوزارية على البرلمان.
يقوم عادل عبد المهدي بحراك مستمر لتقديم "حكومة خدمات"، منذ تكليفه بمهمة تشكيلها في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الجاري
ومع اقتراب الموعد المرتقب، اشتدت التجاذبات السياسية أكثر فأكثر، إذ تشير مصادر سياسية الى أن "صراعًا كبيرًا يجري الآن بين الكتل في العراق على الوزارات السيادية وهي على التوالي: المالية، الخارجية، الدفاع، الداخلية والنفط"، وسط اتهامات وجهت بحق قائمتي "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر و"الفتح" بزعامة هادي العامري، بـ "تقاسم الوزارات الرئيسية" عبر فرض مرشحيهم من خلال النافذة الإلكترونية أو غيرها على رئيس الوزراء المكلف.
اقرأ/ي أيضًا: صراع تشكيل الحكومة العراقية.. احتمالات عبدالمهدي الواسعة
تلك الاتهامات أكدها، رئيس ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، وهو أحد حلفاء الصدر ضمن تحالف "الإصلاح"، مشيرًا الى أن تحالفي سائرون والفتح أخذا على عاتقها تشكيل الحكومة وفق "تحالف سياسي غير معلن" وتركوا الوزارات "غير الرئيسية" لبقية الكتل، محذرًا من "انعكاس سلبي" لذلك على العملية السياسية.
من جانبه ألمح الحليف الثاني للصدر، تيار الحكمة على لسان القيادي فيه بليغ أبو كلل إلى مثل تلك الاتهامات، مؤكدًا أن تياره "التزم بصدق بتعهده بترك خيار تشكيل الحكومة واختيار وزرائها إلى عادل عبد المهدي، ولم يقدم مرشحين له من تحت الطاولة، أو عبر النافذة الإلكترونية"، داعيًا عبد المهدي إلى "الكشف عن أسماء كابينته للكتل السياسية قبل طرحها على البرلمان، لدراستها والتصويت للأكفاء من أعضائها".
بالمقابل نفى تحالف "سائرون" وجود اتفاق غير معلن بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم ائتلاف الفتح هادي العامري يتعلق بتسمية المرشحين للمناصب الوزارية، فيما أكد النائب عنه سلمان الغريباوي أن "تحالفه لن يصوت على أي وزير يعرضه عبد المهدي، في حال لم يلبِّ طموحات المرجعية الدينية".
تصاعدت أصوات الناشطين في العراق منتقدين الترتيبات غير المعلنة التي تجري في كواليس العملية السياسية لخلق توازنات محاصصاتية في الحكومة المرتقبة
وكان كل من الصدر والعامري قد تعهدا، بعدم ترشيح أسماء الى الكابينة الوزارية الجديدة، ومنح رئيس الوزراء المكلف الحرية الكاملة لاختيار أعضاء حكومته، بهدف مساعدته بتشكيل حكومة تتجاوز فشل الحكومات السابقة وتنجح في توفير الخدمات واطفاء الغضب الشعبي.
اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف.. تكليف عادل عبدالمهدي بتشكيل حكومة العراق: التحديات وظروف الاختيار
وتشكل الحقائب الوزارية، وفقا لنظام المحاصصة، إحدى أبرز نقاط الخلافات بشأن الحكومة المقبلة، حيث تمارس الكتل السياسية ضغوطًا في الخفاء على عبدالمهدي، لاختيار مرشحين يمثلونها في التشكيلة الوزارية، في حين تؤكد في العلن أنها تركت للأخير حرية اختيار أعضاء حكومته، بحسب مصادر قريبة من مفاوضات تشكيل الحكومة.
وكان رئيس الوزراء المكلف قد أصدر عدة بيانات نفي، خلال الأيام القليلة الماضية، تعلقت بتسريبات عن تجديد الثقة ببعض الوزراء الحاليين للبقاء في مناصبهم في الحكومة المقبلة، وكتاب "مزور" موجه إلى الكتل السياسية يكشف عن حصص تلك الكتل في الحكومة المقبلة، عادًا تلك المعلومات "أكاذيب هدفها خلط الأوراق وتضليل الرأي العام".
تشبث "كردي – سني" تحت مظلة المحاصصة
ومع تنازل القوى الشيعية البارزة، بشكل معلن على الأقل، عن ترشيح وزراء للحكومة المقبلة، فإن القوى السنية والكردية بدورها لا تزال تصر على تقديم مرشحيها بنفسها، مؤكدة قدرتها على طرح أسماء كفوءة ونزيهة لشغل "حصصها" من الحقائب الوزراية.
وكان أعضاء في تحالف المحور الوطني، قد أكدوا مرارًا في تصريحات صحافية، أن "نصيب السنة من الحكومة المقبلة يتمثل بـ 6 وزارات"، فيما يطالب الكرد بـ 3 وزارات على الأقل كما يقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني، مبينا في الوقت ذاته أن نواب كتلته لم يتلقوا حتى الآن دعوة لحضور جلسة الأربعاء، أو توجيهات من قيادتهم بشأن منح الثقة لحكومة عبد المهدي من عدمها.
من جانبه رأى القيادي الكردي محمود عثمان أن "حكومة عبد المهدي تشكّل خلف الكواليس، ويلفها الغموض من كل جوانبها، ولا أحد يعلم حقيقة كيف ستكون هذه التشكيلة، وما هي حصة الجهات السياسية فيها ومن غيرها"، مبينًا أنّ "كل ما يقال ويشاع عن أسماء وزراء، هو مجرد تخمين"، فيما عد أن الحكومة "ستكون أشبه بحكومة الحظ يا نصيب، حيث لا أحد يعلم ما سيناله من حقائبها".
كتلة عرقلة!
وبحسب التسريبات فإن عبد المهدي لم يحسم حتى الأن سوى نصف كابينته فقط، ولا يزال يواصل حواراته مع الأطراف السياسية لحسم نصفها الآخر بضمنه الوزارات السيادية، وهو ما أكدته تصريحات نواب من كتل سياسية مختلفة، في وقت تحدث فيه آخرون عن "تحركات نيابية" لتشكيل كتلة برلمانية هدفها "إفشال" تمرير الكابينة الوزارية التي سيعرضها رئيس الوزراء المكلف على مجلس النواب الأربعاء.
حيث قال النائب عن تحالف سائرون، بدر الصائغ في تصريحات صحافية، إن "النواب الذين كانوا يرغبون في تولي مناصب وزارية يسعون إلى تشكيل كتلة برلمانية من أجل عرقلة تمرير الكابينة الوزارية"، مرجحًا أن يفشل عبد المهدي في كسب الثقة لحكومته خلال الفترة الدستورية "نتيجة المتغيرات التي حدثت مؤخرًا".
اقرأ/ي أيضًا: الصراع على تشكيل حكومة العراق.. وستمنستر على خط سيرك الطائفية!
ويؤكد مراقبون أنّه لا يمكن لعبد المهدي أن يحصل على ثقة البرلمان لحكومته المرتقبة، إلّا في حال حصل على دعم الكتل السياسية الكبيرة، التي تمتلك عددًا كبيرًا من المقاعد البرلمانية، وأنّ هذه الكتل لا تدعمه برلمانيًا إلّا إذا منحها حقائب وزارية مهمة.
"فضونا" تتصدر!
وفي ظل هذه التعقيدات، أطلق ناشطون عراقيون في مواقع التواصل الاجتماعي، حملة تحت هاشتاغ "فضونا" لمطالبة رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، والقوى السياسية بحسم ملف التشكيلة الحكومية سريعًا، والشروع في معالجة المشاكل الكبيرة التي تواجهها البلاد.
لن تكون مهمة عبد المهدي في تشكيل الحكومة من ثم إدارتها بالأمر اليسير في ظل سطوة وجهود القوى الطائفية التي اعتادت جلسات المحاصصة وتوزيع المناصب بعيدًا عن الشارع واحتياجاته
وتداول النشطاء، سلسلة من الجمل التي يدور معناها حول أهمية إسراع رئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي، بحسم كابينته الوزارية، وتسمية المرشحين لجميع الحقائب خلال الأيام القليلة القادمة.
ويقول النشطاء، الذين شاركوا في الحملة، إن "بطء المفاوضات السياسية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، يعكس لا مبالاة الطبقة السياسية بهموم العراقيين".
ومن بين الجمل التي تداولها النشطاء، ونشروها على حساباتهم في فيسبوك وتويتر وإنستغرام: فضونا من ماراثون الاجتماعات المغلقة لتقاسم المغانم، فضونا من سوق هرج الوزارات والمزايدة عالمناصب، فضونا من إطالة عمر حكومة تصريف الأعمال، فضونا كافي عاد".
فيما يجري رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، الذي جاء اختياره لتشكيل الحكومة المقبلة، بناء على توافق بين الكتل الشيعية الفائزة في الانتخابات حراكًا مستمرًا لتقديم "حكومة خدمات"، منذ تكليفه بمهمة تشكيل في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، في حين تنتهي المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
اقرأ/ي أيضًا: