هناك عدة مسارات سياسية للقوى السياسية الجديدة والمستقلين (الحقيقيين) الذين صعدوا للبرلمان، ولا بدّ من تحديدها والعمل عليها من خلال معرفتها ومعالجتها، وسأتكلم عن أحد المسارات، ألا وهو مسار المعارضة. بدايةً أن المشاركة في تشكيل الحكومة أو معارضتها، كلاهما يحتاجان إلى تحالفات سياسة، فحتى المعارضة تحتاج إلى تحالفات، وذلك لسببين الأول دستوري، والثاني سياسي.
دستوريًا:
إن اقتراح القوانين، أو الموافقة عليها، أو مناقشة أداء مجلس الوزراء، أو سحب الثقة، أو الاستجواب، أو المساءلة أو الإعفاء، وغيرها تحتاج إلى موافقة عشرات النواب، وأحيانًا تحتاج إلى أغلبية مطلقة - أو بسيطة، أي لا يمكن إتمام ذلك من خلال عشرة نواب أو عشرين (راجع مواد الدستور، المادة 62، 63، 70، 102، 103، وفقراته، راجع مواد النظام الداخلي لمجلس النواب، المادة 7، 11، 12 ، 20 ،23، 24، 28، 29، 37، 49، 55، 56، 57، 58، 62، 63، 64، 67، 74، 75، 77، وفقراتها)، فالدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب هما اللذان يحددان الكثير من آليات عمل وصلاحيات النائب، وعلى ضوء ذلك تكون الخطط، وليس على ضوء تصورات ما، وعليه؛ لكي تكون المعارضة فاعلة ومؤثرًا قويًا، ورقمًا صعبًا في العملية السياسية، فهي بحاجة إلى تحالف كبير.
سياسيًا: إن التحالفات تمثل أحد الممارسات الأصيلة في العمل السياسي (داخليًا وخارجيًا)، و في الحروب، و الشراكة الاقتصادية.. إلخ، لأنها تضاعف القوى ضد خطر ما، وتنقسم التحالفات إلى دائمًا ومؤقتة (جراء ظرف استثنائي)، وتبنى على أساس مصالح مشتركة. فالسياسات الناجحة هي القادرة على صنع تحالفات تخدم مصالحها، والتحالفات لا تقتصر على الأصدقاء، بل أحيانًا تكون مع الأعداء والخصوم، على سبيل مثال؛ العداء القديم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم يمنعهما من التحالف سويةً (بشكلٍ مؤقت) ضمن دول الحلفاء، ضد الخطر الأكبر المتمثل بنازية هتلر في الحرب العالمية الثانية، وبطريقة كهذه استطاعوا التغلب على هتلر، ثم عادوا إلى عدائهم السابق، أي أنك على عداء مع خصم ما، ثم يأتي خصم آخر أكثر عداءًا وخطرًا، فالمنطق يقول أما أن تتركهم يتحالفون ضدك؛ فيقضون عليك، أو تتحالف مع الأول وتقضِ على الثاني، وبعد ذلك تعود للعداء السابق وتقضِ على الأول. كما أن التحالفات لا تقتصر على الضعفاء، بل يكونها حتى الأقوياء، فبالرغم من قوة الولايات المتحدة و ضعف صدام حسين، إلا أنها صنعت تحالف دولي ضم عشرات الدول، لضمان أكبر انتصار، وأقل خسائر، وبذلك أسقطوا صدام حسين.
وعليه مما سبق، فأنا أقترح تشكيل "تحالف قوى المعارضة"، يضم القوى السياسية الجديدة والمستقلين (الحقيقيين)، ممن لم يشتركوا بإراقة الدم العراقي، واختلاس المال العام، ضمن أهداف ومبادئ وخطط مشتركة، ومتفق عليها، وعلى أن يتراوح نواب هذا التحالف من (50-70) نائب فما فوق- أقل أو أكثر بقليل، يضعون نظامًا داخليًا لتحالفهم وفق معايير واقعية، وينتخبون متحدث باسم التحالف، ويبتعدون قليلاً عن تضخيم الأنا الفاشلة. بهذه الحالة يمكن أن تؤثر القوى السياسي الجديدة، وتصبح رقمًا صعبًا بوجه التحالفات الأخرى، وتصبح قوة قادرة على التغيير، تساندها القوى المعارضة التي خارج السلطة-من الأحزاب المقاطعة والاحتجاج، وتساندها قوى المعارضة التي في الخارج، فتكون قوة ثلاثية مُحكمة وصلدة (في داخل البرلمان، وفي الشارع، وفي خارج العراق)، بل وحتى المجتمع الدولي سيساندها.. أما في حال لم يحصل ذلك، وأصبح المؤثر في صناعة القرارات هم أُناس لا يعرفون شيئًا في السياسة أو الدستور، ويظل كل كم نائب منعزل لوحده - أو يسهل عزله من التحالفات المناوئة- التي ستتكون وتسيطر على الحكومة ومجلس النواب؛ فالناتج سيكون مجموعة ظواهر صوتية إعلامية، ليس لها تأثير قوي، وستتعذر كثيرًا من جمهورها بدعوى: "إننا كم نائب ولا نستطيع أن نفعل كل شيء".
اقرأ/ي أيضًا: