ألترا عراق ـ فريق التحرير
لم تتشكل صورة ثابتة للفنان العراقي المغترب منذ 24 عامًا كاظم الساهر، في مخيلة العراقيين، كما تشكّلت تجاه الفنان ماجد المهندس، فيما يتعلّق بالتسليم إلى واقع انفصاله رسميًا عن العراق وما يدور به.
كانت الأنباء والتسريبات عن رفض الساهر إحياء حفل استضافة بطولة خليجي 25 في البصرة صادمة
فالساهر كان بين الحين والآخر يظهر موقفًا في بعض الأحداث التي تجري في العراق حتى أنه أبدى تضامنه معلقًا على حادثة فاجعة الناصرية متمثلة بالحريق الذي التهم مركز العزل الخاص بكورونا، وهو الأمر الذي يتميز به عن غيره من الفنانين العراقيين المغتربين ويجعل احتمالية ارتباطه وقربه من العراق قائمة، فيما تقترن هذه المواقف مع استمرار ابتعاده وعدم تلبيّة رغبة العراقيين بالحضور وإحياء حفلاته داخل البلد.
اقرأ/ي أيضًا: "مغامرة".. أول تعليق من المخضرم الهولندي عن مهمة تدريب أسود الرافدين
ووجه وزير الشباب والرياضة العراقي، عدنان درجال، في حزيران/يونيو دعوة رسمية لكاظم الساهر، للمشاركة في حفل افتتاح أو ختام بطولة خليجي 25 في البصرة، فيما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، نبأ اعتذار الساهر عن تلبية دعوة حضور افتتاح البطولة، من دون الإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء ذلك الاعتذار، فيما لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي حتى الآن.
ولهذا السبب، كانت الأنباء والتسريبات عن رفض الساهر إحياء حفل استضافة بطولة خليجي 25 في البصرة صادمة، وشكلت ردود فعل واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، على العكس لو أنها قد صدرت من ماجد المهندس على سبيل المثال، الذي يعد موقفه المبتعد عن العراق محسومًا بالكامل، إلا أن الساهر كما يقول منتقدوه ما زال موقفه يبدو متأرجحًا وغير مفهوم، وبالرغم من عدم توفر تأكيدات رسمية على رفض الساهر لدعوة وزير الشباب والرياضة عدنان درجال، لكن هذا لم يمنع مختلف الأوساط العراقية من الخوض والجدل بهذا الشأن.
ومع ذلك، قالت أوساط صحفية أن الساهر لم يعتذر عن التواجد في البصرة، وهو ما أكده الصحفي حسين البهادلي، الذي أشار إلى عدم "أصدار الساهر أو المقربين منه أي خبر عن رفض حضور افتتاحية بطولة كاس الخليج العربي في البصرة"، مضيفًا "اتصلت بعدد من الأخوة الإعلاميين الذين لديهم علاقة بالفنان كاظم الساهر والمقربين منه، والذين بادروا بدورهم بالاستفسار عن الموضوع من القيصر نفسه، وأكدوا بعد ذلك أن الموضوع غير صحيح والفنان كاظم الساهر لم يعتذر عن التواجد في البصرة، وأنه سعيد للغاية بالدعوة التي وجهت من أجل التواجد في حفل الافتتاح".
لكن منتقدي الساهر في "فيسبوك"، رأوا أنه ملزم بتقديم موقف أخلاقي تجاه بلده خصوصًا وسط ما يعانيه من مآسٍ، ليكون قدومه للعراق اولًا لإسعاد وتحقيق رغبة شعبه الذي يتفاخر به، وثانيًا لأخذ دوره في إخراج قضية وواقع العراقيين إلى أنظار العالم، فيما لاقى الساهر ردود فعلٍ قاسية حتى أُتهم بـ"اللاوطنية" في مواقع التواصل الاجتماعي.
من جانب آخر، أوجد المدافعون عن الساهر مبررات لخطوته الأخيرة، منها رفضه التعامل مع النظام السياسي الحالي أو إعطائه الشرعية حينما يلبّي الدعوة للحفل القائم تحت إدارة ورعاية هذا النظام، أو أن تكون هناك أسباب أمنيّة مبررة، خاصة وأن البصرة على سبيل المثال، تشهد حوادث اغتيال بين فترة وأخرى، إلا أن منتقدي الساهر اعتبروا هذه المبررات غير مقنعة، معلّلين بذلك أنه من المفترض أن يبيّن أسبابه لا أن يلجأ للصمت.
وفي 2011 قامت منظمة اليونيسيف بتعيين الساهر سفيرها للنوايا الحسنة في العراق، وكانت هذه أول مرة يزور الساهر فيها العراق بعد غياب 14 عامًا، وآخر مرة منذ 10 أعوام.
وكان الساهر قد فتح النار على منظمة اليونيسيف لأنها "بطيئة" ولم تكمل برامجها معه في العراق لظروف أمنية قال إنه "لا يعرفها"، مبينًا "كنت أتمنى لو نعود مرة ثانية بأي طريقة ممكنة وقد اتصلت بالمقيمين على اليونيسف وشددت على فكرة التحرك من جديد. أمنيتي أن أتجول في كل شوارع العراق واتمنى أن تتحقق في القريب العاجل".
هذه الحماسة، برأي الذين كتبوا ضده، تنفي فكرة "الأسباب الأمنية" التي قد تمنع الساهر من دخول العراق، وتزيد الحيرة حول سبب رفضه للمجيء للبصرة بالرغم من تصريحاته التي أبدى من خلالها انتظار أي فرصة للتجول في العراق والغناء فيه مجددًا، وبالرغم من تأكيده على أن المانع ليس "خوفه الشخصي من الأوضاع الأمنية"، إلا أنه لا ينفي مخاوفه المتعلقة بضمان توفير الأمان للجمهور الذي سيتجمع لأجله.
وفيما يخص التعامل مع السياسيين أو ما إذا كانت تجمعه صداقة بأحد منهم، قال الساهر إنه "صديق الشعب"، مضيفًا أنه "مع كل رجل أو سياسي يسعد شعبه ويخلص له، أنا رجل يعمل في الإنسانيات، وطالما هذه رسالتي لن أهاب زيارة أي مكان في العالم، إنما يجب أن اقدم شيئًا وأن يستمر عطائي".
ووسط كل هذه المعطيات، أصبح الساهر في موقف غير واضح تجاه العراق، بين معطيات "أمنياته بزيارة العراق وتقديم شيئًا لشعبه"، وبين غيابه المستمر عن البلاد رغم توفر الفرصة، الأمر الذي دفع العديد من الآراء إلى الذهاب لزاوية بعيدة، متحدثين عن "وجود أسرار لدى الساهر تمنعه من القدوم للعراق يجب أن يكشفها ويصارح الشعب بها".
اقرأ/ي أيضًا: كاظم الساهر يعتذر عن تفريطه بلقب "السامرائي" ويكشف القصة الحقيقية
لكن الباحث عقيل عباس، علّق على الجدل بسؤال طرحه بالقول: "لماذا نطلب من الفنان موقفًا سياسيًا؟"، مضيفًا أن "علاقة الفنان بالجمهور هي بسبب الفن وعبره، وليس غيره. تسييس الفن ليس صحيحًا. الموقف الأخلاقي للفنان يظهر عبر فنه وليس إعلان مواقف سياسية، إلا إذا اختار الفنان ذلك، وهذا حينها يكون اختيارًا شخصيًا وليس التزامًا فنيًا أو أخلاقيًا للفنان".
وعن الموقف الأخلاقي المطالب به الفنان، يقول عباس في تصريحات تابعها "ألترا عراق"، إن "هذا كلام فيه إشكالات كثيرة، وهو المدخل الذي استخدمه الأيديولوجيون تاريخيًا لالحاق الفن بالسياسة أو الأيديولوجيا، وبالتالي تكريس الديكتاتورية باسم الأخلاق أو الإنسانية، مبينًا أنه "ليس مطلوبًا من الفنان إصدار بيانات أو مواقف في أحداث سياسية أو اجتماعية أو حتى إنسانية، هو ليس سياسيًا أو ناشطًا حتى نطبق عليه معايير السياسة وسلوك الساسة أو الناشطين".
وأشار عباس إلى أن "أصدار مواقف في الأحداث العامة هو امتياز شخصي يعود لخيارات الفنان، وليس التزامًا أخلاقيًا أو فنيًا، أما بخصوص تعريفك للسياسة وماذا تشمل، فهذا صحيح، مستدركًا "لكن هذا ينطبق على كل نشاط في المجتمع، بضمنها ممارسة الطب أو العمل كرجل دين، أو محام أو مُدرّس أو رياضي أو بقال أو غيره، وأن بمقادير مختلفة، متسائلًا "هل على كل هؤلاء أصدار بيانات أو مواقف بخصوص أحداث السياسة؟"، مؤكدًا أن "من المهم تحديد السياسة وحيز اشتغالها الرئيسي، وإلا فستتمدد وتلتهم كل المجتمع وأنشطته وحياته، كما يحصل في الأنظمة الشمولية، ومقولة أن الفن هو رسالة أولاً (أي تقديم الغرضية فيه على أي شيء آخر) هو إحدى مداخل هذا التمدد".
وأضاف عباس، أن "السياسة هي مهارة/فن/وظيفة إدارة الشأن العام من موقع سياسي/مؤسساتي، عادةً ما يكون مرتبطًا بالقوة والتاثير سواء عبر القانون أو الواقع. كاظم الساهر، أو أي فنان آخر، ليسوا جزءًا من هذا الحيز، إلا إذا قررنا فرضه عليهم، وحينها نكون قد دخلنا في مناطق التمدد الشمولي".
وحول الموقف الأخلاقي من القضايا الكبرى، لفت عباس إلى ما وصفه بـ"مشكلة كبرى"، متسائلًا: "من يقرر ما هي القضايا الكبرى التي ينبغي أن يتخذ فيها الفنان موقفًا علنيًا؟ أنا؟ أنت؟ السلطة؟ المحتجون؟ الساسة؟ أم الفنان نفسه؟ هل هناك معايير موحدة لما هي (القضايا الكبرى) حتى نستطيع أن نطبقها على الجميع؟ مضيفًا "أعتقد المدخل الصحيح لكل هذا الامر هو الإيمان بحرية الفنان وحقه في أن يبدي رأيًا بموضوع ما عام أو يصمت، لنا أن ننتقده فقط إذا دعم عبر فنه أو أفعاله أو أقواله حين يختار سلوكًا يغمط الناس، أو مجموعة منهم، حقهم أو يؤذي المجتمع، أو قسمًا منه على نحو فيه تعسف".
اقرأ/ي أيضًا:
"رجل الخشب" و"ميسي بغداد".. منح مالية لإنتاج 5 أفلام سينمائية في العراق