منذ 6 شباط/ فبراير، وبعد وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، وراح ضحيته عشرات الآلاف بين قتيل ومصاب، وتدمير مبانٍ كبيرة، يجري نقاش واسع حول العالم، بطلاه كل من بات يعرف بـ"عالم الزلازل" الهولندي فرانك هوغيربيتس، فضلًا عن عالم الجيولوجيا العراقي صالح محمد عوض.
انتقل جدل التنبؤ بحدوث الزلازل إلى الحقل العلمي بعد بحث لأكاديمي عراقي من جامعة بغداد
وبدأت القصة، عندما ظهرت تغريدة على نطاق واسع لهوغيربيتس، كان قد نشرها قبل يوم الزلزال بـ3 أيام، وتحديدًا في 3 شباط/فبراير، قال فيها: "عاجلًا أم آجلًا، سيحدث زلزال بقوة 7.5 درجة مئوية في هذه المنطقة (جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان)"، وبالفعل، شهدت مناطق جنوب تركيا زلازل مدمرة بعد 3 أيام، الأول بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، والآخر بقوة 7.6 درجة، ووصلت آثارهما المدمرة إلى سوريا.
وبعد شد وجذب، ونقاشات واسعة، وتكذيب ونفي من قبل علماء ومختصين، قال هوغيربيتس الذي يعرف نفسه بحسابه على تويتر بأنه "باحث ومطور برمجيات ويحب الكواكب"، أي أنه ليس عالمًا ولا مختصًا بالزلازل، ولا ينتمي لأي مؤسسة مختصة بالنشاط الزلزالي.
هوغيربيتس وخلال سلسلة مناكفات مع أحد المعلقين على تغريداته، حول عدم وجود ربط بين الزلازل وحركة الكواكب، ذّكر بضرورة الاطلاع على "بحث جديد إلى حد ما لصالح محمد عوض من جامعة بغداد - كلية العلوم".
الأهمية لا تقتصر على "التنبؤ".. بل تفسير علمي جديد
هذه التغريدة، أشعلت الأجواء مجددًا ولاسيما في العالم العربي، حيث بدأ الجدل لا يقتصر على باحث أو غير متخصص، والمتمثل بالهولندي هوغيربيتس، بل انتقل إلى "الحقل العلمي"، المتمثل بالأستاذ في كلية العلوم بجامعة بغداد، صالح محمد عوض، والحاصل على درجة الدكتوراه في الجيوكيمياء والجيولوجيا الاقتصادية من جامعة وارسو في بولندا.
الورقة البحثية أو الدراسة التي استند لها الباحث الهولندي، والتي تعود للأكاديمي العراقي عوض، تحت "عنوان المحاذاة الكوكبية للنظام الشمسي تؤدي إلى المد والجزر والزلازل"، منشورة منذ نيسان/أبريل 2021، لم تجد اهتمامًا حينها، حتى نفض الباحث الهولندي الغبار عنها، وبدأ الأكاديمي العراقي عوض بالظهور إلى العراقيين والعالم العربي ودول العالم أجمع بهذا الصدد، وهذا ما يؤكده عوض في تصريحات متلفزة اطلع عليها "ألترا عراق"، ومع ذلك، لا توجد مؤشرات حتى الآن بمراجعة الدراسة أو التعامل معها بجدية من قبل المؤسسات العلمية حول العالم، ومازال الباحثون والمختصون "يسخرون" مما يقوله الباحث الهولندي ويصفونه بـ"العراف".ولا تأخذ هذه الدراسة أهميتها من إمكانية تنبؤها أو وضع احتمالية زمنية ومكانية لحدوث الزلازل فحسب، بل إذا صحت، فأنها ستقدم تصورًا جديدًا وتفسيرًا أكثر وضوحًا عن أسباب حدوث الزلازل.
ليست الأولى من نوعها
إلا أنّ هذه الدراسة، التي تربط بين الزلازل ومؤثرات خارج الكوكب تتسبب بها، ليست الأولى من نوعها، فهنالك العديد من الدراسات التي ربطت المد والجزر والزلازل بحركة القمر أو عمره، بالمقابل تعد هذه الدراسات "حديثة نوعًا ما" مقارنة بالتفسير العلمي السائد والقديم للزلازل، والتي مازالت المؤسسات البحثية تعتمد عليه، حيث يشير مقال لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى وجود دراسات حديثة تتحدث بهذا الشأن، لكنها وصفت احتمالية تأثير القمر على الزلازل في الأرض بـ"الضئيل".
وكذلك في العام 2016، نشرت مجلة "نيتشر" العلمية، تقريرًا عن دراسة حديثة توصلت إلى أنّ الزلازل الكبيرة مثل تلك التي ضربت تشيلي وتوهوكو-أوكي حدثت بالقرب من وقت أقصى إجهاد للمد والجزر- أو خلال أقمار جديدة وكاملة عندما تتحاذى الشمس والقمر والأرض.
يعتمد جميع الباحثين والمؤسسات العلمية الذين ينفون إمكانية التنبؤ بالزلازل، على نظرية الطبقات التكتونية المعتمدة في تفسير الزلازل، حيث أنها النظرية الوحيدة التي بين أيدي العلماء حتى الآن، والتي تستند إلى كون الزلازل تحدث بسبب تيارات الحمل العملاقة في باطن الأرض، والتي تؤدي لانزلاق الطبقات والصفائح ومن ثم حدوث الزلزال، إلا أن هذه النظرية يصفها الأكاديمي العراقي عوض بأنها "شاخت"، وبالنسبة له فهي "انتهت تمامًا".
لم يقتصر الأمر على التنبؤ بزلزال 6 شباط/فبراير، فعوض كان قد قال في 18 من الشهر نفسه، إنه في "يوم 20-22 شباط/فبراير يدخل القمر بين الأرض والشمس ما سيتسبب بإجهاد قوي، وكذلك يومي 27 و28 شباط/فبراير سيكون القمر بين الأرض والمريخ، مما سيولد اجهادًا على حركة الأرض".
في هذه الأيام وقبلها وخلالها، سجلت مناطق عدة مجموعة هزات أرضية، ولكن في الأيام التي ذكرها عوض، تسجلت هذه الهزات في المناطق ضمن الصفيحة العربية، حيث حصل زلزالان جديدان في 20 شباط/فبراير في مقاطعة هاتاي التركية بقوة 6.4 و5.8 درجات، مما تسبب بتدمير بعض المباني، فيما تم تسجيل هزة أرضية في 22 شباط/فبراير في الساحل الجنوبي للبنان.
وفي 27 شباط/فبراير سجلت تركيا عدة هزات أرضية بينها هزة بقوة 5.6 درجات في ملاطية، وأخرى في شرقي تركيا بقوة 5.7 درجة على مقياس ريختر، وكذلك سجلت في سوريا هزة أرضية بقوة 5.2 درجة شمال شرق حلب بذات اليوم، فيما يتوقع عوض أن يكون هناك اجهاد قوي على الأرض في 8 آذار/مارس، وهو ما تسبب بقلق وترقب شديد لإمكانية حدوث زلزال كبير خلال الأيام القليلة المقبلة.
حلقات مفقودة
قد تكون ادعاءات عوض والباحث الهولندي عبارة عن "مصادفات" كما يرى الكثير من المختصين، ومما يعزّز الشكوك حيال نظرية عوض، هو أنّ الدراسة لا تتنبأ بقوة ومكان الزلزال، إلا أنّ هناك العديد من الحلقات المفقودة، فالباحث الهولندي كان قد حدد مكان وقوة زلزال 6 شباط/ فبراير في تركيا وسوريا.
بالمقابل، يرفض العالم العراقي عوض، أن يصنف حساباته على أنها "تتنبأ بالزلازل"، مؤكدًا أنّ دراسته تقول إنّ الزلازل تحدث بمؤثر خارجي وليس داخليًا، وأن اصطفاف الكواكب ودخول كوكب كعارض بين الأرض وكوكب آخر، يؤدي إلى تأثر الأرض بالجاذبية، وبالتالي تتأثر سرعة دورانها، الأمر الذي يؤدي لانزلاق الصفائح تحت الأرض، أي أنّ الأمر يتسبب بإجهاد على الأرض وقد يترجم هذا الأمر إلى زلازل.
نظرية "السيارة"
وتتلخص فكرة الأكاديمي العراقي بما يحدث لإنسان، وهو داخل عجلة تسير بمعدل سرعة ثابت، وفجأة يتم إيقافها أو تقليل حركتها، وبالتالي سيحاول جسم الإنسان داخلها إلى مواصل الحركة فيندفع إلى الأمام.. هذا الأمر من الممكن أن يقود إلى حساب تقريبي لقوة الزلزال، وذلك من خلال حساب كمية الإجهاد المتكون على الأرض من اصطفاف الكواكب، وكذلك من الممكن أن يحدد الزمان بسبب معرفة موعد اصطفاف الكواكب، إلا أنّ تحديد مكان الزلزال من غير المعروف كيفية إمكانية تحديده وفق هذه النظرية، باستثناء إمكانية ربط الأمر بالصفائح حسب حجمها، فالصفائح الصغيرة قد تتأثر بسهولة وتنزلق بكميات الإجهاد البسيطة، على عكس الصفائح الكبيرة التي تحتاج إلى إجهاد كبير لتنزلق.
يرفض الأكاديمي العراقي صالح محمد عوض أن يصنف حساباته على أنها "تتنبأ بالزلازل"
ويقسم عوض ذلك بالقول إنّ "الإجهاد الأرضي حاليًا يمر بالصفائح الخفيفة، حيث إن الأرض مقسمة إلى مجموعة من الصفائح التكتونية ثقيلة وكبيرة ذات كتل ضخمة، وقسم منها صفائح صغيرة تتأثر بسرعة بالإجهاد الأرضي أو بكمية قليلة من الإجهاد وما يتأثر الآن هي الأجزاء القريبة من اليابان والفلبين وإندنوسيا، أما فيما يخص منطقتنا فقد حصل الزلزال بجهد كبير".
عامل مشترك بين الزلازل.. ولكن ما النسبة المئوية للاحتمالية؟
وردًا على نفي بعض العلماء وجود ارتباط بين اصطفاف الكواكب والزلازل، يقول عوض: "درست زلزالية الصفيحة العربية لـ115 عامًا، من 1900 إلى 2015، وقمت بتحليل ملايين الزلازل خلال هذه الفترة، وأحصيت 1073 زلزالًا في تموز/ يوليو 2021، وقسمت الزلازل العملاقة مقارنة بـ20 حدثًا زلزاليًا ضرب الأرض سابقًا، وقارنت كل زلزال مع التصاق الكواكب ووجدت ارتباطًا بينها وبين حدوث زلزال"
وفي الملخص، اعتمد الباحث العراقي على وجود "عامل مشترك" بين عدد من الزلازل التي شهدتها الأرض، وقارن حركة ومواضع الكواكب مع كل زلازل مسجل، ووجد عاملًا مشتركًا بين كل زلزال حدث ويتمثل هذا العامل بمواضع الكواكب، لكنّ عوض لم يصفح عن النسبة المئوية للزلازل التي درسها واكتشف أنها شهدت في حينها اصطفافًا كوكبيًا غير طبيعي حول الأرض، بالمقابل، تقول الآراء المعترضة إنه إذا درسنا الزلازل لآلاف السنين وكذلك مواضع الكواكب خلال نفس الفترة، بالتأكيد سنجد مصادفة تصل لنسبة مئوية عالية، لأن كلا الحادثين يحصلان بعشوائية وبالتأكيد ستكون هناك مصادفة بحدوث كليهما في وقت واحد.