لم يتفق العراقيون منذ عام 2003، على حب سياسي واحد، بل على العكس تمامًا كان الكثير منهم يتفق على شمل السياسيين من جميع الطوائف والقوميات والكتل بأقذع الأوصاف والكنى، حتى حل تشرين الأول/أكتوبر عام 2015.
لم يتفق العراقيون منذ 2003 على حُب سياسي واحد، كما حدث مع السفير الياباني إلى العراق فوميو إيواي
تعرف العراقيون في هذا الشهر على سفير اليابان في العراق فوميو إيواي، الذي بدأ شيئًا فشيئًا يكسب انتباههم وعاطفتهم بسلوكيات تلامس القلب العراقي انطلاقًا من أدق التفاصيل. إذ ارتدى السفير قميص المنتخب العراقي قبيل لقائه بمنتخب بلاده، وارتدى في وقت آخر الزي العربي، ونطق باللهجة العراقية لتصبح صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، تفاعلية نشطة يتابعها الشباب بدافع الحب لا الشتم على عكس ما جرت عليه العادة مع غيره.
اقرأ/ي أيضًا: سياسيو العراق.. سوف نضحك
وفاجأ فوميو إيواي جمهوره في الـ20 من حزيران/يونيو الماضي، بخبر انتهاء مبعوثيته واستلامه تعليمات من طوكيو تأمره بالعودة نهائيًا إلى اليابان. وقال سفير اليابان على صفحته بفيسبوك: "أمضيت ٩٨٣ يومًا حتى هذا اليوم منذ وصولي لبغداد سفيرًا لبلدي اليابان لدى جمهورية العراق، منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 2015".
وأضاف: "أود التعبير عن خالص شكري ووافر تقديري وامتناني لكم جميعًا على دعمكم وتعاونكم وتشجيعكم لي طوال هذه المدة. لو أنني لم أنل منكم طيبة مشاعركم لي، لما تمكنت من إنجاز ما أنجزته".
وتابع: "رغم حزني لمغادرة العراق وخاصة قبل مرور الذكرى السنوية الثمانين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا الصديقين إلا أنني على يقين بأن من يخلفني سيكمل مسيرة عملنا في تعزيز روابط الصداقة والتعاون بين اليابان والعراق".
ولاقى هذا النبأ، ردّة فعل عاطفية كبيرة من العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، منها انطلاق حملة للضغط على السلطات اليابانية بتمديد بعثته في العراق ومخاطبته بكنية عراقية هي "أبو كوجي"، كما رشحه آخرون لرئاسة وزراء العراق!
وتحدث حسام ستار عبر حسابه على فيسبوك، عن فوميو إيواي، قائلاً إن "الرجل دبلوماسي من الطراز الأول، يتكلم العربية باللهجة العراقية الصرفة واقترب من وجدان كل العراقيين حتى أصبح نجمًا لامعًا يتابع أكثر حتى من الفنانين".
وأضاف: "شعرنا بخسارة كبيرة لفقده رغم أنه القادم من أقاصي شرق آسيا من ثقافة أخرى ودين آخر، لا بل إنه قد يكون من دنيا مختلفة كليًا"، مستدركاً: "فيما لا يهتز لنا جفن على أي سياسي عراقي من أبناء جلدتنا".
وأشار إلى أن "(أبو كوجي) كما كان يحلو له أن يُلقب، لم يكن من طائفة أو قومية أي احد في هذا البلد، وكل ما في الأمر أنه عرف كيف يكسب قلوب الجميع"، مبيناً: "لو رشح فوميو نفسه عندنا لاكتسح الجميع".
أما جعفر المالكي، فاتفق مع حسام بتعليقه على منشور "أبو كوجي" بفيسبوك، قائلاً: "لو رُشحت لانتخبناك، لكن ما باليد حيلة"، متندراً: "كعادته العراق وكما عودنا؛ أن الشريف والنزيه والمحبوب والعادل لا يبقى".
وطالب بعض المعلقين على المنشور برقم هاتف الإمبراطور الياباني، ليلتمسوا منه أمراً إمبراطورياً بتمديد بعثة السفير الياباني في العراق.
واشتهر فوميو إيواي، بالتعليق على جميع المناسبات العراقية باللهجة العراقية والحديث عن المطبخ العراقي، وارتداء الأزياء الشعبية، ولم يتردّد في الظهور خلال إحدى مباريات المنتخب العراقي مع منتخب بلاده اليابان، مرتدياً قميص المنتخب العراقي.
هذا وعملت البعثة اليابانية في العراق على عدد من المشاريع التنموية وفتحت أبواب التواصل الثقافي بين البلدين، وحرصت على استقبال الشباب من المدوّنين والناشطين، كما ركّزت جهدها على ملف إعمار الموصل، وإعادة النازحين إلى منازلهم.
وفي بادرة طريفة تتعلق بنشاطات السفارة في ملف النازحين، فقد أنشأ عدد من المدونين عام 2017، صفحة على فيسبوك تطالب بجعل السفير إيواي وزيرًا مؤقتًا للإعمار والإسكان في العراق.
يعكس تفاعل العراقيين مع السفير الياباني، عن الحاجة المتنامية في الوجدان العراقي لسياسي يخاطبهم بلغة الإنسان الذي يهتم لأمرهم فحسب
وقد يعد هذا التفاعل هو الأول من نوعه في العالم، على مستوى العلاقة بين سفير أجنبي وشعب بلاد مبتعث إليها، للدرجة التي دفعت العراقيين منحه الثقة بالترشح للانتخابات وتكليفه بحقيبة وزارية، وتنفيذ حملة لتمديد بعثته. ما يلفت الأنظار إلى الحاجة المتنامية في الوجدان العراقي لسياسي أو قائد يخاطبهم بلغة الإنسان الذي يهتم لأمرهم فحسب، لا أكثر من ذلك على الإطلاق.
اقرأ/ي أيضًا: