23-أغسطس-2022
القضاء في العراق

اعتصم أنصار الصدر أمام مبنى القضاء في العراق (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

استغرق انتهاء المدة التي وضعها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر للقضاء حتى يحل البرلمان، 3 أيام قبل أن يتحرّك أنصاره للاعتصام أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، وهو تحرّك لطالما وصفه الصدر في وقت سابق بأنه "خط أحمر".

 رفع أنصار الصدر عدة مطالب على بوابة مجلس القضاء الأعلى، منها حل البرلمان وتحديد الكتلة الأكبر، وفصل الادعاء العام عن مجلس القضاء الأعلى

كان الصدر قد تراجع عن "تظاهرة كبرى" حدّدت يوم السبت الماضي، وهو الموعد الذي يلي انتهاء المهلة المحددة للقضاء التي تنتهي يوم الجمعة، وذلك بعد استمرار قوى "الإطار التنسيقي" بسياسة "التظاهرة بالتظاهرة" و"التشبه بخطوات الصدريين"، بحسب وصف الصدر، والدعاء إلى تظاهرة مقابلة كلّما دعا الصدر إلى تظاهرة جديدة.

ولعلّ الرد على انتهاء المهلة ونسف القضاء لها مبكرًا عندما نفى إمكانية حل البرلمان، قد جاء هذه المرة بفعل طالما حذّر منه الصدر وابتعد عنه، حتى وصف في إحدى التغريدات التقرّب من مجلس القضاء الاعلى بأنه "خط أحمر" ومنع أنصاره منه.

تحرّك الصدريين صوب مجلس القضاء، جاء بعد تراكم عدّة فضائح وتسريبات عن مخالفات قانونية كبيرة وصفقات فساد كبرى من قبل سياسيين ورؤساء كتل خلال الأيام الماضية، مع عدم اتخاذ القضاء قرارات وتحركات كافية توازي حجم هذه الفضائح، الأمر الذي قد سهّل وشجّع تحرّك الصدريين تجاه مبنى مجلس القضاء الأعلى، بحسب مراقبين.

ورفع الصدريون عدّة مطالب على بوابة مجلس القضاء الأعلى، منها: "حل البرلمان، تحديد الكتلة الأكبر، محاربة الفساد والفاسدين، فصل الادعاء العام عن مجلس القضاء الأعلى، عدم تسييس القضاء".

اعتصم أنصار الصدر أمام مجلس القضاء الأعلى

ولعلّ من أبرز المطالب التي رفعها الصدريون، هو "فصل الادعاء العام عن مجلس القضاء الأعلى"، وهو مطلب يتسق مع عدم الرضا على سكوت القضاء تجاه الفضائح وملفات الفساد الكبرى، ما يستوجب تحرك الادعاء العام في أي بلدٍ آخر، إلا أنّ العراق لم يشهد أي تحرك فعلي تجاه ما يحدث من تسريبات وفضائح فساد، بحسب الصدريين. 

واتخذ مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، قرارًا بتعليق أعمالهم والمحاكم التابعة للقضاء احتجاجًا على ما وصفه بيان القضاء بـ"الضغط على المحكمة الاتحادية لحل مجلس النواب وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة"، بالتزامن مع الاعتصام أمام مبنى القضاء.

تعطيل المحاكم.. هل يمكن "إقحام مصالح الناس" بمشاكل السياسة؟

وتطرح تساؤلات عن الآثار الدستورية والقانونية لتعطل العمل في القضاء والمحاكم التابعة له، وما إذا كانت ستؤدي إلى وضع "خارج الدستور"، بالإضافة إلى الحال السياسي والقانوني الذي يعيشه العراق حاليًا ولا يوجد نص دستوري يعالجه، أو ما إذا يمكن اعتباره "غياب الحارس الأخير للنظام السياسي".

ويعتبر الخبير القانوني محمد جمعة، أنّ تعطيل المحاكم أمر خاطئ، ويقحم مصالح الناس في مشاكل سياسية لا ذنب لهم فيها.

وعلى سبيل المثال، هنالك مسجونين وموقوفين ينتظرون إطلاق صلاحهم سيتم تأخيرهم في السجون بسبب تعطل المحاكم، وفقًا لجمعة الذي يقول لـ"ألترا عراق"، إنّ "أي شخص يتعرض للتسليب أو التهديد أو السرقة لا يمكن أن يأخذ حقه ومحاسبة الجاني"، معتبرًا أنّ "تعطيل مصالح الناس وإقحام الناس في مشاكل سياسية لا ينبغي أن يتم وهو أمر خاطئ جدًا، فأنّ التهديد إذا كان قد حصل فعلًا، فهو يستهدف رئاسة المجلس أو مبنى مجلس القضاء، ولا يستهدف المحاكم في جميع مناطق العراق، ولم يكن ينبغي تعطيل المحاكم".

وبشأن شرعية القضاء وإمكانية سقوطها وفق التحركات الأخيرة، يشير جمعة إلى أنّ "إفقاد مجلس القضاء الشرعية صعب جدًا، ولا يمكن أن يفقد القضاء شرعيته بتظاهرات، ولكن يمكن فقط أن يكون هناك ضغط لاستقالة رئيس المجلس، ولا توجد حالة قانونية لإفقاده مجلس القضاء الشرعية".

مؤشرات قانونية "تدين" القضاء

بالمقابل، استعرض العديد من القانونيين العراقيين، مؤشرات وقرارات اتخذها القضاء "تناقض" القانون وقراراته القانونية، حيث يقول رجل القانون المحامي عقيل العرد، في إيضاح اطلع عليه "ألترا عراق"، تعليقًا على قرار مجلس القضاء بتعليق العمل بالمحاكم، إنه "لا نصاب مكتمل ولا سند قانوني  لقرار التعليق".

والمادة 2 من قانون مجلس القضاء الأعلى 2017، تشير إلى أنّ مجلس القضاء يتألف من رئيس محكمة التمييز الاتحادية – رئيسًا، نواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية – أعضاء، رئيس الادعاء العام – عضوًا، رئيس هيئة الإشراف القضائي – عضوًا، رؤساء محاكم الاستئناف الاتحادية – أعضاء، رؤساء مجالس القضاء في الأقاليم – أعضاء، ويحل أقدم أعضاء المجلس محل الرئيس عند غيابه لأي سبب كان. 

وتساءل العرد عن هذا الأمر: "كيف اكتمل نصاب مجلس القضاء هذا  اليوم وأغلب أعضائه (رؤساء محاكم الاستئناف الاتحادية في المحافظات والأقاليم) في محافظاتهم وغير حاضرين جلسة التصويت؟ مضيفًا "هم موجودون في المحافظات أثناء عملهم وهم الأكثر عددًا داخل مجلس القضاء".

ومجلس القضاء ـ والكلام للعرد ـ لم يعتمد (النظام

الالكتروني) بل كان عمله (حضوريًا) في تشكيل المحاكم والنظر في الدعاوى وأصدار القرارات حتى في زمن فيروس كورونا، كما أنه لم يجعل الخيار الالكتروني موجودًا "في اجتماعاته السابقة، فكيف يبيح لنفسه التصويت الالكتروني اليوم دون سند قانوني أو تعليمات وقرارات بهذا الخصوص أو أي سياق معمول به سابقًا؟"، مبينًا أنّ "التصويت بلا نصاب وبلا وجود سند قانوني أو عرف قانوني، هل يعتبر صحيحًا؟".

 

رفع أنصار الصدر عدة مطالب أمام مجلس القضاء الأعلى في بغداد

 

من جانب آخر، اعتبر الخبير القانوني رائد الجسماني، أنّ قرارات مجلس القضاء اليوم بشأن مذكرات القبض وحجز الأموال ومنع السفر فيما يتعلق ببعض الشخصيات فيها تناقض صارخ، إذ أنّ "مجلس القضاء قد عطل نفسه وأوقف العمل بالمحاكم وإلى إشعار آخر وجاء هذا القرار ببيان مجلس القضاء الأعلى ضحى اليوم بعد اجتماع للمجلس بشكل سريع".

واعتبر الجسماني أنّ "قرارات القضاء بحكم اللاموجود ويده مرفوعة عن النظر بأي مسألة أي كانت أهميتها"، مبينًا أنّ "القضاء رفع يده عن مسائل الدولة والأفراد، وحسب القاعدة الفقهية القانونية (إن من سعى في نقض ما تم من جانبهِ سعيهُ مردودٌ عليه)، وبذلك تكون قراراته معدومة دوام فترة تعطيل مصلحة القضاء".

محاصرة القضاء نتيجة طبيعية

والسبب الرئيسي بتورط القضاء في المشهد السياسي في العراق، هو عدم وجود خطوط فصل واضحة بين السلطات بحسب الباحث السياسي، أحمد الياسري، الذي رأى أنّ "التصعيد هو نتيجة حتمية وتجعل المواجهة المسلحة خيارًا مطروحًا".

ويكرر الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، على أنّ الفصل بين السلطات على الورق فقط، مستدركًا "ولكن فعليًا، السلة القضائية تتدخل بالتشريعية والتشريعية تتدخل بالتنفيذية، والتنفيذية لا تنفذ لأن التشريعي يعرقلها وهكذا"، مشيرًا إلى أنّ "مؤسسات الدولة واقعة بين هذه الجدلية وأصبحت مؤسسات اتكائية"، في إشارة إلى أنها تتكئ على بعضها البعض.

ويعتبر الياسري أنّ مشاكل كهذا يجب أن تنطلق من الدستور، وفي كل دول العالم تمثل الدساتير نقطعة الحل، إلا في العراق فأنّ "دستوره جزءًا من المشكلة، فأي مشكلة سياسية لا يحلها الدستور وبالتالي لا يحلها القضاء".

ويرى الياسري أنّ "القضاء لا يتحمل المسؤولية المباشرة إلا أنّ المتظاهرين في الشارع لا يفصلون بين السلطات، وهي نتيجة حتمية بسبب عدم وجود فصل حقيقي بين السلطات".

رأى قانونيون أنّ قرارات مجلس القضاء اليوم بشأن مذكرات القبض وحجز الأموال ومنع السفر فيما يتعلق ببعض الشخصيات فيها تناقض صارخ

وبالنسبة للباحث السياسي العراقي، فإنّ "حالة الركود والتوازن الممل، وجدلية وجود قوى شيعية متعددة غير واضح من هو الأقوى فيها، ستقود بالنهاية إلى التصادم لحل المسألة، فالحرب الشيعية قادمة لأنها نتيجة حتمية لهذه الجدلية غير المحسومة"، مبينًا أنّ "منع وقوعها ممكن إذا ما أعادت الدولة هيبتها وكانت هي الأقوى، فتنكسر هذه الجدلية وهذا الأمر غير حاصل ولا بوادر على حصوله".