04-ديسمبر-2020

لم يُصدر مصطفى الكاظمي تصريحًا حول ملابسات ما حدث في الناصرية (فيسبوك)

لا تحتاج حالة الاحتقان في الشارع العراقي عمومًا والوسط والجنوب خصوصًا إلا لشرارة تُشعل النار التي تتغذى على حطب الفساد والقتل والخراب تحت الرماد منذ سنوات عدة.

رغم مرور أسبوع على حادثة الناصرية، لم يُصدر "القائد العام للقوات المسلحة" مصطفى الكاظمي تصريحًا حول ملابسات ما حدث أو تقريرًا عمّا جرى

ساهم التحشيد والتجييش الحاصل في الأشهر والأيام الأخيرة بإيصال النفوس إلى مرحلة الصِدام أو التهيؤ لها بتعبير أدق، متغذيةً على عدم تحقيق الإصلاحات التي نادت بها الانتفاضة، والاشتباك المتشعب داخليًا وخارجيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الناصرية تنزف على نهج عبد المهدي.. هل خسر الكاظمي الجميع؟

دقّ ما حصل في الناصرية جرس الإنذار لمرحلة ربما تكون أسوأ مما مضى منذ انطلاق انتفاضة تشرين العام الماضي. بدا المنظرُ واضحًا: معسكران من متظاهرين تفصل بينهما مسافة بسيطة، يتبادلان الحجارة وما تيسر باليد، ثم الرصاص الحي الذي أودى بحياة ما لا يقل عن سبعة أشخاص وعشرات الجرحى.

يعود احتقان الصدريين إلى أبعد من تظاهرات تشرين ذاتها؛ إلى الوقت الذي رفضت فيه شرائح اجتماعية وداخل الاحتجاجات الشعبية اشتراك التيار في التظاهرات آنذاك، ثم تصاعد الرفض أثر تشكيل الحكومة باتفاق سائرون – الفتح. ومع هدوء نسبي خلال الفترة الأولى من الاحتجاجات، زاد الشرخ بعد عملية المطار تدريجيًا ثم حادثة "التواثي" واستمر بالاتساع حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.

عاب الكثيرون - ونحن منهم - على حكومة عادل عبد المهدي صمتها أو عجزها عن إيقاف حملة الفتك بالمتظاهرين واستقواء سلاح اللا دولة (أو الدولة!) على العزّل والناشطين، واستخدامه في تهديد وترويع مختلف الأطراف. كانت حكومة عبد المهدي ضعيفة إلى درجة فاحشة؛ لكنها كانت في نفس الوقت عاملًا مهدّئًا لمن يستفيد من ضعفها. بمعنى آخر؛ كانت قوى اللا دولة المتغولة بالاستناد إلى ضعف عبد المهدي، تُقنن نسبيًا - ضع ألف خط تحت نسبيًا - من هيجانها لكي لا تُجهز على رئيس الحكومة "الحليف الضعيف". حتى العمليات الطائشة ارتكبت في إطار الضغط للحفاظ على الحالة التي أوصلت عبد المهدي إلى السلطة، أي كان هذا الرئيس "المزهرية" في موقع لا يصح ذكره.

حال تسليم هذه الحكومة حقيبتها للكاظمي، لم تعد قوى اللا دولة تخشى الشيء الكثير تحديدًا في توازنات القوى الداخلية، وبالذات مع رحيل أبو مهدي المهندس الذي يقول بعض من في السلطة إنه كان عامل تهدئة في أحيان. انفلتت الأمور من عقالها ليس إلى الحد الذي نخشاه بعدُ، حتى الآن على الأقل. إلا أن الفاعل الصدري غيّر من شكل المعادلة التي بدت قريبة بعد عملية المطار، وأصبح الصراعُ مفتوحًا لكن نجميه الرئيسين هما المتظاهرون والصدريون.

مربطُ الفرس هنا. مع تشكّل حالة من الصراع المفتوح وفي توقيت حرج، تغيب الدولة بجهازها التنفيذي عن المشهد بصورة شبه تامة. ومن حدث الناصرية يُمكننا رؤية دور وموقع الحكومة بوضوح.

رغم مرور أسبوع على الحادثة، لم يُصدر "القائد العام للقوات المسلحة" مصطفى الكاظمي تصريحًا حول ملابسات ما حدث أو تقريرًا عمّا جرى ولو بإحصائية كالتي تصدر من منظمات حقوق الإنسان. كذلك الحال مع وزرائه الأمنيين.

لم يكن الصمت حاضرًا في التصريح فحسب، بل غابت القوات الأمنية بشكل نهائي عن المصادمات، ووقوع الضحايا، ثم غابت مع عودة الجرافات لإزالة خيام المتظاهرين، ثم حضرت لقمع المحتجين الذين عادوا في اليوم التالي ثأرًا لكرامتهم إلى الساحة، قبل أن تصل اللجنة المشكّلة من الكاظمي إلى المدينة وتتعهد بحماية المتظاهرين!

الكاظمي "ضعيف غير حليف"، فلا هو القوي القادر على إيقاف السلاح المنفلت عند حده، كما أنه ليس حليفًا مفضلًا لذلك السلاح ما يحد من انفلاته

وأخيرًا، خرج الكاظمي عن صمته، وتحدث عن نجاحه باحتواء "المشاكل" في الناصرية وقال إن لجنته تمكنت من "تخفيف التوتر"، ويا ليته لم يُصرح، واكتفى بالصمت.

اقرأ/ي أيضًا: الرصاص "غير الحكومي" يطال المتظاهرين مجددًا في ذي قار

تتصرف حكومة الكاظمي – على نحو أسوأ من سابقتها – كطرف بين أطراف عدة متصارعة. تَفهم مسؤولية الدولة كسلطة أعلى و"تنين" يمنع حرب الجميع ضد الجميع بصورة سلبية. فالدولة وجدت لتمنع الاقتتال بوصفها "تنينًا"، لا أن تتفرج على الصراعات وتخفف التوترات بوصفها "منكولًا". والمنكـَول في العُرف العشائري هو الشخص المُحايد الذي يتدخل بين عشيرتين لحل مشكلتهما قبل التصادم.

قُلنا إن عبد المهدي هو حليف الفاسدين والميليشيات الضعيف، وفرقه عن الكاظمي أن الأخير "ضعيف غير حليف"، فلا هو القوي القادر على إيقاف السلاح المنفلت عند حده، كما أنه ليس حليفًا مفضلًا لذلك السلاح ما يحد من انفلاته.

بغض النظر عن الاحتقان الذي وصل حدّه مع الصدريين، وكذلك ما يجري تحت الطاولة من تحريك للاقتتال وإذا ما كانت الحكومة أو أطراف أخرى مستفيدة منه، لقد رُفع شعار إقالة عبد المهدي كمطلب أول في التظاهرات من أجل العِبرة، لكي لا يستسهل أي طرف التطاول على الناس بلا خوفٍ من محاسبة الدولة، أما الظاهر أمامنا من الحكومة الحالية هو هذا المشهد الأسوأ من الحالات السابقة، حيثُ يُميَّز العدو بوضوح.

بالإمكان تفسير صمت الحكومة بعجزها عن سحب فتيل الصراع بين الصدريين والمتظاهرين، وبالإمكان تفسير الصمت بعجزها عن إنهاء الاحتجاجات – وهو مطلب حزبي بات واضحًا - ، وبالإمكان تفسيره بوجود ما يُحاك خلف الكواليس أو لتصفية الحسابات، ولكن، بغير الخوض في النوايا، فأن موقف الكاظمي وحكومته هو الأكثر ضررًا لناحية أداء الدولة وظيفيًا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مقتدى الصدر يهدد.. ويشكر أنصاره بعد "حمام الدم" في الناصرية

الكاظمي يكلف 5 شخصيات بإدارة ذي قار.. ووصول قوات عسكرية