مَثَل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، أمام اللجنة المستقلة المكلفة التّحقيق بملف قرار الحرب على العراق، بعد صدور تقريرها النّهائي، لتُطوى صفحةٌ مثيرةٌ للجدل في التّاريخ البريطاني الحديث، فيها محطّاتٌ عديدة، لإمبراطوريةٍ أفل نجمها.
لا فائدة من تقرير تشيلكوت عمليًا، فهو يظهر بلير كمن قاد حربًا استباقيةً على خطرٍ قد يقع، ويخفّف من وطأة جريمته التّاريخية
شنّ التّحالف الأمريكي – البريطاني بغطاءٍ من مجلس الأمن، حربًا على النّظام العراقي السّابق، برئاسة صدّام حسين، في نهاية عام 2002 أوائل العام 2003، أسفرت عن إسقاط نظام صدام حسين وتقويض مؤسّسات الدولة العراقية، إضافًة إلى إدخال الشّعب العراقي في دوامةٍ من الأحداث الأمنية، وجذب الميليشيات المتطرفة، التي تمثّل الإسلام الرّاديكالي للساحة العراقية، كون القوات الغازية تعدّ، بالنّسبة لتنظيم القاعدة وخليفتها تنظيم القاعدة في بلاد الرّافدين بقيادة أبو مصعب الزّرقاوي من ثم الدولة الإسلامية، قوى صليبيةً محتلّة، وامتداداً للحرب على المسلمين.
اقرأ/ي أيضًا: صحف لندن في موسم تصفية الحساب مع توني بلير
الحرب بين الجماعات الجهادية والتّحالف، دفع ثمنها الشّعب العراقي لليوم ولا يزال، بمئات آلاف القتلى، وهدرٍ في الموارد النّفطية، عدا عن طبقة حكم فاسدة أمعنت في سرقة المقدّرات العراقية.
بكلماته الـ 2.6 مليون، و1500 تقريرٍ سرّي غير مسرّب، 145 منها لتلخيص التّقرير، قدّمت لجنة السّير جون تشيلكوت نتيجة تحقيقاتٍ استمرت من الـ 2001 للـ 2009، أي ثماني سنواتٍ من التّحقيقات المستمرّة، أعيد انتخاب بلير خلالها رئيسًا للوزراء، قبل أن يحلّ كاميرون مكانه، ويجد رئيس حزب العمال، جيرمي كوربين نفسه مضطرًا للاعتذار عن "خطيئة" بلير، الاعتذار للبريطانيين طبعًا مع تجاهل العراقيين، والتّجاوزات المرتكبة إبّان الغزو، كتهريب الآثار، سرقة الموارد النّفطية، وتقويض مؤسّسات الدولة العراقية، وترك السّاحة الدّاخلية لتتحوّل ساحةً لحربٍ أهليةٍ بين أبناء البلد الواحد.
عبّر توني بلير عن أسفه لسقوط 179 جنديًّا بريطانيًّا، وعبّر أيضًا عن ندمه وتأسّفه الشّديد بعد صدور نتائج التّحقيق، لم يعتذر بلير للعراقيين، ولن يسجن، فالتّحقيق والتّقرير، على الرّغم من تأكيده أن بلير استند في غزوه العراق إلى أدلّة قانونية غير ثابتة، وموادٍ غير مسندة، لا يحمل طابعًا إجرائيًا كسجن الرّجل، بل هو أشبه بمحاكمةٍ إعلامية شكلية.
أظهر التّقرير في جانبٍ من جوانبه، تبعية بلير لبوش الابن، وأظهرت الوثائق أن بلير أكّد لبوش تبعيته له في أي مكانٍ وزمان، في الحرب والسّلم أيضًا، وبالتّالي إلحاق الحكومة البريطانية بقرارات الحكومة الأمريكية، وتأطير السّياسات البريطانية الخارجية على قياس بوش وإدارته.
اعتدى بلير وبوش على العراق بذريعة وجود أسلحة دمارٍ شامل، لكن الأسلحة لم تظهر، ومسرحية الـ"45" دقيقة التي قدّمها كولن بأول، وزير الخارجية الأمريكية السّابق، في مجلس الأمن، والتي شكّلت الذّريعة لكسب غطاءٍ دولي على العدوان على العراق، ظهر زيفها.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد هزيمة داعش؟
كما أكّدت الوثائق المرفقة للتقرير، أن توني بلير وأليستير كامبل، رئيس اتصالاته، "علما على الأرجح" أن المزاعم عن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية كانت خاطئة قبل أن "يقدماه" في الملف للحكومة البريطانية قبيل الغزو. وقدّماه لاحقًا زاعمين بأن صدام حسين يمكنه أن يُخفي هذه الأسلحة في غضون "45 دقيقة"، أي أن بلير ساهم في غزو العراق بالحكم على "النّيات" الصّدّامية، وهذا ما أثبته تشيلكوت، واللورد هاتون، مسؤول لجنة التّحقيق الأولى من قبله.
إذن لا فائدة من التّقرير عمليًا، فهو يظهر بلير كمن قاد حربًا استباقيةً على خطرٍ قد يقع، ويخفّف من وطأة جريمته التّاريخية، لكن الأكيد، أن العراقيين اليوم يعون جيدًّا حجم الويلات التي سبّبها هذا العدوان، كما يعي البريطانييون أن هناك دروسًا قد تعلّموها، أبرزها التّبيّن من الأدلة، وعدم الانسياق خلف رئيسٍ ضعيفٍ تبعي كبلير.
اقرأ/ي أيضًا: