ينتهي عمل ممثلة الأمين العام ورئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، جينين بلاسخارت، في أيار/مايو الحالي، كما أعلنت في إحاطتها الأخيرة بمجلس الأمن الدولي، حيث تجري لقاءات عديدة مع مسؤولين وسياسيين عراقيين بهذه المناسبة.
كانت بلاسخارت أول وزيرة للدفاع في هولندا وتولت هذا المنصب خلال الفترة ما بين 2012 إلى 2017
وتسنمت الهولندية بلاسخارت منصب رئاسة البعثة الأممية في العراق، في آب/أغسطس من العام 2018، بإمضاء من الأمين العام أنطونيو غوتيريش، حيث تحدثت الأمم المتحدة وقتها قائلة إنّ "لديها خبرة سياسية ودبلوماسية تمتد لأكثر من عقدين، كما شغلت "مناصب وزارية وبرلمانية مهمة في بلادها هولندا".
وكانت بلاسخارت أول وزيرة للدفاع في هولندا وتولت هذا المنصب خلال الفترة ما بين 2012 إلى 2017، وهي فترة رافقت ظهور تنظيم "داعش"، في العراق وسوريا، واجتياح المدن العراقية، فضلًا عن تشكيل التحالف الدولي لمواجهة "داعش".
إشكاليات واتهامات
ورافقت مسيرة بلاسخارت في العراق، العديد من الإشكاليات، التي بدأت تظهر منذ احتجاجات خريف العام 2019، والتي سميت بـ"احتجاجات تشرين"، وصولًا لانتخابات العام 2021، فضلًا عن حكومة محمد شياع السوداني، بالإضافة إلى "شبهات فساد"، اتهمت فيها "يونامي" بعملها خلال السنوات السابقة.
وقبل انتهاء مسيرة بلاسخارت في العراق، تعرضت "يونامي" في شباط/فبراير إلى اتهامات عبر تقرير بريطاني، حيث تحدث عن "تورّط أعضاء من بعثة الأمم المتحدة في عمليات فساد متعلقة بمشاريع إعادة إعمار المناطق المدمرة بحرب "داعش".
وقتها، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، أنها شرعت بإجراءات التحري والتحقيق والتقصي عن مزاعم الفساد التي أُثِيْرَت في الصحافة البريطانية حول بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي".
يتحدث الكاتب غيث التميمي عن وجود كلام كثير يخص تورط بعثة "يونامي" بالمواضيع المالية والفساد
وتحدث الكاتب والباحث في الشأن السياسي العراقي، غيث التميمي، عن "تقييم" لمحطات ودور الممثلة الأممية في العراق، جينين هينين بلاسخارت مع قرب انتهاء ولايتها.
ويتحدث التميمي لـ"ألترا عراق"، عن اتجاهين بخصوص بلاسخارت، الأول يتعلّق تواجدها في الفترة الماضية بجميع محطات الأوضاع العراقية، ويخص الإستراتيجيات والخطط الأساسية التي اعتمدتها منذ توليها المهام ولغاية الآن، أما الثاني، فهو "يتعلق بتفاصيل تلك الإستراتيجيات والأوضاع".
وقال التميمي إنّ "بلاسخارت بذلت جهودًا جبارة في تقديم خدمات كبيرة وساعدت بتجاوز أزمات خطيرة في العراق خلال أوقات صعبة فيما يتعلق بالتظاهرات وجائحة كورونا والعلاقات مع الكويت"، بالإضافة إلى "جهودها بما يتعلق بالصراعات الإقليمية المحيطة بالعراق، فقد تدخلت بها بشكل واضح، خاصة الصراع الأمريكي الإيراني وما يرتبط به من ملف المليشيات والحشد الشعبي".
وقال التميمي أيضًا إنّ "الممثلة الأممية ساهمت وضغطت بقوة لترويض الفصائل، وأيضًا الحشد الشعبي الذي نجحت محاولات الضغط في مأسسته واندماجه ضمن إطار الدولة، وهذه بالنسبة للتميمي "تعد ملفات كبرى لا يمكن تجاوزها"، مضيفًا أنها "تدخلت أيضًا بملفات مكافحة الفساد وقصة مزاد العملة والبنك المركزي وتهريب الأموال لتعزيز سلطة الدولة".
وادّعى التميمي أنّ "الأزمات التي أسهمت بحلها بلاسخارت كادت أن تذهب بالبلد نحو الهاوية"، مستدركًا بالقول: "لكن على صعيد الاتجاه الثاني وهي التفاصيل، فالشيطان يكمن هنا، حيث "لدى بلاسخارت أسلوب تعامل سياسي مع الملفات، وعلى سبيل المثال تعاملها بإقصاء مع حزب المواطنة الذي أسسناه، بينما تتعامل مع أطراف تختارها بضمنها رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، فضلًا عن مجاميع تحيط بها".
وبالنسبة للتميمي، فإنّ بلاسخارت "لا تصغي لصوت لا تريده هي شخصيًا".
ويقول التميمي: "وعلى الرغم من محاولات أطراف في بعض الأحيان للدفع باتجاه حوار وطني، لكن بلاسخارت كانت تفضل التعامل مع أطراف صغيرة تقوم بتقويتها وتكبيرها لتخلق منها أحزاب وقادة، وتصدرهم بدل المساهمة بمعالجات مع أحزاب موجودة وهي جديدة".
ويتطرّق التميمي إلى أنه "لا يخفى أيضًا وجود كلام كثير عن تورط بعثة يونامي بالمواضيع المالية والفساد والعقود، ولا يمكن استبعاد بلاسخارت من هذا، وهي قصص طويلة وعريضة في الأوساط السياسية ومن غير المعروف متى سيتم التحقيق بذلك بشكل حقيقي".
رأى أكاديمي أنّ بلاسخارت تتماهى مع حكومة محمد شياع السوداني لدرجة أنها صارت الذراع الدولية لتعزيز قوة الحكومة الحالية
وكان السياسي العراقي، مشعان الجبوري، وصف بلاسخارت بـ"شاهد زور على العملية السياسية"، مطالبًا بـ"التحقيق في اتهامات الفساد والتربح الموجهة لبعثتها".
"انحياز لحكومة السوداني"
وفي الأثناء، اعتبر الكاتب والأكاديمي في مجال الإعلام، مسلم عباس، فترة عمل الممثلة الأممية، جينين بلاسخارت في العراق، "بعيدة عن الدور الفاعل".
وقال عباس لـ"ألترا عراق"، إنه "عند الحديث عن دور الممثلة الأممية جينين بلاسخارت، فإننا أمام تقييم الدور المحدد والمرسوم لها من قبل الأمم المتحدة، وهو دور دبلوماسي في المجمل، إذ لا تكاد تخرج المنظمة الأممية عن حدود البيانات السياسية والتعليق على الأحداث الجارية، دون أن يكون لها دور فعال على أرض الواقع".
وأضاف عباس: "إذا ما أرادت الأمم المتحدة أن تكون أكثر صرامةً تجاه الأحداث في العراق، فغالبًا ما تكون هذه الصرامة انعكاسًا لضغوطات دولية وتأتي الولايات المتحدة الأميركية على رأس الدول المؤثرة في القرارات الأممية والممثلة بلاسخارت بالعراق".
وأبرز مثال عن ذلك بالنسبة لعباس "هو تماهيها مع حكومة محمد شياع السوداني، لدرجة أنها صارت الذراع الدولية لتعزيز قوة الحكومة الحالية، نظرًا لعلاقاتها التوافقية مع الولايات المتحدة الأميركية".
وقال إنّ "بلاسخارت دعمت الحكومة وبقوة لا سيما في إحاطتها لمجلس الأمن بشأن نهاية السنة الأولى من عمر الحكومة، ما يؤكد أن الدور الأممي ولا سيما مع بلاسخارت متماهي دائمًا مع الحكومات التي ترضى عنها واشنطن".
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023، قدمت بلاسخارت، إحاطة أمام مجلس الأمن، أشارت فيها إلى أبرز خطوات حكومة محمد شياع السوداني التي أتمت عامها الأول، حيث أشارت إلى ما وصفتها بـ "الخطوات الهامة" التي اتخذتها حكومة السوداني، ومن بينها "إصلاحات طال انتظارها في القطاع المالي والمصرفي"، فضلًا عن أن الموازنة المالية للبلاد "ترسم مسارًا طموحًا حتى نهاية 2025، يتضمن تطوير البنية وإعادة الإعمار".
كما اعتبرت بلاسخارت أنّ السوداني "قطع التزامات جديرة بالإعجاب، منها زيادة الشفافية بما يتعلق بالموارد الجمركية ومتابعة تسليم المتورطين بسرقات الأموال العراقية، ومراجعة السجلات المالية للمرشحين للانتخابات".
وفي الاتجاه الآخر، يتحدث الأكاديمي مسلم عباس، عن أن بلاسخارت "يؤخذ عليها إعطائها فرصة أكبر لبعض القوى السياسية المرفوضة من قطاع واسع من المواطنين، فالزيارات المتكررة وغير الطبيعية من قبل بلاسخارت لبعض القوى السياسية يضعها في قفص الاتهام المتواصل".
ويقول عباس إنّ "بعض القوى السياسية استخدمت بلاسخارت كمحطة للتنفيس السياسي والتحرر من الضغوط خلال أزمات تظاهرات تشرين رغم ما لاقته مواقفها من رفض إعلامي، إلا أنها امتصت غضب المتظاهرين وجعلتهم يعيشون حلم الديمقراطية المثالية، ليجد الكثير من المتظاهرين أنفسهم أمام بلاسخارت أخرى تنحاز للحكومة في الانتخابات المبكرة خلال حكومة الكاظمي".
يرى أكاديمي أن بعض القوى السياسية استخدمت بلاسخارت كمحطة للتنفيس السياسي والتحرر من الضغوط خلال تظاهرات تشرين
وبالمجمل، كان دور بلاسخارت كما يصفه عباس بـ"المثير للجدل الإعلامي والسياسي في العراق، وهو "انعكاس لدور الأمم المتحدة الذي لا يتعدى إثارة الجدل أو تمهيد الطريق للتغييرات في موازين القوى الدولية داخل العراق".
وطلب "ألترا عراق"، التعليق من "يونامي"، حول مزاعم "شبهات الفساد"، فضلًا عن "انحياز بلاسخارت للحكومات العراقية منذ 2018"، لكنها لم تستجب لذلك.
وكان رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني التقى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة رئيس فريق المراجعة الستراتيجية لعمل بعثة اليونامي في العراق، فولكر بيرتس، على هامش مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن 2024، في منتصف شباط/فبراير، وأشار إلى "التقدم الحاصل في بسط الأمن والاستقرار الداخلي، ما جعل بالإمكان إنهاء الدور السياسي لبعثة اليونامي في العراق"، مع تأكيده أن "النشاطات والبرامج المشتركة للمنظمة الأممية يمكن أن تستمرّ عبر نقل نشاطها إلى المنظمات المختصة".