23-يونيو-2019

الفنان العراقي خضير الحميري

صار من الطبيعي أن ترى الناس يعتقدون أن "لا شيء يبعث على التفاؤل"، بسبب هيمنة "المحاصصة" على كل مؤسسات الدولة، وإعادة إنتاجها بطرق ملتوية. كل ما حولنا بات مصابًا بحمى المحاصصة وعدوى المناصب، ما يجري هنا يشي بأن هذا البلد أريد أن تلازمه لعنة المحاصصة وأن تقسم ثرواته على أمراء الطوائف ومن يمثلهم، وأبسط مثال، ما حدث مؤخرًا بعد شعارات وتظاهرات راح فيها الكثير من الضحايا، تجد الكتل السياسية لا شغل لها إلا الحديث عن تقاسم مناصب "الدرجات الخاصة" فيما بينهم مع تجاهل بالمطلق لكل  ما يتعلق بمشاكل العراق الكبرى. 

 الدرجات الخاصة التي اختلفت عليها الكتل السياسية كشفت الأقنعة التي أرادتها التحالفات والأحزاب قبيل الانتخابات

وبات من الواضح للجميع كيف أن "الدرجات الخاصة" التي اختلفت عليها الكتل السياسية كشفت الأقنعة التي أرادتها التحالفات والأحزاب قبيل الانتخابات. كان المواطنون يعتقدون في تلك الفترة، أنهم قادرون على خلق عملية إصلاح من خلال الانتخابات ومن الممكن أن يأتوا بمن هو على قدر الشعور بالمسؤولية لإصلاح ما خربته الأحزاب المتنفذة التي ابتلعت كل ما يمت للدولة بصلة لتسخيره بخدمة الطائفة والزعيم والحزب و"الحاج".

اقرأ/ي أيضًا: بين "سائرون" و "الفتح".. القصة الكاملة لصفقة المناصب السيادية وغيرها!

إن التحالفات التي أنتجتها انتخابات آيار 2018 جاءت بتبريرات لا تقل حمقًا عن فعلها المشبوه بعد تنامي الامتعاض من قبل ناخبيها المخدوعين بشعاراتها وكاتب السطور منهم.. من كان ليتصوّر أن "الإصلاح" الذي بنى مشروعه على أساس اقتلاع جذور الفساد وبناء نبتة جديدة صالحة أن يمضي قدمًا بمعالجة الخطأ بالخطأ والمحاصصة بالمحاصصة؟! ومنها التصويت على امتيازات النواب المبعدين، إضافةً إلى المنافسة على الظفر بأكبر عدد من "الدرجات الخاصة" فضلًا عما يجري خلف الكواليس من اتفاقات مريبة لا يعلم مضمونها إلا الراسخون في الأحزاب.

وبعد كل هذا الخراب هناك من يبرّر أن الأمر يجري على هذا النحو لضرب الدولة العميقة التي تأسست بفعل الحكومات السابقة، يعني معالجة المريض بمرضه، وهي تصورات غريبة تبعث على الذهول حقًا؛ هل هناك من عاقل ليتصور أن السم ترياق؟! هناك حالة تخادم مصالح حزبية بحتة تتقاتل عليها الأحزاب حتى في خيار المعارضة الذي سلكه بعض الكتل، وجاء بعد شراكة سياسية بلون "التحاصص" على مدى 15 عامًا، وإلا ما معنى أن تكون معارضًا وفي نفس الوقت تكون مفاوضًا شرسًا في حلبة "الدرجات الخاصة"؟! بمعنى آخر لربما يكون أكثر إيضاحًا؛ لماذا غابت المعارضة طيلة السنوات الماضية رغم معرفة الجميع بأنها إحدى أقطاب الديمقراطية؟

 إن إصرار الجميع على أن يكون شريكًا في السلطة هو أهم أسباب غياب هذا المفهوم، بالإضافة الى انعدام النضج السياسي وثقافة المعارضة. وفي التجربة العراقية الكثير من مستلزمات الديمقراطية لم تتحقق ومنها وجود معارضة إصلاحية بالمعنى الذي نتحدث عنه، وذلك لرغبة الجميع بالمشاركة والبحث عن مكاسب ومغانم شخصية حزبية وفئوية، لكن بعد أكثر من تجربة مرة وفشل مقيت للمحاصصة والتوافقية واصطلاحات عالم الفساد الأخرى وجدت الكتل السياسية نفسها نادمة تبحث عن مخرج يحفظ لها ما تبقى من ماء وجهها أمام جماهيرها الغاضبة، فلجأت إلى خيار المعارضة غير الحقيقي والجاد.

هذه الأزمات والمشاكل لا تنتهي عند الخدمات والحقوق الأساسية التي بات العالم مصدومًا ونحن نتظاهر ونقتل لأجلها، كالكهرباء والماء والسكن وتبليط الشوارع، وكأننا في مراحل ما قبل الدولة.

 ما معنى أن تكون معارضًا وفي نفس الوقت تكون مفاوضًا شرسًا في حلبة "الدرجات الخاصة"؟ولماذا غابت المعارضة طيلة السنوات الماضية رغم معرفة الجميع بأنها إحدى مميزات الديمقراطية؟

عبد المهدي وحكومته عاجزون تمامًا أمام لوبيات الضغط الحزبي، وبالرغم من ذلك لا زال منهم من يتحدث عن مساحة الحرية الممنوحة له من قبل الأحزاب لإكمال "كابينته الوزارية"، يا لها من دعابة مضحكة حقًا، الجميع بذات الوقت يبحث عن هذه المساحة لرمي كرة التقصير والتمظهر بثوب العفة الملطخ بدماء هذا البلد المذبوح على أعتاب فسادهم ومحاصصتهم لثروات العراق.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أكثر من 6 أشهر على عهدة عبد المهدي.. مالذي تغيّر؟

عام على انتخابات 2018.. كيف أجهض حلم التغيير؟