ألترا عراق ـ فريق التحرير
يعد ضعف وفقر البيانات وغموضها صفة ملازمة للمؤسسات الحكومية كما يشخصها العديد من الخبراء، إلا أنّ المسألة الأخطر هو أنّ بعض البيانات حين تتوفر أو يتمّ توفير جزء بسيط منها، تظهر بصورة متضاربة مع بيانات أخرى تتعلق بها، وهو ما يجعلها غالبًا "غير منطقية" أو تحتاج إلى تفسير.
إنتاج العراق من الكيروسين "النفط الأبيض" يبلغ على الأقل 7 ملايين لتر يوميًا
وتُترجم هذه المسألة بشكل واضح على صعيد ملف المشتقات النفطية، وسبق أن لاحق "ألترا عراق" وجود استيراد لمادة زيت الوقود بالرغم من كون العراق ينتج كميات كبيرة منها ويصدر الفائض منها، فيما تتكرر اليوم ذات المسألة مع مادة النفط الأبيض "الكيروسين".
يتمّ التركيز بشكل كبير في البيانات والتصريحات الرسمية غالبًا، فضلًا عن نقاشات الباحثين، على استيراد البنزين وزيت الغاز "الكَاز" خلال الحديث عن استيراد المشتقات النفطية، وذلك لكونها الكميات الأكثر استيرادًا من قبل العراق، حيث تتجاوز الكميات المستوردة من هذين المشتقين الـ20 مليون لتر يوميًا.
إلا أنّ بيانات جديدة عن استهلاك النفط الأبيض "الكيروسين"، وهي المادة التي يستخدمها العراقيون في التدفئة وبعض الاستخدامات الأخرى، شكّلت علامات استفهام كبيرة حول كمية ما ينتجه العراق ويستهلكه، حيث تشير الأرقام إلى أنّ العراق يستورد ما يقارب الـ100 مليون لتر سنويًا، بالرغم من وجود فائض في إنتاجه قد يتجاوز المليار لتر سنويًا.
بداية، تجدر معرفة كمية إنتاج العراق من مادة النفط الأبيض "الكيروسين"، ولا توجد بيانات واضحة عن كمية الإنتاج، إلا أنّ تصريحًا لوكيل وزارة النفط حامد الزوبعي في 2020، وفي سياق حديثه عن ارتفاع طاقة تكرير المصافي العراقية إلى 800 ألف برميل يوميًا، قال إنّ "الارتفاع في طاقات التكرير من المصافي الحالية رفع مستويات إنتاج البنزين إلى 15 مليون لتر يوميًا و20 مليونًا من مادة الكاز أويل وسبعة ملايين لتر من مادة النفط الأبيض وكميات من النفط الأسود كناتج عرضي يصل إلى 50 ألف متر مكعب يوميًا إلى جانب المنتجات الأخرى كالزيوت والأسفلت وغيرها".
يتضح أن إنتاج العراق من الكيروسين "النفط الأبيض" يبلغ على الأقل 7 ملايين لتر يوميًا، ما يعني أكثر من 2.5 مليار لتر سنويًا.
شركة توزيع المنتجات النفطية، نشرت إحصائية بالمشتقات النفطية المجهزة إلى كافة المحافظات خلال العام 2022، متمثلة بالبنزين والكاز وزيت الوقود، ووقود الطائرات، والنفط الأبيض، وكانت كمية النفط الأبيض المجهزة لكل المحافظات تبلغ أكثر من 1.5 مليار لتر من بينها استخدامات المنازل البالغة 500 مليون لتر سنويًا والاستخدامات الصناعية والأفران.
وبناءً على كون العراق ينتج 2.5 مليار لتر سنويًا من النفط الأبيض، ويستهلك 1.5 مليار لتر، أو على الأقل أن مسؤولية وزارة النفط تتطلب توفير 1.5 مليار لتر سنويًا وفق ما أعلنت شركة توزيع المنتجات النفطية، من المفترض أن يكون هنالك فائض في إنتاج الكيروسين يبلغ مليار لتر سنويًا، إلا أنّ البيانات والتصريحات تشير إلى أنّ العراق "يستورد" كميات من النفط الأبيض بدلًا من تصدير الفائض، في معلومات غريبة ومتضاربة.
وتظهر بيانات شركة سومو أنّ العراق استورد خلال 9 أشهر من العام الماضي 2022، 80.5 ألف طن من الكيروسين، أي ما يعادل قرابة 80 مليون لتر، ما يعني أكثر من 100 مليون لتر سنويًا، وتعادل الكمية المستوردة قرابة 4% من مجمل ما ينتجه العراق، أو نحو 7% من مجمل ما يستهلكه.
ولا يوجد تفسير واضح لهذه العملية، ففي الوقت الذي ينتج العراق 2.5 مليار لتر من "الكيروسين" النفط الأبيض سنويًا، ويستهلك 1.5 مليار لتر سنويًا، يقوم باستيراد كميات لا تساوي شيئًا مقارنة بما يتم إنتاجه واستهلاكه والبالغة 100 مليون لتر سنويًا فقط.
وتواصل "ألترا عراق" مع مدير إعلام شركة سومو حيدر الكعبي، فضلًا عن المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد، إلا أنّ الاتصالات المتكررة لم تلق ردًا.