دخلت عملية استعادة مدينة الرقة شمال شرق سوريا من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في يومها الحادي عشر، مرحلة مختلفة بإعلان وسائل إعلام روسية نقلًا عن وزارة الدفاع الروسية، مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في ضربة جوية نفذتها مقاتلاتها، استهدفت اجتماعًا كان يحضره إلى جانب عدد من قادة التنظيم في مدينة الرقة، بحسبها، إلا أن قيادة التحالف الدولي لم تُؤكد إلى الآن مقتل البغدادي، فيما لم يُعلن عنه التنظيم إلى الآن.
زعمت وزارة الدفاع الروسية مقتل زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، لكن التحالف الدولي لم يؤكد الأمر، ولم يُعلن عنه التنظيم حتى الآن
أما على صعيد الخارطة العسكرية، فقد استطاعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتلقى من التحالف الدولي دعمًا جويًا، فضلًا عن الدعم في العدة والعتاد، أن تسيطر على أربعة أحياء تتوزع على المحاور الشرقية والغربية للمدينة، بالتزامن مع تقدم قوات الأسد والمليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، بسيطرتها على 20 قرية على الأقل قرب مدينة الطبقة، على ما يعرف بطريق "السلمية – الرقة - أثريا"، الإمداد الرئيسي للنظام السوري الذي يربط مناطق سيطرته مع مدينة حلب.
قسد تتوسع في أحياء الرقة
أعلنت قسد أمس الجمعة عبر حساب حملة "غضب الفرات" الرسمي على تطبيق تيلجرام، أنه حتى اليوم العاشر لانطلاق معركة الرقة تمكنت من السيطرة على أحياء المشلب وسباهية ورمانية والصناعة، وساحة "الجزرة"، وقلعة "تل هرقل" التاريخية، و"الفرقة 17" ومعمل السكر، وقرية "سحيل" على بعد سبعة كم جنوب غرب مدينة الرقة، فيما تدور معارك عنيفة في الأحياء الشرقية الغربية للمدينة التي تلقى إسنادًا جويًا من مقاتلات التحالف الدولي بقيادة واشنطن حيث تشرف بنفسها على عملية استعادة المدينة أبرز معاقل التنظيم المتشدد في سوريا والعراق.
اقرأ/ي أيضًا: وبدأت معركة الرقة.. سيناريو تهجير قسري آخر بين قسد وداعش
من جهتها تمكنت قوات الأسد والمليشيات الأجنبية المدعومة من إيران من السيطرة على ما يقرب 20 قرية في الريف الجنوب الغربي لمدينة الرقة، وأصبحت تفرض سيطرتها على مساحة تقدر بـ24 كم من طريق "السلمية – أثريا – الرقة" بحسب ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، إذ إنها بسطت سيطرتها الأربعاء الماضي على حقل ومحطة ضخ "الثورة" في محيط الطريق عينه، وأصبحت تبعد مسافة تقدر بـ14 كيلومتر عن مطار الطبقة العسكري الذي تتخذه القوات الأمريكية وقسد قاعدًة عسكرية لهما.
وتداول نشطاء يتابعون عن قرب التطورات القادمة من مدينة الرقة وريفها، خبرًا يفيد أن القوات الأمريكية المشاركة في العملية العسكرية، تعمل على إعداد منطقة "الإسكان العسكري" ومدرسة "محمد فارس" ومقرات الأمن العسكري والجنائي في مدينة الطبقة، لاستخدامها قاعدة عسكرية لها.
إلا أن مزاعم مقتل البغدادي التي ترددت أمس الجمعة، تصدرت قائمة الأخبار الواردة من "عاصمة الخلافة"، دون أن تُؤكّد، لتبقى في إطار التصريحات المتداولة عبر الشبكات الإعلامية، ما يضع إشارة استفهام كبيرة حول السبب الداعي لإثارتها بالتزامن مع الانهيار الحاصل في صفوف مقاتلي التنظيم الذين يقاتلون داخل أحياء الرقة.
هل قتلت الضربات الروسية البغدادي؟
انشغلت المواقع الإخبارية، أمس الجمعة، بخبر وزارة الدفاع الروسية الذي يقول إنها تتحقق من مقتل زعيم داعش أبي بكر البغدادي، في غارة جوية استهدفته مع عدد من القادة خلال اجتماع لهم في الضاحية الجنوبية من مدينة الرقة، نهاية أيار/مايو الماضي، في الوقت الذي اكتفى المتحدث باسم التحالف الدولي جون دوريان، بالتعليق على ما نقل عن الوزارة الروسية، بأنه لا يمكنهم تأكيد الخبر.
اللافت فيما نُقل عن الدفاع الروسية أن خبر مقتل البغدادي أثير بشكل متضارب في أكثر من مرة خلال الشهر الجاري، بعدما نشرت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية في 11 من الشهر الجاري، خبرًا منقولًا عن التلفزيون الرسمي للنظام السوري، يقول إن البغدادي قتل في قصف مدفعي على مدينة الرقة قبل يوم واحد من نشرها للخبر.
كما ذكرت وكالة "سانا" الناطقة بلسان النظام السوري بعد ثلاثة أيام على نشر الصحيفة البريطانية للخبر، روايتين متناقضتين، استندت في الأولى على ديلي ميرور، بأن البغدادي قتل في ريف الرقة، وقالت في الثانية نقلًا عن موقع روسيا اليوم، إنّ البغدادي قتل في مدينة الموصل العراقية.
وبينما قالت الدفاع الروسية إنها أعلمت نظيرتها الأمريكية بمكان وموعد الضربة (28 أيار/مايو الماضي ما بين الساعة 00:35 – 00:45)، نقل عن مسؤول في الإدارة الأمريكية أنهم لم يكونوا منذ تلك الفترة على علم بأي أمر يتعلق بالضربة، ما يثير التساؤل حول الأسباب التي أودت بموسكو للإعلان عن مثل هذا خبر، وامتناع الكرملين عن الإدلاء بأي تصريح مرتبط بعين الخبر في الوقت ذاته.
ومنذ عام 2013 عندما تمكن البغدادي من النجاة من الاعتقال بعد اقتحام قوات الصقر العراقية لمنزله الخاص، تفاوتت الأخبار حول إصابته بجروح دون أن يتم تأكيدها، إنما تأرجح الحديث عنها بين مصادر محلية، أو محللين متابعين لأخبار الجماعات المتشددة عن قرب. وكان أحدث خبر أثير حول مصير البغدادي يرجع لمنتصف شباط/فبراير الماضي، حين أعلنت وسائل إعلام عراقية إصابة البغدادي بجروح في قصف يُرجّح أن مصدره مقاتلات عراقية أثناء حضوره اجتماعًا لقادة التنظيم في مدينة القائم العراقية قرب الحدود السورية.
مقتل البغدادي.. رواية الروايات الروسية
وأتى إعلان خبر مقتل البغدادي غير متوافق مع الأخبار الواردة من مدينة الرقة، التي تشهد تقدمًا لقسد بالتعاون مع التحالف الدولي، نظرًا لأن الرجل فر من الموصل بعد أقل من شهر على اشتداد المعركة، علاوًة على التقارير التي تحدثت سابقًا عن تواجده على الحدود السورية العراقية، إذ إنه من المستبعد أن يتواجد في المدينة التي تدور داخل أحيائها اشتباكات عنيفة بين قسد ومقاتلي التنظيم.
وقد تحدث مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في وقت سابق عن أن البغدادي يتوارى عن الأنظار في الصحراء، في إشارة إلى الحدود السورية العراقية، وذلك منذ انحسار نفوذ سيطرة التنظيم في الموصل.
وتقول وزارة الدفاع الروسية إن الضربة الجوية قتلت إلى جانب البغدادي نحو 30 قياديًا في التنظيم، و300 من العناصر كانوا يتولون حراسة الاجتماع، رغم أن كافة التقارير الاستخباراتية منذ دعم التحالف الدولي لقوى محلية في معاركها ضد التنظيم بشكل واسع، منتصف العام الماضي، أفادت أن البغدادي فقد عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين يعتمد عليهم في تسيير شؤون التنظيم، وأنه يلتقي مع مجموعة مصغرة تعتبر الحلقة المقربة منه، وينتقل ضمن شبكة أنفاق سرية أنشأها التنظيم بين الحدود السورية العراقية، ما يعكس تناقضات الخبر الذي أثارته موسكو.
يُرجح أن تكون أنباء مقتل البغدادي ليست إلا في إطار الحرب النفسية ضد التنظيم ومناصريه ومقاتليه
ورغم أن التنظيم يفرض حظرًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين مقاتليه، ويُكثّف من مراقبته للمدنيين المقيمين في مناطق سيطرته، إلا أنّ خبرًا يتضمن مئات القتلى لا يمكن أن يبقى مخفيًا لمدة 20 يومًا، نظرًا لأنّ معظم وسائل الإعلام المحلية المعارضة تملك تواصلًا محدودًا مع عدد من المدنيين داخل الرقة، أي أنه من المستحيل تجاهل ضربة جوية خلفت هذا الحجم من القتلى.
اقرأ/ي أيضًا: تقارير: البغدادي تسمّم ويعاني أعراض مرضية خطيرة
إلا أنه من المرجح تصنيف الخبر في إطار الحرب النفسية التي تستخدمها القوى الدولية للتأثير سلبيًا على مناصري التنظيم في الدُول الأوروبية، أو مقاتلي التنظيم الذين لا يزالون يقاتلون بين صفوفه في مناطق سيطرته في كل من إفريقيا وآسيا، إذ إن خبرًا بمثل هذه القوة من الممكن أن يؤدي لانشقاقات بين قياداته المتبقية، بالأخص أن تقارير سابقة تحدثت عن نمو تيار أكثر تشددًا داخل قياداته تمت تصفيتها خلال الأعوام الماضية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها موسكو خبرًا مرتبطًا بقادة تنظيم الدولة، فبعد إعلان التحالف الدولي في آب/أغسطس الماضي مقتل الرجل الثاني في التنظيم أبي محمد العدناني، إثر استهدافه بضربة جوية أثناء تواجده في مدينة الباب بريف حلب الشرقي؛ تبنت الدفاع الروسية بعدها بساعات قليلة الضربات التي استهدفت العدناني مقدمة رواية مناقضة تقول إن عملية القصف نفذت على بلدة "معراتة أم حوش" قرب مدينة "إعزاز" بريف حلب الشمالي.
ورغم تأكيد وكالة "أعماق" الذراع الإعلامية للتنظيم حينها، أن العدناني قُتل في مدينة "الباب" أثناء تفقده لعناصر التنظيم، إلا أنّ موسكو أصرّت على أن مصدر الضربة الجوية التي قتلت العدناني هي مقاتلاتها الحربية، ما دفع بمسؤول أمريكي لوصف تصريحات الدفاع الروسية بـ"النكتة"، وأنها "ستكون مضحكة لولا طبيعة الحملة التي تشنها روسيا في سوريا"، في إشارة للدعم العسكري الذي يقدمه الكرملين لرئيس النظام السوري بشار الأسد ضد قوات المعارضة.
فشلت روسيا لأكثر من مرة بالانضمام للتحالف الدولي، لخلاف جوهري بينها وبين أبرز أعضاء التحالف، وهو الدعم الروسي لنظام الأسد
ومنذ إعلان موسكو تدخلها عسكريًا بشكل رسمي في سوريا نهاية أيلول/سبتمبر 2015 لدعم النظام السوري ضد فصائل المعارضة؛ واقتصرت ضرباتها الجوية على المناطق التي تسعى قوات الأسد والمليشيات الأجنبية للسيطرة عليها، باستثناء المناطق الاستراتيجية التي تشهد تواجدًا لقواتها العسكرية مثل البادية السورية.
اقرأ/ي أيضًا: الرقة.. عزف منفرد للموتى والهاربين
وفشلت روسيا لأكثر من مرة بالانضمام للتحالف الدولي بسبب خلافها مع أبرز الدول المشكلة لعموده الفقري مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، على دعمها غير المحدود لنظام الأسد، فقد ساعدته على استعادة كافة البلدات في ريف دمشق الغربي، ومعها مناطق في ريف دمشق الشرقي، إضافة للجيب الشرقي في مدينة حلب، وهو ما أحدث فارقًا لصالح النظام السوري على حساب قوات المعارضة، قبل أن تبدأ منذ شهرين تقريبًا عمليات عسكرية ضد مقاتلي التنظيم في ريف حلب الشرقي تزامنًا مع سيطرة قسد على مدينة الطبقة، وإطلاقها معركة الرقة.
اقرأ/ي أيضًا: