قبل نحو عام، وفي مثل هذه الأيام، تبرعت دولة الإمارات بإعادة إعمار المسجد النوري الكبير، فيما وضع ديوان الوقف السني عقب قرار الإمارات حجر الأساس لإعادة بناء المسجد والمنارة، وانتشر في وسائل الإعلام أن "الإمارات تعيد بناء المسجد النوري"، لكن الجامع لا يزال ينتظر الوعود التي أطلق عليها ناشطون بـ"الكاذبة"، حيث بقي كما هي صورته بعد التفجير، أكوام من التراب والجدران المهدمة والشاهدة على مئات السنين التي مرت على الموصل.
تبرعت الإمارات لبناء المسجد النوري في نيسان/أبريل 2018 لكن لا يزال المسجد بذات الصورة التي خلفها تفجيره!
يعد المسجد واحدًا من أهم المباني الأثرية في مدينة الموصل بمحافظة نينوى، وكان مشهورًا بمنارته المحدبة، والتي عرفت الموصل باسمها "الموصل الحدباء"، لكن تنظيم "داعش" وخلال الحرب التي كانت تدور رحاها في الموصل، فجر المنارة والمسجد النوري، في تموز/يوليو 2017.
اقرأ/ي أيضًا: تهريب نفط العراق.. أهلًا في "مزرعة" الحشد الشعبي!
وللمسجد أهمية للموصليين باعتباره أحد الآثار الإسلامية القديمة، ما جعل تنظيم "داعش" يضع أنظاره عليه، وظهر منه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في أحد خطب الجمعة بعد اجتياح الموصل، في تموز/يوليو 2014 ليعلن الخلافة المزعومة على أراضي في سوريا والعراق.
وأثناء عمليات التحرير، حاول الجيش العراقي الحفاظ على المأذنة والمسجد في الحد من عملية التقدم وسط المنطقة القديمة ذات الأزقة الضيقة بالموصل الغربية، والتي تضم الصرح، لكن التنظيم قد سارع بتدميره بالعبوات الناسفة.
في السياق، قال مصدر حكومي في الموصل لـ"ألترا عراق"، إن "الإمارات واليونسكو أعلنوا إعمار المسجد في نيسان/أبريل 2018 لكن حتى الآن لم يحدث أي تغيير حقيقي على الأرض".
أضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، أن "المكان على ما هو عليه منذ طرد تنظيم "داعش"، وتتكدس النفايات وبقايا العبوات غير المنفلقة، ولا يبدو أنه كان مزارًا مقدسًا للمسلمين، مبينًا أن "الوقف السني يقول بشكل أسبوعي، إن المسجد سيعمر خلال أسابيع، مستدركًا "ولكن لم يحدث شيء، تكررت تصاريحهم في نيسان /أبريل العام الماضي، ومن ثم حزيران/ يونيو من ذات العام، وفي كانون الأول /ديمسبر الماضي أيضًا، ولكن دون إنجاز يذكر".
الناشط المدني محمود صبحي قال لـ"ألترا عراق"، إنه "لا يعرف فعليًا أين ذهبت الأموال التي تم التبرع بها لبناء المسجد، مشككًا بـ"بناء الإمارات للمسجد وهل هي مجرد إعلان أم حقيقة، لافتًا إلى أن "إعلان الإعمار كان منذ عام ووضع حجر الأساس منذ عشرة أشهر لإعادة الإعمار ولا شيء تغير"، مضيفًا أن "كل ما جرى منذ تلك الفترة كان فقط وضع سور حول المسجد والمأذنة من مخلفات الحرب والركام، ولم يجري أي شيء فعلي".
رئيس ديوان الوقف السني في العراق عبد اللطيف الهميم أعلن قبل أربعة أشهر خلال احتفال رسمي ببدء إعمار المسجد النوري، بعد وضع حجر الأساس العام الماضي لكن لم يتغير شيء حقيقي على أرض الواقع وبقي المسجد دون أن بناء.
فيما باشر بعض الناشطين وكرد فعل ساخر بالعد الشهري لوعد الإمارات في إعمار المسجد النوري، حيث كتب الناشط المدني، لواء الدليمي، على صفحته في "فيسبوك"، بلهجة موصلية ساخرة، "أين أخبار إعمار جامع النوري الكبير؟ لاحس ولا خبر، مضيفًا "يا جماعة أنا نسيت متى وضعوا حجر الأساس للمسجد، ألا تذكروني؟".
فيما كتب الناشط المدني سعد عامر، العام الماضي، في منشور يتعقب الدعوات التي اطلقتها الإمارات لإعادة اعمار الجامع النوري، أن "حضرة الجامع النوري وساحة منارة الحدباء تتحول إلى موقع لردم النفايات والانقاض".
بينما أشارت الصفحة الموثقة والتي تحمل عنوان "عين الموصل" إلى أن "بعد تكفل الإمارات بإعادة بناء الجامع النوري، هل سيعاد بناءه كما هو؟ أم يكون جامع "شيخ زايد" آخر في الموصل؟ رؤية الجامع وهو إطلال أهون على النفس من رؤيته "زايد" آخر".
وفي العودة إلى الواقع فأن أغلب الموصليين يعتبرون المسجد النوري والمنارة الحدباء، جزءًا مهمًا من ثقافة المدينة بسبب قدمه، وطريقة بناءه وإقامة الصلاة المستمرة فيه، وممارسة حياتهم بالقرب منه.
تاريخ المسجد النوري والمنارة الحدباء
يرى أستاذ التأريخ الحديث في جامعة الموصل، إبراهيم العلاف، أن المنارة الحدباء ظلت شامخة لأكثر من 850 عامًا، فيما يعد المسجد النوري ثاني أكبر جامع أنشأه العرب المسلمين بعد فتحهم الموصل سنة 637 ميلادية، بينما كان الأول المسجد الأموي، في محلة رأس الكور أحد مناطق الموصلية القديمة.
ويقول العلاف في حديثه لـ"ألترا عراق"، إن "المسجد النوري بناه نور الدين بن محمود بن عماد الدين زنكي مؤسس الدولة الاتابكية، التي شملت الموصل وحلب وحمص وحماة وبلاد الشام ومصر وبلاد الجزيرة".
بينما بدأ العمل في المسجد بحسب العلاف في عام 1173 وانتهى العمل فيه بعد أربع سنوات، وتخطيط المسجد جرى بامتداده على طول جدار القبلة، إذ يبلغ طوله 65 مترًا وعرضه 17 مترًا تقريبًا، وقد احتوى المسجد على أعمدة رخامية، ومن العناصر المعمارية البارزة في الجامع النوري القبة المغطية لمحرابه وتمثل القبة أسلوبًا معماريًا فريدًا تميزت به عمارة الموصل، فيما شيدت المنارة الحدباء مع المسجد فهي تتكون من قسمين: قاعدة منشورية مربعة شيد الجزء السفلي منها بالحجارة والجص، وشيد العلوي بالآجر، أما القسم الثاني وهو البدن الأسطواني الذي يبلغ قطره 5.24 م تعلوه رقبة تنتهي برأس نصف كروي متوج بالهلال، وللمأذنة سلمان لا يلتقيان هما بمثابة عمودان فقريان لا يلتقيان إلا في شرفتها العليا يبدآن من أول القاعدة المنشورية.
أشار العلاف إلى أن "المنارة بنيت مائلة حتى تنساب عليها الرياح الغربية وقد تعمد المعمار أن يبنيها هكذا لكن ميلانها ازداد بمسافة 40 سم عبر القرون الثمانية والنصف الماضية، وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية تعرضت المنطقة إلى اهتزازات وكسر في أنابيب المياه التي أثرت سلبًا على المنارة، لذلك استقدمت الدولة الشركة الإيطالية نفسه المسؤولة عن برج بيزا، فقامت بصيانتها".
أوضح العلاف، أن "ركنين من الجامع كتب عليها بيتين من الشعر "تطوع داود ببنيان منبر ... فكان له ذخرًا ونال به أجرًا، فجامع نور الدين فيه منور ... جزا الله بانيه بدار البقا قصرًا".
الوقف السني: المحيطون بالمسجد هم السبب!
يبرر الوقف السني أسباب تأخر الإعمار بأنها بسبب إجراءات منظمة الثقافة والتربية والعلوم "اليونسكو"، ولكن هناك بعض المشكلات في محيط المسجد والمنارة أخرت من الإعمار.
وقال رئيس ديوان الوقف في محافظة نينوى، أبو بكر كنعان لـ"ألترا عراق" إنه "كان على عاتق الحكومة العراقية تعويض أصحاب المنازل والمتاجر في محيط الجامع لأغراض التوسع والفترة الماضية كانت هي عملية التعويض".
أضاف كنعان أن "اليونسكو كان يخطط لعملية البناء لذلك تأخر فعليًا البدء في الإعمار وكذلك كان ينتظر تعويضات الحكومة، وسيتم خلال الفترة القادمة حملة إعمار الصرح".
لكن سكان في محيط المسجد أبلغوا "ألترا عراق"، بعدم تلقيهم أي مبالغ مالية من أي جهة كتعويض أو كطلب منهم لغرض الرحيل عن المنطقة المحيطة بالمجسد لأغراض الإعمار.
قال رجل كبير بالسن رفض الكشف اسمه لأسباب أمنية، لـ"ألترا عراق"، إنه "يسكن محيط منطقة المسجد النوري وإن المنطقة بالغالب مدمرة، ولم يطلب منا أحد أن نرحل أو عوضنا، رغم أننا نعتبر السكان الملاصقين للمجسد".
بعض الأطفال قتلوا عندما كانوا يلعبون بباحة المسجد هم من العائلات التي تسكن في منطقة المسجد النوري الكبير، ولكن حتى الآن لم يسأل عنهم أحد!
أضاف أن "بعض الأطفال قتلوا عندما كانوا يلعبون بباحة المسجد هم من العائلات التي تسكن في منطقة المسجد النوري الكبير، ولكن حتى الآن لم يسأل أحد عنهم، أو تجري أي حملة لإزالة المخلفات الحربية، والدمار من محيط الحرم والمأذنة، ونحن لا نثق بالتصريحات، ولم نشهد أي تحركات".
اقرأ/ي أيضًا: