في أبعد أماكن العاصمة العراقية بغداد عن العسكرة والعسكرين، أي شارع المتنبي، الذي اشتهر بأنه شارع الكتب والثقافة، شهد صبيحة اكتظاظه الأسبوعي المعتاد، الجمعة الماضية، زيارة قوة أمريكية على رأسها الجنرال أوستن رينفورث نائب قائد القوات الأميركية في العراق.
مشهد القوة الأمريكية في بغداد فجر زوبعة على السوشيال ميديا بعد سلسلة سلوكيات استفزازية للعراقيين بما يتعلق بسيادة واستقلال بلادهم
ورافق هذه القوة قيادات عسكرية عراقية، على رأسها قائد عمليات بغداد الفريق الركن جليل الربيعي، في مشهد غاب عن شوارع العراق تمامًا منذ عام 2011، عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما سحب القوات الأميركية من العراق والاكتفاء بجزء يسير منها موزعين على عدة قواعد عسكرية.
اقرأ/ي أيضًا: 9 حقائق هامة ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق
مشهد القوة الأمريكية في شارع المتنبي، فجر زوبعة تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد سلسلة سلوكيات استفزازية للعراقيين بما يتعلق بسيادة بلادهم واستقلالها؛ بدأت بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المعلنة إلى قواته المتواجدة غربي الأنبار، واستمرت مع انباء توافد القوات الأميركية إلى عدة قواعد منشرة في مناطق شمال ووسط العراق.
ونشرت قيادة عمليات بغداد بيانًا صحفيًا، اليوم الأحد، لتوضيح الاستفهامات التي أثارتها زيارة القوة الأميركية، قائلة إن "قائد عمليات بغداد الفريق الركن جليل الربيعي يرافقه عدد من ضباط ركن القيادة، وكذلك الصحافية الأمريكية جان آراف من إذاعة NPR، وكانت قد قدمت في وقت سابق طلب إجراء جولة ميدانية في العاصمة بغداد من أجل الاطلاع على الواقع الأمني فيها، وتكذيب مزاعم الصحافة الصفراء التي تروج لأعمال العنف والاقتتال في العاصمة".
وتحدث البيان عن تقرير الصحفية الأميركية الذي أظهر مستوى الأمن في العاصمة بغداد، دون التطرق إلى التساؤلات الكثيرة التي طرحها الشارع العراقي، والغضب الذي أثاره وجود قوة أجنبية في شوارع العاصمة دون مبرر واضح.
استنكار على السوشاال ميديا.. #العراق_مقبرة_المحتل
أغلب التعليقات التي وردت في مواقع التواصل الاجتماعي، استشكلت على رواد شارع المتنبي صمت جزء منهم لوجود قوة لا يزال وصفها الثابت عند معظم شرائح الشعب العراقي بالقوة المحتلة، وذهاب جزء آخر من المتواجدين في شارع المتنبي لالتقاط صور سيلفي مع هذه القوة.
ويشير حيدر الحداد الخفاجي، في منشور له على حسابه في فيسبوك، إلى أن الأمريكيين "أدركوا خطورة السير في الأحياء الفقيرة كون سكان هذه الأحياء ينتقمون لحرمة الوطن وكرامة الشعب، فساروا وسط المثقفين الرافضين للقيم والمبادئ العرفية"، على حد تعبيره.
وعلق فاضل الموسوي على صور الجنود الأمريكيين، قائلًا إنهم لو كانوا دخلوا إلى منطقة البتاويين -والتي يقطنها طبقة من ذوي الدخل المحدود وتكثر فيها محال بيع الكحول- لجوبهوا بالأحذية، "لكن المثقفين في شارع المتنبي استقبلوهم بثقافة السيلفي".
في المقابل عبر بعض الكتاب والصحفيين عن انزعاجهم من إدانة الطبقة المثقفة بسبب عدم التعبير عن رفض تواجد القوات الأميركية في شارع المتنبي.
إذ يرى الشاعر والصحفي زاهر موسى، إن مطالبة بعض الناشطين المتدينين من يعتبرونهم "مثقفين" بإدانة ظهور الأمريكيين في شارع المتنبي مغالطة كبيرة، عازيًا ذلك إلى أن غالبية زائري هذا الشارع "ليسوا مثقفين ولا أدباء بل ليسوا أكاديميين ولا قرّاء".
وأضاف أن "المثقفين ليسوا حزبًا كي يكون لهم قرار مركزي يمكنه تبني إصدار استنكار أو تنديد"، مشددًا على أن "المثقف ليس مطالبا بمواقف آنية وردود أفعال، وما يحسنه المثقف هو نقد نماذج المعرفة لا المساهمة في ألعاب الساسة".
كما أثار التجوال الأمريكي مدونين من التيار الصدري، ليذكرهم بمعاركهم السابقة مع القوات الأميركية في بغداد والنجف وعدد من المحافظات الجنوبية، مطالبين زعيمهم مقتدى الصدر، بإعطاء الضوء الأخضر لإعادة التسلح وضرب المصالح الأميركية داخل العراق.
ونشر أسامة التميمي صورة قديمة لأحد المسلحين التابعين للتيار الصدر أيام قتالهم مع الأمريكيين معلقًا عليها: "يبدو ان القوات الامريكية المتبقية في العراق تستعجل نهايتها"، مضيفًا أن "تواجدهم في شوارع بغداد اليوم انتهاك صارخ".
وجاء تعليقه تحت وسم "#العراق_مقبرة_المحتل"، والذي كان رائجًا في أوقات ماضية لكن أعيد تفعيله من قبل الصدريين بعد زيارة القوة الأميركية لشارع المتنبي.
وصول قوات أميركية إلى العراق
قبيل زيارة هذه القوة بأيام قليلة، وبعيدًا عن أضواء الإعلام دخلت عدة قوافل عسكرية أميركية إلى العراق متوجهة إلى قواعد عسكرية في أربيل وصلاح الدين وكركوك، يعتقد أنها جاءت من سوريا، بينما يرجح متابعون أن أعداد القوات المنسحبة وانتشارها في العراق قد يكون وراءه غاية أخرى.
ليعيد مشهد القوة الأميركية في شارع المتنبي الضوء إلى هذه الأنباء، والتي كان مصدر معظمها شهود عيان في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت مصادر محلية في محافظة صلاح لـ"ألترا صوت": "سمعنا أن الأمريكان دخلوا قاعدة البكر وعززوا قواتهم في سبايكر، ونسمع أيضًا عن إنشاء قاعدة لهم في قضاء بيجي شمالي المحافظة، لكن لا أحد يعرف بدقة ما الذي يجري".
ويرجح مراقبون أن هذه القوات ستبقى لمدة ليست بالقصيرة، تحسبًا لحدوث أي مواجهة مع حلفاء إيران من الجماعات المسلحة داخل العراق، لا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان من ضمن ما قاله في زيارته القصيرة إلى قواته في الأنبار، سنبقى في العراق لضمان عدم عودة داعش والتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة.
أغلب التعليقات السوشيال ميديا، استشكلت على رواد شارع المتنبي صمت جزء منهم لوجود قوة يعتبرها الغالبية "قوة احتلال"
وربطوا دخول هذه القوات إلى العراق بالزيارة التي قام نائب قائد القوات الأميركية إلى أحد الشوارع المزدحمة في بغداد، على أنها رسالة إلى إيران وحلفائها في العراق: "نحن هنا ولدينا مثل نفوذكم ولا نخاف".
اقرأ/ي أيضًا:
غزو العراق.. تفتيت الهوية وإفقار الشعب في رحلة الكذب الأمريكي