24-يوليو-2022
المالكي الصدر

يمكن أن يستغل الفاعل الدولي آلية التسريبات في العراق (فيسبوك)

بشكل كبير، انقسم الشارع العراقي على الصعيدين السياسي والجماهيري أيضًا بين مُتهم ومُدافع، ولم يختلف الخطاب السياسي عن الخطاب الجماهيري، فكلا الخطابين "شعبوي صِدامي"، والأنكى أن الخطاب السياسي لم يحمل أي فكرة سياسية أو قراءات أمنية مترتبة على خلفية صدمة التسريبات، وعلى افتراض صحتها من عدمها. لعل هذه المرحلة كشفت عن الذهنية السياسية التي لا تمتلك أي حلول، وتتعاطى مع الملفات تعاطي المفاجأة التي تحمل الموجة الكاسرة عبر التوجه بالدعاء وطلاسم النجاة وتمائمها.

 يمكن أن يستغل الفاعل الدولي آلية التسريبات بخصوص الداخل العراقي وتفاعل الجماهير معها

ما لم يُطرح ولن يطرح على ما أعتقد أن ضربة "التسريبات" جرّت العملية السياسية على خشبة المسرح تحت إضاءة دقيقة وعالية، كانت على رأسها الموقف الصعب للأجهزة الأمنية والقضاء بين تراشق الاتهامات دون إمكانية السيطرة على طرفيها، وإمكانية النفوذ الخفي إلى مكاتب أكبر الزعامات السياسية، خاصة أن التلويح بالملفات والتسريبات ليس جديدًا على المشهد السياسي العراقي. حاولت الزعامات السياسية تلافي صدامات التصريحات للوهلة الأولى، لكن الخط الثاني والمريدين والجماهير تحركت دون الالتفات لهذه المحاذير، ووسعت رقعة الاتهامات وأعادت بنفسها الصدام للمشهد، مما يعني بالدرجة الأساس؛ أن النزاع انتقل إلى الجماهير بصورة أكبر وصارت العدوى الجماهيرية المُتقابلة غير قادرة على الاحتواء، فضلًا عن أن هذه المحطة الملغومة ستقدم تكتيكًا جديدًا لصراع الملفات والتسريبات مع إمكانية استغلال الفاعل الدولي لهذه الآلية.

قبل قرابة السنة، كانت القوى السياسية متخوفة من الوصول إلى المحطات الصعبة، فحركت رغبتها بإقرار قانون الجرائم المعلوماتية للتصدي للماكنات الإعلامية والمنابر الصحفية من شر الغسيل السياسي، كانت هذه الرغبة انعكاسًا للعجز الكبير عن احتواء الأزمات في حال حصولها، خاصة أن الأحداث سيدة الموقف السياسي، وبالمحصلة فأنّ الطبقة السياسية هي طبقة صناعة الأزمات لا إيجاد الحلول، غير ملتفتة لتهديدات الأمن القومي على صعيد الحكومة والمواطن والمجتمع الدولي، وهذه الطبقات السياسية لطالما أعدت نفسها على مرحلتين؛ "الأولى كمأساة كما حصل حتى العام الحالي من عمر الحكومة، والثاني كمهزلة سيكشف عنها الغد".

الحكومات تموت لتولد غيرها من نسلها كما في رجال السياسة المنتجين، لكن السلطات العبثية ستنتحر وهي عقيمة دون وريث أو ذكر حَسِن، لأنها ستنتهي بمهزلة يضعها في خانة القردة السياسية التي تمارس دور السلطة ثم تطلق النار على بعضها، بالصدد ذاته يتأرجح العراق بين الدولة المستقرة والدولة الفاشلة في محطة الدولة المتخبطة، لكنها أقرب ما تكون للفاشلة، والبدايات الخاطئة حتمًا وبلا شك ستقود لنهايات مأساوية، أما بيت القصيد في الذهنية السياسية، فإن اعادة تشكيل الأمن القومي العراقي وفق ما يتطلبه العراق من اقتصاد غير ريعي (تنموي) ومؤسسة تعليمية رصينة وأجهزة أمنية وقضائية غير خاضعة  للمزاجات السياسية، سيقضي على البراغماتية والغنائمية السياسية، فكما شن التنظيم الإرهابي داعش غزواته المعروفة، شن الفساد غزوة كبرى على جسد الدولة تجسدت في صورة "التسريبات".