أصبح من المعتاد والمسلّم به، في كل عملية توظيف أو تقديم على مقاعد دراسية ولاسيما في الجامعات وغيرها من المجالات الأخرى، أن يتم حجز نسب معينة من هذه المقاعد لفئات محددة، وغالبًا ما تكون هذه الفئات هي من ذوي الشهداء أو السجناء السياسيين.
رأى مراقبون أنّ قضية تعويضات التوظيف الحالية تدار بدوافع سياسية واضحة وهي صناعة القواعد الساندة للأحزاب
إلا أنّ مختصين ومراقبين يرون أنّ ليس جميع هذه الفئات ولاسيما "ذوي الشهداء" من المشمولين بهذه الامتيازات، بل هنالك تمييز حتى داخل هذه الفئات، فشهداء ما قبل 2003 ليس كما بعدها، والشهداء الذين فقدوا حياتهم ضمن عمليات متطابقة مع قضايا النظام، ليس كمن فقدها لأسباب أخرى، وهذا الأمر ـ وفقًا لعديدين ـ يقود إلى "انعدام الشعور بالعدالة، والإحساس بالغبن من قبل المواطنين الذين لا يمتلكون هذه الامتيازات، ولاسيما في التوظيف".
وفي أقرب مثال على هذه القصة، أعلنت مديرية التطوع عن فتح باب التقديم للدورة 70، كلية الشرطة لخريجي الدراسة الإعدادية، إلا أنها حددت 10% من المقاعد لذوي الشهداء، و7% للأقليات، و10% لأبناء ضباط وزارة الداخلية المستمرين بالخدمة، و5% لأبناء منتسبي وزارة الداخلية المستمرين بالخدمة، وكذلك 5% لأبناء الضباط المتقاعدين، و3% لأبناء العاملين في الكلية، وقبول 10% من الربع الأول لخريجي معهد إعداد مفوضي الشرطة.
ويتضح من هنا أنّ نصف المقاعد تقريبًا حجزت بالكامل قبل التقديم عليها لفئات وشرائح محددة، مما سيقلّل من فرص مئات آلاف الطلبة "العاديين" الراغبين بدخول كلية الشرطة.
ويرى الباحث ورئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات، أحمد الياسري، أنّ "هذا التوجه يندرج ضمن ستراتيجية صناعة العدالة الانتقالية في العراق التي لم تحقق مفهوم العدالة".
ويقول الياسري لـ"ألترا عراق"، إنّ "هذه الظاهرة ليست مرتبطة بدوافع تحقيق العدالة، وإنما بدوافع تحقيق وصناعة القواعد الساندة للنظام، لأنه موجه لطبقات معينة، وهذه الطبقات بالغالب هي جمهور الأحزاب أو أعضاء الأحزاب نفسهم".
وأشار الياسري إلى أنّ "مفهوم الشهداء يجب أن يكون شاملًا لجميع العراقيين الذين فقدوا حياتهم قتلًا بأسباب سياسية أو أمنية، سواء في النظام السابق أو الحالي"، مستدركًا: "لكن ما يجري هو توزيع صفة الشهداء وشمولهم ضمن الامتيازات بعملية اختيارية وانتقائية تجعل الشهداء هم من عارضوا النظام السابق، وغالبًا ما يكونون مرتبطين بالأحزاب الحالية، فهنالك العديد ممن قتلهم صدام حسين ممن لا يرتبطون بالأحزاب المعارضة، وهم خارج حسابات النظام الحالي كشهداء".
ويشدّد الياسري على ضرورة "إعادة رسم مفهوم العدالة في التشريعات القانونية وتوزيع الاستحقاقات"، معتبرًا أنّ "قضية التعويضات الحالية تدار بدوافع سياسية واضحة، وهي صناعة القواعد الساندة للأحزاب، وهذه أهم من الانتخابات، لذلك في ثورة تشرين أصبح هناك خصام في المجتمع العراقي".
ووصف الياسري هذه الظاهرة بأنها "مرض اجتماعي يتفشى بدفع سياسي"، مبينًا أنّ "هذا سيؤثر على الأخلاق المجتمعية، فعبد الرحمن الكواكبي كان يربط الفساد الأخلاقي الاجتماعي بالاستبداد السياسي، ويمكن وصف هذه التعويضات والامتيازات بأنها كلمة حق يراد بها باطل".
فلسفة القانون: لا يوجد تعويض مدى الحياة
من جانبه، يقول الخبير القانوني محمد جمعة، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "فلسفة التعويض في القانون للمتضرر، هي أن تقوم الدولة بجبر الضرر، خصوصًا إذا كانت هي المتسبب بالضرر الذي لحقه". وذلك يعني أن "تقوم بتعويضه سواء براتب أو منحة مالية أو قطعة أرض لمرة واحدة، وليست امتيازات دائمية في الوظائف ومقاعد الدراسة والدراسات العليا وغيرها".
ويؤكد جمعة أنه "لا يوجد في كل دول العالم أو في فلسفة القوانين جعل التعويض دائميًا ومدى الحياة"، مبينًا: "خصوصا عندما نتحدث عن وظائف مثل سلك الشرطة وكلية الشرطة، فهي يجب أن تعتمد الكفاءة وفيها معايير محددة، مستدركًا: "لكن ما يحصل هو تخصيص مقاعد ثابتة لفئات محددة إذا كانوا غير كفوئين جميعهم، ستكون المؤسسة مضطرة على قبولهم ولا تستطيع رفضهم لأن هذه المقاعد محجوزة لهم بشكل نهائي".
يتم تعويض ضحايا النظام السابق بشكل دائمي في الامتيازات والوظائف وقطع الأراضي
ويرى جمعة أنّ "الهدف ليس تعويضيًا بل سياسيًا"، فيما اتفق على أنّ "النظام يحاول أن يضع الفئات والشرائح المقربة منه والعائدة له بكثافة في مؤسسات الدولة"، مشيرًا إلى أنّ "ذوي الشهداء غالبًا ليس جميع الشهداء، بل فئات ممن كانوا مقربين أو مرتبطين بأحزاب معينة أو هم ضحايا للنظام السابق، وكذلك فيما يتعلق بالسجناء السياسيين".