أضحت أزمة البنزين في العراق خلال الأشهر الماضية ككرة "جيلاتينية" تطل برأسها بشكل متقطع في أماكن متفرّقة من البلاد، الأمر الذي يعقّد إمكانية التعرّف على أسبابها المباشرة والتعامل معها بشكل قطعي ونهائي، على العكس مما إذا كانت أزمة واضحة ومستمرة وقائمة تتطلب اتخاذ قرارات لحسمها.
يبلغ استهلاك البنزين في العراق 32 مليون لتر يوميًا
ويبدو أنّ سبب تحوّل الأزمة إلى حدث متقطع يظهر ويختفي، يعود لتنوّع الأسباب التي تؤدي بشكل مباشر وغير مباشر إلى عدم كفاية البنزين المتوفر مقابل الطلب، بينما يقف "التهريب" وارتفاع درجات الحرارة فضلًا عن قلّة محطات الوقود مقارنة بعدد السيارات الذي يتزايد باستمرار، فضلًا عن الدراجات النارية وعجلات "التكتك" التي تدخل بأعداد كبيرة إلى العراق.
ارتفاع استهلاك البنزين 22% بغضون عام واحد
قبل عام من الآن، كانت الأرقام المعلنة من قبل وزارة النفط تتحدث عن أن استهلاك البنزين في العراق يوميًا يبلغ قرابة 25 مليون لتر، تنتج مصافي العراق منها 15 مليون لتر، فيما يستورد 10 مليون لتر يوميًا.
لكنّ تصريحات وزارة النفط وعند ظهور الأزمات طوال الأشهر الماضية، بدأت تأتي بأرقام جديدة عن الاستهلاك، الأمر الذي يفسّر أسباب حدوث الأزمة وعدم كفاية البنزين المتوفر لتغطية الطلب، حيث جاء في تصريح لمدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية حسين طالب في كانون الأول/ديسمبر 2021، وأثناء حدوث أزمة بنزين في عدّة محافظات وعلى رأسها نينوى، أنّ العراق يستهلك يوميًا 28 مليون لتر، وهو ارتفاع قدره 12% أو 3 ملايين لتر يوميًا في غضون أشهر قليلة.
وقبل أيام، طلت أزمة البنزين مجددًا برأسها في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى من بينها ديالى، وعلى خلفية ذلك، خرج تصريح من جديد لطالب، أكّد من خلاله أنّ استهلاك البنزين في العراق يبلغ حاليًا 32 مليون لتر يوميًا، وهو ارتفاع كبير قدره 4 ملايين لتر يوميًا خلال 6 أشهر من التصريح الأول.
هذا الارتفاع الكبير ربما تفسيره على لسان طالب، بأنه جاء لـ"ارتفاع درجات الحرارة" وبدء تشغيل التبريد في السيارات، مما يؤدي لزيادة استهلاك البنزين، وبالرغم من حقيقة هذا الأمر، إلا أن الارتفاع بالطلب مستمر لأسباب متعددة، والدليل أنّ الارتفاع الأول في الاستهلاك في كانون الأول/ديسمبر الماضي بحدود 3 ملايين لتر يوميًا بالرغم من أن الأجواء باردة في هذا الشهر، فيما دفعت هذه القفزات في الطلب، الوزارة إلى شكوك بوجود عمليات تهريب للبنزين ولا سيما إلى محافظات إقليم كردستان التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا بأسعار البنزين لعدم توفره، وبالفعل ضيقت الوزارة بإجراءات عديدة على عدد كبير من المحطات الأهلية المتهمة بتهريب البنزين إلى الإقليم، مؤكدةً وجود تهريب من قبل بعض المحطات الأهلية يقدر بنحو 7 مليون لتر يوميًا، وبطرح هذا الرقم عن حجم الاستهلاك الحالي البالغ 32 مليون لتر، سيعود الرقم إلى الاستهلاك الفعلي المحدد العام الماضي والبالغ 25 مليون لتر يوميًا، أي أقل بنحو 22% من الاستهلاك الحالي.
كل محطة تستقبل أكثر من 100 سيارة في الساعة الواحدة
من الأسباب الأخرى التي تحدّثت عنها لجنة النفط والغاز النيابية، هي قلّة عدد محطات الوقود بوصفها أحد أسباب أزمة البنزين، حيث قال عضو اللجنة صباح صبحي في تصريح اطلع عليه "ألترا عراق"، إنّ "زيادة الطلب على البنزين في الآونة الأخيرة تعد أهم أسباب الأزمة، مع عدم وجود محطات تعبئة كافية في عموم المحافظات"، مبينًا أنّ "هناك تزايدًا كبيرًا بأعداد المركبات، فضلًا عن وجود أزمات مفتعلة من قبل بعض أصحاب المحطات الأهلية".
ويبلغ عدد السيارات في العراق عمومًا أكثر من 7 ملايين سيارة، فيما يتواجد في بغداد وحدها أكثر من 2.5 مليون سيارة، وتبلغ عدد المحطات في بغداد، قرابة 200 محطة فقط، 55 منها فقط حكومية و145 محطة أهلية.
وبذلك، فإنّ كل محطة تستقبل 12 ألف و500 سيارة كمعدل يومي، وإذا ما احتسبنا أنّ السيارات تتناوب بالذهاب إلى المحطات خلال أسبوع، فإنّ كل محطة تستقبل قرابة 1800 سيارة يوميًا، وبمعدل أكثر من 110 سيارات كل ساعة، فيما لو احتسبنا أنّ كل محطة
يكون العمل فيها خلال 16 ساعة فقط وهذا ما عليه معظم المحطات.الاستهلاك يترفع نصف مليون لتر يوميًا في كل عام مع ازدياد السيارات
التزايد المضطرد بأعداد السيارات في العراق وبشكل كبير، يعد أحد أهم الأسباب أيضًا لزيادة استهلاك البنزين بمالا تستطيع وزارة النفط على مجاراته ربما، وسط غياب الاستثمارات الكافية بإنشاء مصافٍ جديدة، فبينما يبلغ العجز بالبنزين حاليًا قرابة 15 مليون لتر يوميًا، فإنّ استمرار ارتفاع عدد العجلات في البلاد سيجعل فجوة العجز تزداد أكثر خلال سنوات.
وبلغ الازدياد السنوي بين عامي 2019 و2020 بعدد السيارات قرابة 2%، ليرتفع من 6.8 إلى أكثر من 7 مليون سيارة في العراق، حيث يبلغ هذا الارتفاع البالغ 2%، قرابة 150 ألف سيارة سنويًا.
وفق حسابات أجراها "ألترا عراق" فإنّ كل محطة تستقبل 12 ألف و500 سيارة كمعدل يومي
ووفق معدل الاستهلاك الحالي البالغ 32 مليون لتر، مع وجود أكثر من 7 ملايين سيارة حاليًا، فإنّ دخول 150 ألف سيارة جديدة في كل عام، سيزيد الطلب واستهلاك البنزين في العراق بواقع نحو نصف مليون لتر يوميًا في كل عام، ليكون الطلب على البنزين في غضون 5 سنوات نحو 35 مليون لتر يوميًا، ما يعني أنّ العجز سيبلغ 20 مليون لتر يوميًا، وإذا ما دخل مصفى كربلاء إلى الخدمة فأنه لن يستطيع إدخال أكثر من 10 مليون لتر يوميًا، ما يعني أن العجز سيكون 10 مليون لتر، أي أنّ الإنتاج لن يغطي أكثر من 75% من الاستهلاك.