من بين أكثر الملفات إثارة للجدل هو ملف التعويضات الضخمة المخصصة لمحتجزي مخيم رفحاء، الذي أعاده للواجهة الأمين العام لحركة النور- الانتفاضة والتغيير محمد الهنداوي، بعد "بشرى سارة" وجهها لمحتجزي المخيم، بحصوله على "وعد حكومي" يتضمن صرف مبالغ كبيرة لهم، تفوق بكثير المبلغ السابق البالغ 10 ملايين دينار، وهو ما أثار سخطًا كبيرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي زاد من حدته إساءة الهنداوي للمعترضين على رواتب "الرفحاويين" باتهامات تتعلق بالشرف والنسب ووصفهم بـ "أبناء الرفيقات".
يعد ملف التعويضات المالية الضخمة المخصصة لمحتجزي مخيم رفحاء من بين أكثر الملفات المثيرة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي
قال الهنداوي في بيان نشره على صفحته في فيسبوك، الثلاثاء 28 آيار/مايو: "بشرى سارة... الى اخواتي واخوتي مجاهدي الانتفاضة الشعبانية مجاهدي رفحاء الكرام، قمت بالاتصال، فجر هذا اليوم، بشخصية معنية بصرف المتراكم و التعويض اليومي، وكذلك عاودت الاتصال نهارا بالمسؤول المذكور، جزاه الله خيرا، فأكد لي أن الفئات الثلاث المسمون بقانون 35 لسنة 2013، وهم السجناء والمعتقلون والمحتجزون السياسيون مشمولون بجميع الامتيازات من دفع المتراكم و التعويض اليومي".
اقرأ/ي أيضًا: "فاسد" جديد في حكومة عبد المهدي.. ماذا تعرف عن علي الدباغ؟
أضاف الهنداوي، أن هذا الشهر سيشهد دفع مبلغ كبير للمحتجزين "أكثر بكثير من المبلغ السابق (العشرة ملايين دينار)، وهكذا تسلم الحقوق والامتيازات تباعا لجميع الأخوة والأخوات المشمولين بالقانون".
"المجاهدون" الذين خصهم الهنداوي بـ"البشارة"، هم كما يُعرفهم قانون 35 لسنة 2013: "مجاهـدو الانتفاضة الشعبانية عام 1991 الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة مغادرة جمهورية العراق الى المملكة العربية السعودية وعوائلهم ممن غادروا معهم والذين ولدوا داخـل مخيمات الاحتجاز، وفقًا للسجلات والبيانات الرسمية الموثقة دوليًا"، كما يشمل أيضًا ذويهم كالزوج والأقارب من الدرجة الأولى والورثة وفقا للقسام الشرعي.
تشير تقارير إلى أن محتجزي رفحاء كانوا يعيشون حياة "فنادق سبع نجوم" مقارنة بغيرهم من اللاجئين، فيما كان الآلاف يتعرضون للتعذيب والانتهاكات داخل البلاد
تقول صحيفة "الرياض" السعودية، وفق تقرير نشرته في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، وهو اليوم الذي اُغلق فيه "مخيم رفحاء" الذي سكنه حوالي 38 ألف لاجئ عراقي، ثم غادروه بعد حصول معظمهم على لجوء في أمريكا ودول أوروبية وغيرها، إن "المخيم كان يضم مدارس للبنين والبنات في المراحل الدراسية الثلاث، ويقدم خدمات طبية من خلال مركز متكامل يحتوي على مختبرات وأقسام للطوارئ وغرف عمليات وقسم للنساء والولادة"، مضيفة أن "العديد من الزائرين من منظمات متعددة، أشاروا إلى أن الإمكانيات التي كانت متوفرة في مخيم رفحاء غير مسبوقة على المستوى الدولي والإقليمي من ناحية السكن والغذاء والعلاج والتعليم".
ونقلت الصحيفة عن المفوض السامي لهيئة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لورد لوبيرز قوله، خلال زيارته المخيم في آب/أغسطس 2003، إنه "أفضل مخيم للاجئين في العالم، والخدمات المقدمة لسكانه رائعة"، واصفًا إياه بـ"فندق سبع نجوم مقارنة بالمخيمات الأخرى في العالم".
على الرغم من ذلك، حصل "المجاهدون" الذين ضمهم مخيم رفحاء على تعويضات "خيالية" لم تحظ به أسر المعتقلين أو المعدومين على يد النظام السابق التي ظلت ترزح تحت حكم النظام وجوره داخل البلاد، حيث أكد النائب السابق رحيم الدراجي، في تصريحات صحافية، إن محتجزي رفحاء حصلوا بعد إقرار قانون 35 لسنة 2013 "على صكوك بمبالغ تترواح بين مليار دينار كأقل مبلغ، وحتى 8 مليارات"، فيما أشار رئيس تحالف "سائرون"، في البرلمان الحالي، حسن العاقولي إلى أن "الكثير من المشمولين بهذا القانون يحصلون على عشرين ألف دولار شهريًا وهم خارج العراق".
من الأولى بهذه الأموال؟
وما إن نشر الهنداوي بيانه على فيسبوك، حتى توالت آلاف التعليقات عليه من مختلف فئات الشعب، اتفق أصحابها بمجملهم على "فداحة هذا الظلم" وتحديه للعراقيين ومعاناتهم، متساءلين عن "نوع العدالة" التي يتم بموجبها منح هذه الأموال الطائلة شهريًا كرواتب لأشخاص "ساعدتهم الظروف ليتخلصوا من بطش نظام صدام حسين وأزمة الحصار الخانق الذي أجبر ملايين ممن بقوا في داخل العراق على تناول أنواع رديئة من الطعام لعدة سنوات، وهرس نوى التمر وتحويله إلى طحين".
قارن المتفاعلون بسخط كبير بين من يناله العراقيون الذين تحملوا الظلم والأذى مقابل ما يمنح لـ "الرفحاويين" من مليارات
كما سخر بعض المتفاعلين بمرارة، من ردود بعض المشمولين بـ"البشارة" وهم يصفون المعترضين عليها بـ"البعثيين، والحاسدين"، وهو ما رد عليه عشرات الكهول وكبار السن بأن "النظام السابق سجنهم داخل العراق، وبعضهم في معتقل الرضوانية، وتعرضوا هناك، بسبب مواقفهم المعارضة، لتعذيب قاسٍ دون أن يحصلوا على أية تعويضات لاحقًا، رغم أن أيام سجنهم يعادل الواحد منها كل الأشهر التي قضاها محتجزي رفحاء في مخيمهم بالسعودية دون مضايقات على أقل تقدير".
اقرأ/ي أيضًا: جرائم المالكي التي لم تسمعوا عنها!
أكد المتفاعلون الغاضبون، أن "أغلب سُكان المحافظات الجنوبية والوسطى شاركوا في الانتفاضة الشعبانية وهم من تلقى ردة فعل النظام، وهم أولى بالتعويضات، وليس من هرب مع اندلاع الانتفاضة دون أن يشارك فيها، ليمنح هذه الرواتب إضافة إلى بعض من سُجن بتهمة مخلة بالشرف، واحتسب لاحقًا كسجين سياسي".
العدس مقابل المليارات!
أما الخريجون العاطلون عن العمل فقد شكوا ما يعيشونه من ظروف مريرة، بعد سنوات من الدراسة في ظل صعوبات أمنية واقتصادية "في حين ينعم هؤلاء الحاصلون على جنسيات دول متقدمة برواتب، من أموال العراق، تفوق بأضعاف ما تستلمه عوائل ضحايا الحرب ضد تنظيم داعش، ومتقاعدون قضوا عشرات السنين من أعمارهم بخدمة الدولة".
آخرون، أبدوا أسفهم لما تقاسيه عشرات الآلاف من العوائل العراقية تحت خط الفقر وتسجيل حالات انتحار بينهم جراء ذلك، ووفاة كثير من المرضى، وخاصة المصابين بأمراض سرطانية، بسبب عدم توفر العلاج في المستشفيات الحكومية، فضلًا عن تضحية آلاف الأطفال والشباب بمقاعد الدراسة من أجل توفير لقمة العيش لعوائلهم "التي تتكرم عليها الحكومة أحيانًا بمبادرات العدس الرمضانية، في حين تمنح الملايين شهريًا للرفحاويين".
بعض المتفاعلين، قاموا بعمل إشارة "تاك" لصفحات نواب في البرلمان وشخصيات سياسية بضمنها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، وأخرى بينها "صالح محمد العراقي" المقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لإطلاعهم على بيان الهنداوي، وردة فعل الناس حوله، في حين اكتفى العشرات بشتم الهنداوي.
"استفزاز مبرر لا يعترض عليه إلا أولاد الرفيقات"!
بالمقابل، استغرب عدد من "محتجزي رفحاء" المشمولين بالقانون "هذه الهجمة من أبناء جلدتهم الشيعة، واقتصار الانتقادات عليهم والسكوت عن استلام آلاف من فدائيي صدام حسين وعناصر أجهزته القمعية رواتب تقاعدية من بغداد" مؤكدين على "استحقاقهم للرواتب كونهم جاهدوا حزب البعث ونجوا من مقابره الجماعية، وضاع مستقبل بعضهم بسبب ذلك"، فيما دعوا زملاءهم إلى عدم تداول الأخبار الخاصة برواتبهم خارج مجموعاتهم الخاصة في مواقع التواصل.
هاجم الهنداوي المعترضين على رواتب الرفحاويين ومستحقاتهم ووصفهم بـ "أبناء الرفيقات" مع طعن بالشرف والنسب
كان هذا قبل أن ينشر محمد الهنداوي بيًانا آخر، يوم الأربعاء، بعد وصول عدد التعليقات إلى ما يقارب 12.5 ألف، أقرّ فيه بأن بيانه الأول تضمن "استفزازًا للعاطلين عن العمل ومن لايملكون قوت يومهم من الشباب"، لكنه رآى أن "هذا الاستفزاز مبرر، كون شريحتي السجناء والمعتقلين السياسيين استلموا رواتبهم المتراكمة والتعويض اليومي، باسثتناء محتجزي رفحاء".
لهذه الفئات الثلاث، نسب الهندوي عدة مرات في بيانات سابقة، موجودة في صفحته، "الفضل" بـ"جلب الخير والحرية ورفاهية العيش للعراقيين وتغير أحوالهم من البؤس والفقر إلى عيش كريم بتحسن كافة أوضاعهم، من خلال جهاد تلك الفئات لصدام".
وبعد توضيحه، أن راتب "المحتجز الرفحاوي" حسب القانون الخاص بهم، يبلغ 800 ألف دينار إذا كان قد قضى 6 أشهر في مخيم رفحاء، ومليون و200 ألف لمن قضوا سنة هناك، تضاف لهم 60 ألف دينار عن كل سنة أخرى وهكذا. قال في بيانه الثاني: "توسعت بالشرح لكي لايبقى لأبن حرة عذرا، وأني اعلم ان اولاد الرفيقات (إشارة إلى نساء انضممن إلى حزب البعث) سوف لا يدعون الهجوم علينا لأننا في مواجهة من عشرات السنين مع البعثية القتلة، هم ضدنا لأن جميع القوانين التي شرعناها فضحت البعث الارهابي من عام ١٩٦٣ ايام الحرس القومي و لغاية نهاية البعث في 2003"، واصفًا إياها بـ"قوانين العدالة الانتقالية".
يشار إلى أن تحالف "سائرون" قاد بعد تشكّل البرلمان الحالي، في أيلول/سبتمبر 2018، حراكًا لتعديل قانون "محتجزي رفحاء"، وقدم مشروعًا بذلك إلى رئاسة البرلمان مع توقيع 50 نائبًا اتفقوا على أن "القانون يحتوي غبنًا كبيرًا لشرائح متعددة من المجتمع العراقي"، ورغم أن تسريبات تناقلتها وسائل إعلام محلية، حينها، أشارت إلى دعم رئيس الحكومة عادل عبد المهدي "لهذا التوجه"، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن.
لا زال مشروع تعديل قانون "محتجزي رفحاء" الذي تقدم به تحالف الصدر معطلًا على الرغم من تسريبات تحدثت عن دعمه من قبل عبد المهدي
بدوره قال رئيس كتلة "الدعوة" البرلمانية خلف عبد الصمد، حينها، إن "أكثر من 551 ألف من منتسبي الأجهزة القمعية في زمن النظام السابق يستلمون رواتب تقاعدية من هيأة التقاعد، وبلغت الأموال التي دُفعت كرواتب لهم خلال الفترة بين 2007 و2014 مايقارب 406 مليار دينار"، منتقدًا "الحديث عن تسبب الرواتب التقاعدية التي تدفع للسجناء السياسيين البالغ عددهم 103 آلاف، بهدر في المال العام". فيما حذر الهنداوي في 2 آذار/ مارس الماضي من أن "مصادرة حقوق" المشمولين بقانون 35 لسنة 2013 "سيؤدي إلى انفجارهم وعند ذلك يحدث ما لايحمد عقباه".
اقرأ/ي أيضًا:
"منازلة" الحكمة وعصائب أهل الحق.. فيسبوك العراق يشهد على فساد المتخاصمين