بين نار محتجين غاضبين وفوهات أسلحة عناصر ميليشيات ومجموعات حزبية، عاشت البصرة ليلة من الانفلات والاضطرابات العنيفة خلفت عشرات القتلى والجرحى، وسط مخاوف من انجرار المدينة نحو اقتتال "شيعي - شيعي" مسلح، فيما دخلت القوات العراقية حالة من التأهب القصوى في بغداد، مع إعفاء قادة عسكريين.
تجددت الجمعة الـ7 من أيلول/ سبتمبر، موجة احتجاجات عنيفة في البصرة، تسببت بنشوب سلسلة من الحرائق، وأسفرت عن مقتل ثلاثة من المتظاهرين
جاء ذلك بعد ساعات من انتقادات وجهها المرجع الشيعي علي السيستاني إلى السياسيين في العراق واتهمهم بأنهم سبب الأزمة التي تشهدها البصرة، مطالبًا على لسان ممثله في كربلاء بتشكيل حكومة جديدة تختلف في سياساتها عن الحكومات السابقة.
وتجددت الجمعة الـ7 من أيلول/ سبتمبر، موجة احتجاجات عنيفة في البصرة، تسببت بنشوب سلسلة من الحرائق، وأسفرت عن مقتل ثلاثة من المتظاهرين، فيما أصيب 45 شخصًا على الأقل بينهم عناصر أمن، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة العراقية وأكدته مفوضية حقوق الإنسان في العراق.
اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات البصرة تتوسع في العراق.. سخط الجنوب يوحد الشارع
وكشفت مصادر طبية لـ "ألترا صوت"، أن "أحد القتلى سقط بعد عملية دهس نفذتها سيارة إسعاف قرب القصور الرئاسية، فيما قتل اثنان آخران برصاص مجموعات مسلحة خلال محاولة المتظاهرين اقتحام مقرات لميليشيات وأحزاب"، ليرتفع بذلك ضحايا التظاهرات إلى أكثر من 13 قتيلًا وأكثر من 165 جريحًا، منذ مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري.
إحراق قنصلية إيران
وأخذت الأوضاع في المدينة منحى أخطر، بعد أن اقتحم آلاف المتظاهرين الغاضبين، القنصلية الإيرانية وسط المدينة وأحرقوها، حيث كانت خالية من الدبلوماسيين الإيرانيين، وسط هتافات منددة بـ "التدخل الإيراني في العراق"، كما أظهرت مقاطع مصورة من داخل المدينة.
وشهدت المدينة أيضًا، إحراق المجمع الحكومي مجددًا ومقار أحزاب سياسية بعضها موالٍ لإيران، قبل أن يتجه المحتجون نحو مجمع القصور الرئاسي حيث مقر هيئة الحشد الشعبي، وينجحوا باقتحامه بعد نحو ساعتين من محاصرته، فيما اقتحم اخرون مقر "عصائب أهل الحق"، بعد إطلاق كثيف للرصاص قرب المقر في حي "البريهة" وسط المدينة، بحسب مصادر ومقاطع مصورة وثقت أحداث المدينة.
واتخذت القوات الأمنية، عقب ذلك، تدابير أمنية مشددة على الطريق المؤدية إلى مطار البصرة الدولي حيث القنصلية الأمريكية، تمثلت بفرض أطواق أمنية وأسلاك شائكة لمنع المتظاهرين من الوصول إليها بعد محاولة منهم لذلك.
من جانبها استنكرت إيران في بيان رسمي لخارجيتها، إحراق قنصليتها في البصرة مطالبة بإنزال "أشد العقوبات" بحق المسؤولين عن ذلك، داعية رعاياها في البصرة إلى مغادرتها فورًا، في حين أعربت وزارة الخارجية العراقية عن أسفها لوقوع الحادث.
ميليشيات تقامر بغضب المدينة
ومع انفلات الأوضاع في المدينة حيث فقدت القوات الأمنية السيطرة بشكل كامل، تحركت عناصر مسلحة تابعة لأحزاب وميليشيات استغلال الأوضاع، لارتكاب "أعمال عنف وحرق ممنهجة"، بحسب ما أفاد به متظاهرون وناشطون فضلًا عن مصادر داخل المدينة.
من جانبها أعلنت "تنسيقية التظاهرات" في البصرة، انسحابها من الاحتجاجات في المدينة نتيجة لذلك، مؤكدة أن ما جرى في المدينة خلال الساعات الماضية هو "تصفيات سياسية". ودعت التنسيقية أبناء البصرة إلى العودة إلى منازلهم لحين إيقاف "المندسين"، معتبرة ما يجري محاولة "لجر" الاحتجاجات الشعبية في المدينة نحو "الاقتتال الشعبي".
من جانبها أصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانًا، قالت فيه إن "مسلحين ملثمين احتجزوا خمسة من عناصرها الجرحى في إحدى المستشفيات، مع الفريق الطبي المسؤول عن المستشفى، بعد أن أحرقوا مقرها في المدينة".
أخذت الأوضاع في البصرة منحى أخطر، بعد أن اقتحم آلاف المتظاهرين الغاضبين، القنصلية الإيرانية وسط المدينة وأحرقوها
ومع منتصف ليل الخميس، أعلنت قيادة العمليات المشتركة فرض حظر شامل للتجوال في المدينة استمر حتى صباح السبت، فيما انتشرت قطعات من قوات جهاز مكافحة الإرهاب في الشوارع الرئيسية من المدينة، والمقار الحكومية والمصارف.
قصف قنصلية واشنطن
وسقطت صباح السبت 8 أيلول/سبتمبر، قذائف هاون على محيط القنصلية الأمريكية في مطار النجف الدولي، بعد أقل من 48 ساعة من قصف مماثل استهدف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء المحصنة أمنيًا وسط بغداد.
وقال مصدر أمني لـ "ألترا صوت"، إن "أربعة قذائف هاون أطلقتها مجموعة مسلحة سقطت قرب مبنى القنصلية الأمريكية في البصرة، دون أن تسفر عن سقوط ضحايا".
بدورها أعلنت قيادة العمليات المشتركة تحديد موقع إطلاق القذائف التي استهدف مبنى القنصلية الأميركية، في حين أكدت سلطة الطيران المدني في العراق، استمرار الرحلات الجوية من وإلى مطار البصرة دون توقف، على الرغم من الحادث.
الإطاحة بقادة البصرة
رد رئيس الوزراء حيدر العبادي، على تطورات الأحداث في البصرة، بإصدار أمر يقضي بإحالة الوحدات الأمنية المسؤولة عن حماية المؤسسات العراقية والقنصلية الإيرانية في البصرة إلى التحقيق، وعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، فضلًا عن إدخال القوات العراقية حالة التأهب القصوى.
اقرأ/ي أيضًا: البصرة تزف شهيدًا جديدًا.. التصعيد وخيارات الضرورة
تبع تحرك العبادي إعلان إعفاء قائد شرطة المدينة اللواء الركن جاسم السعدي، وقائد العمليات العسكرية فيها الفريق الركن جميل الشمري بحسب مصادر رسمية عراقية، فيما أعلنت قيادة العمليات العسكرية العراقية تعيين الفريق رشيد فليح قائدًا لعمليات البصرة.
واتخذ مجلس الوزراء، سبعة قرارات جديدة بشأن البصرة أبرزها إطلاق الأموال المخصصة للمحافظة، تحت "إدارة الفريق مع صلاحيات استثنائية"، وإسناد القوات الأمنية والقوات المسلحة لفرض القانون في المدينة.
مخاوف واتهامات
من جانبهم، عبر ناشطون ومواطنون عن خشيتهم من انفلات الأوضاع في البلاد نتيجة الصراع السياسي المحموم بالتزامن مع الغضب الشعبي في البصرة، والذي قد يمتد إلى مدن أخرى.
ودعا ناشطون عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أبناء البصرة إلى الحذر من محاولات جرهم إلى العنف، متهمين أحزابًا وميليشيات بالتخطيط لذلك في محاولة للقضاء على جذوة الاحتجاجات الشعبية، وتبرير استخدام العنف لقمعها.
وتشهد البصرة منذ أيام احتجاجات هي الأعنف في المدينة منذ عام 2003، بعد أزمة نقص حادة في مياه الشرب وتسمم عشرات الآلاف نتيجة تلوث مياه شط العرب.
اقرأ/ي أيضًا: