يبدو أن الصيف هذا العام لم ينتظر تموز ليصل إلى درجات الحرارة العالية المُتعارف عليها، إذ تجتاح العراق موجة حر شديدة ضربت تحديدًا المناطق الجنوبية والوسطى، وعبرت في بعض المناطق الخمسين درجة.
توقعت الأنواء الجوية أن تُسجل أعلى درجات الحرارة في الصيف، إذ ستصل إلى ما يعادل نصف درجة الغليان
هيأة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي توقعت في 7 حزيران/يونيو ارتفاعًا في درجات الحرارة في المناطق الجنوبية، مبينة أن "البصرة ستسجل أعلى ارتفاعًا بدرجات الحرارة حيث تصل لـ 49 درجة مئوية للحرارة العظمى".
اقرأ/ي أيضًا: من المالكي إلى عبد المهدي.. قصة الـ100 يوم المكرّرة!
وتوقعت الأنواء الجوية أن تُسجل أعلى درجات الحرارة في الصيف يوم الإثنين 10 حزيران/يونيو، إذ ستصل إلى ما يعادل نصف درجة الغليان.
يقول المتنبئ الجوي محمود عبد اللطيف إن "درجات الحرارة ارتفعت مبكرًا في هذا الموسم بسبب الاحتباس الحراري وغياب الغطاء النباتي"، واصفًا هذا الموسم بـ "الحار والرطب والقاسي جدًا"، مبينًا أن "تاريخ المناخ في العراق لم يشهد مثل هذه الموجة من الحر في شهر حزيران/يونيو على الإطلاق".
شهد يوم الأحد 9 حزيران/يونيو ارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة، وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لأرقام عالية قرأها المقياس الحراري في مركباتهم أثناء فترة الظهيرة. وتوقع عبد اللطيف في تصريح تلفزيوني أن "تتجاوز درجات الحرارة في البصرة والعمارة وخانقين الخمسين درجة مئوية"، مرجحًا أن "تنخفض درجة الحرارة اعتبارًا من يوم الأربعاء 12 حزيران/يونيو".
المديرية العامة للدفاع المدني بدورها، طالبت في بيانٍ، المواطنين بـ "إخلاء السيارات من المواد الغازية القابلة للانفجار، والقداحات بأنواعها المختلفة، وقوارير المشروبات الغازية، والعطور وبطاريات الأجهزة بشكل عام".
كما دعت المديرية المواطنين لـ "الإكثار من شرب الماء والسوائل المختلفة لا سيما خلال التعرض لأشعة الشمس، والحرص على عدم تشغيل سخانات الماء، والحرص على عدم وضع اسطوانات الغاز في الأماكن المشمسة، والتأكد من عدم زيادة الأحمال على مفاتيح الكهرباء وعدم تشغيل المكيفات إلا في أماكن تواجد العائلة وخصوصا في أوقات ذروة الحرارة".
حرب الصيف والشتاء
ينقسم العراقيون بين محبي فصل الصيف ومحبي فصل الشتاء، وبدأ الصراع محتدمًا ومبكرًا هذا الموسم مع الارتفاع المبكر لدرجات الحرارة. وكتب ناشطون منشورات تمجد فصل الشتاء مذكّرين خصومهم بميّزات الفصل مقارنة مع موجة الحرارة التي تضرب البلاد. وعلى الطرف الآخر يرد محبو الصيف بمنشورات مقابلة متحدية رغم حرارة الأجواء في الوسط والجنوب العراقي.
ينقسم العراقيون بين محبي فصل الصيف ومحبي فصل الشتاء، وبدأ الصراع محتدمًا ومبكرًا في "فيسبوك" هذا الموسم مع الارتفاع المبكر لدرجات الحرارة
تدعو المدونة سارة علي من أسمتهم "رابطة أنصار الشتاء" لتخريب استمتاع أنصار الصيف بفصل الشتاء القادم خاصة من ينشرون الأغاني الرومانسية بفرحٍ مع المطر. ويشي المدون اليم علاء بصديقه الذي يحب فصل الصيف ويكره الشتاء أمام أصدقائهما، ويكتب أحد أصدقائهم تعليقًا يدعو الحكومة العراقية لإجبار محب فصل الصيف لإجراء معاملة في بغداد تطول لمدة أسبوع لـ"يعرف أن الله حق"!
يُحوّر أبو وارث الفتلاوي بيت شعر، يُناجي فيه البرد بالقول "ألا يا ليت الشتاء يعود يومًا، فأخبره بما فعل الصيف".
ونشر ناشطون صورة لمقياس حراري في مدينة الرميثة بمحافظة المثنى جنوب غرب العراق، تصل درجة الحرارة حسب قراءته إلى 66 درجة مئوية.
وأظهرت صورٌ رفع بعض الشركات في محافظة البصرة الراية البنفسجية بعد تخطي درجة الحرارة للـ 50. وتشير الراية البنفسجية بحسب ناشطين إلى الأشعة فوق البنفسجية القصيرة، وهي خطرة على صحة الإنسان، لذلك تعمد الكثير من الشركات لرفع هذه الإشارة بمثابة تحذير للعاملين من أجل اتخاذ أعلى درجات الحيطة.
على الجانب الآخر، رد محبو الصيف بتأسيس مجموعة على موقع فيسبوك، حملت اسم "رابطة محبي الصيف" ، وكتب علي الربيعي، أحد أعضاء المجموعة، عبارة نصّت "ألفُ يومٍ من الصيف، ولا يومًا من الشتاء".
وسخر أحّد سكان محافظة الناصرية من أهالي بغداد بسبب تذمرهم من درجات الحرارة التي وصلت إلى 47 درجة، مبينًا أن "درجة الحرارة عندهم 53 وهم مواضبون على شرب الشاي"!
شهر الـ...
بات معروفًا في العراق، ما يحمله فصل الصيف من أحداث كبيرة عبر التاريخ. وشهد شهر تموز/يوليو تحديدًا عدة قلاقل سياسية واجتماعية، وانقلابات وانتفاضات، مثل أحداث الرابع عشر من تموز 1958 التي أطاحت بالعهد الملكي بانقلاب عسكري، وأحداث السابع عشر من تموز 1968 التي أطاحت بحكم الرئيس عبد الرحمن عارف وامساك حزب البعث العربي الاشتراكي بالسلطة، أعقبها في نفس الشهر حركة 30 تموز التي صفّى بها البعثيون باقي الضباط الذي شاركوا في الحركة السابقة.
على أثر درجات الحرارة، خرجت في الحادي والثلاثين من تموز/يوليو 2015 تظاهرات في ساحة التحرير تُطالب بتحسين الخدمات وتحديدًا الكهرباء، إقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي بسبب تردي الواقع الكهربائي مع ارتفاع درجات الحرارة.
في تموز 2018، انطلقت تظاهرات واحتجاجات كبيرة في محافظة البصرة جنوب العراقي، بسبب تردي الكهرباء والخدمات الصحية بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي. وازداد سخط الناس مع بقاء الوضع الكهربائي السيء وارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسبة المصابين بالتسمم جراء تلوث المياه، لتتحول الاحتجاجات إلى اعتصامات وأعمال عنف، وحرق مقرات حزبية فضلًا عن مبنى محافظة البصرة، وأدت الأحداث إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى في صفوف المتظاهرين، واعتقال ناشطين بالمحافظة.
تحركات شهري تموز وآب لم تقتصر على البصرة، بل شهدت ساحة التحرير في بغداد عدة تظاهرات، وكذلك محافظات النجف والديوانية وميسان وغيرهم.
متظاهرون من ناحية السيبة جنوب البصرة قطعوا مساء الثلاثاء 11 حزيران/يونيو 2019 طريق قضاء الفاو الرئيسي بتظاهرة احتجاجية ضد تراجع خدمة الكهرباء في مناطقهم. وذيّل ناشطون منشوراتهم بهاشتاك #راجعيلكم.
فيما نشر ناشط آخر (علي البصيري) منشورًا قال فيه إن "ثورة الشباب قادمة" ووضع تاريخ 20 حزيران/يونيو 2019، وتحت ذات الهاشتاك.. #راجعيلكم.
في السياق، حذرت النائبة عن محافظة البصرة ميثاق الحامدي إن "كل العوامل مشجعة على خروج أهالي البصرة بتظاهرات جديدة على غرار ما حدث سابقًا للمطالبة بإحداث تغييرات جذرية في المحافظة".
كل العوامل مشجعة الآن على خروج أهالي البصرة بتظاهرات جديدة على غرار ما حدث سابقًا للمطالبة بإحداث تغييرات جذرية في المحافظة
الحامدي توقعت في بيان لها في 11 حزيران/يونيو "شباب البصرة، وخاصة العاطلين عن العمل، بتظاهرات جديدة خلال الصيف الجاري مع توفر العوامل المساعدة لاندلاع هذه التظاهرات لمطالبة الحكومتين المحليّة والمركزيّة بالإيفاء بوعودهما".
اقرأ/ي أيضًا:
"فشل" وتشبث بالسلطة.. هل يطيح الجنوب الغاضب بعبد المهدي؟
"البوارح" تذيب "ذرائع" عبد المهدي وتشعل احتجاجات الصيف: البصرة تغلي مجددًا!