الترا عراق - فريق التحرير
بعد خطبة أولى عدها محتجون "ضوءًا أخضر" لسحق تظاهراتهم بدم بارد على يد أجهزة السلطة، فتح المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني النار على حكومة عادل عبد المهدي من موضع الدفاع عن نفسه.
فتح السيستاني النار على حكومة عادل عبد المهدي من موضع الدفاع عن نفسه، بعد اتهامه على لسان متظاهرين بمنح الضوء الأخضر لقمعهم
فعلى غير عادته في قراءة الخطب بلهجة هادئة ومسترخية، ظهر ممثل السيستاني عبد المهدي الكربلائي بنبرة حادة وهو يتلو موقف المرجع من "العنف المستخدم ضد المتظاهرين في الأحداث الأخيرة في العراق"، خلال خطبة صلاة الجمعة 11 تشرين الأول/أكتوبر، في العتبة الحسينية.
اقرأ/ي أيضًا: هتافات تحت الرصاص.. هل منح السيستاني الضوء الأخضر لـ "البطش" بالمتظاهرين؟
قال السيستاني في موقفه، إن "المرجعية أكّدت في خطبة الجمعة الماضية على إدانتها ورفضها للاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون السلميّون والعديد من عناصر القوات الأمنية، خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الأسبوع السابق، كما أدانت ما وقع من إحراق وإتلاف بعض المؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة في تلك المظاهرات. وعبّرت عن أملها بأن يعي الجميع التداعيات الخطيرة لاستخدام العنف والعنف المضاد في الحركة الاحتجاجية الجارية في البلد، فيتم التجنب عنه في كل الأحوال".
أضاف المرجع الذي انتظر أسبوعًا كاملًا سقط خلاله آلاف القتلى والجرحى قبل إعلان موقفه الجديد، أن "الذي حصل خلال الايام التالية (من خطبته الأولى) هو تصاعد أعمال العنف بصورة غير مسبوقة واستهداف أعداد متزايدة من المتظاهرين بإطلاق النار عليهم، وحصول اعتداءات سافرة على بعض وسائل الإعلام لمنعها من نقل ما يقع في ساحات التظاهر".
قال أيضًا، إن "الجهات الرسمية وفي الوقت الذي أعلنت أنها أصدرت أوامر صارمة بمنع القوات الأمنية من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، سقط الآلاف منهم بين شهيد وجريح في بغداد والناصرية والديوانية وغيرها، بالاستهداف المباشر لهم من الأسلحة النارية بمرأى ومسمع الكثيرين، في مشاهد فظيعة تنمّ عن قسوة بالغة فاقت التصور وجاوزت كل الحدود".
وحمل المرجع الأعلى لأول مرة الحكومة وأجهزتها المسؤولية الكاملة عن الجرائم بحق المتظاهرين وحتى عناصر الأمن بنبرة صريحة، قائلًا إن "الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية، سواء من المواطنين الأبرياء أو من العناصر الأمنية المكلفة بالتعامل معها، وليس بوسعها التنصل عن تحمل هذه المسؤولية الكبيرة".
أضاف السيستاني، : "هي مسؤولة عندما يقوم بعض عناصر الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، ولو بسبب عدم انضباطهم وانصياعهم للأوامر الصادرة إليهم أو لعدم كونهم مؤهلين ومدرّبين للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بحيث يُتجنّب عن وقوع الضحايا في صفوف المشاركين فيها".
أمهل السيستاني الحكومة ممثلةً برئيسها عبد المهدي أسبوعين لكشف وملاحقة واعتقال من استهدف المتظاهرين وقنصهم واعتدى على وسائل الإعلام
كما اتهم السيستاني الحكومة ممثلة برئيسها عبد المهدي، بمنح الضوء الأخضر لنزول ميليشيات تقتل المتظاهرين وتقنصهم، بالقول إن "الحكومة هي مسؤولة عندما تقوم عناصر مسلحة خارجة عن القانون ـ تحت أنظار قوى الأمن ـ باستهداف المتظاهرين وقنصهم، وتعتدي على وسائل إعلام معينة بهدف إرعاب العاملين فيها. وهي مسؤولة عندما لا تحمي عناصرُها الأمنية المواطنين والمؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة من اعتداءات عدد قليل من المندسين في المظاهرات من الذين لم يريدوا لها أن تبقى سلمية خالية من العنف".
وصعد السيستاني ضد الحكومة بـ "إدانة شديدة لما جرى من إراقة للدماء البريئة واعتداءات جسيمة بمختلف أشكالها"، وإبداء "تعاطفه مع ذوي الشهداء الكرام ومع الجرحى والمصابين"، مع التأكيد على "تضامنه مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين ـ كما بيّنت المرجعية ذلك في مظاهرات الاعوام السابقة أيضًا"، على حد تعبيره.
كما طالب السيستاني بقوة، "الحكومة والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتّسم بالمصداقية حول كل ما وقع في ساحات التظاهر، ثم الكشف أمام الرأي العام عن العناصر التي أمرت أو باشرت بإطلاق النار على المتظاهرين أو غيرهم، وعدم التواني في ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم إلى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم"، وحدد مدة لا تتجاوز أسبوعين ليتم ذلك، ولا يجري التسويف فيه كما جرى في الإعلان عن نتائج اللجان التحقيقية في قضايا سابقة".
رأى السيستاني، أن "هذا هو الإجراء الأكثر أهمية وإلحاحًا في الوقت الحاضر، وهو الذي يكشف عن مدى جدية الحكومة وصدق نيتها في القيام بخطوات واسعة للإصلاح الحقيقي. إذ لن يتيسر المضي في أي مشروع إصلاحي ـ بما يتطلّبه من مكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية ـ ما لم يتم فرض هيبة الدولة وضبط الأمن وفق سياقاته القانونية، ومنع التعدي على الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور، ووضع حدٍّ للذين يهدّدون ويضربون ويخطفون ويقنصون ويقتلون وهم بمنأى من الملاحقة والمحاسبة".
بعد الهجوم غير المسبوق على الحكومة، ختم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني موقفه بـ "الدفاع عن نفسه"، حيث قال إن "المرجعية الدينية العليا ليس لها مصلحة أو علاقة خاصة مع أيّ طرفٍ في السلطة، ولا تنحاز إلا إلى الشعب ولا تدافع إلا عن مصالحه، وتؤكّد ما صرّحت به في نيسان عام 2006 عند تشكيل الحكومة عقب أول انتخابات مجلس النواب من أنها (لم ولن تداهن أحدًا أو جهة فيما يمس المصالح العامة للشعب العراقي، وهي تراقب الأداء الحكومي وتشير إلى مكامن الخلل فيه متى اقتضت الضرورة ذلك، وسيبقى صوتها مع أصوات المظلومين والمحرومين من أبناء هذا الشعب أينما كانوا بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم وأعراقهم). ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم".
في هذا التوقيت من الأسبوع الماضي، وبعد خطبة المرجعية العليا، كانت الحكومة قد أطلقت يد قوات الأمن لتشن أشد حملة عنف وقمع ضد متظاهرين سلميين في بغداد ومحافظات ومناطق أخرى انتهت إلى آلاف القتلى والجرحى بالرصاص الحي وإطلاقات قناصين مع حملة اعتقالات وتنكيل، في مشاهد مروعة كشفت عنها في ما بعد مئات المقاطع المصورة.
اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين.. مشاهد مروعة من "حمام الدماء" ومرحلة جديدة من القمع!
بعد ذلك ظهر محتجون يتهمون المرجع السيستاني بشكل مباشر بـ "السماح" للحكومة بالبطش بالمتظاهرين وقتلهم، بعيدًا عن أنظار العالم، إثر إخماد أصوات وسائل الإعلام وهروب عدد كبير من الإعلاميين بتهديدات مباشرة بالاعتقال والقتل من ميليشيات مقربة من السلطة وأجهزة أمن عليا نطق عن لسانها في ما بعد فالح الفياض رئيس جهاز الأمن الوطني وهيئة الحشد الشعبي.
جاء الموقف الأخير للسيستاني معاكسًا تمامًا لسيل من الشائعات والاتهامات التي أطلقتها جهات سياسية وفصائل مسلحة مع عدد كبير من وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، التي شاركت في حملة متزامنة لـ "شيطنة" الاحتجاجات ودوافعها وتلقتها أوساط شعبية وناشطة كجرعة محفزة لموجة جديدة من التظاهرات.
تجاهلت رسالة المعلومات التي روجها الخزعلي لتبرئة فصائل مسلحة من دماء المتظاهرين وجاءت معاكسة تمامًا لحملات "شيطنة الاحتجاجات"
تجاهلت الرسالة أيضًا، المعلومات التي أطلقها زعيم عصائب أهل الحق المقرب من إيران قيس الخزعلي، حين برأ العناصر المسلحة من عمليات القنص المباشرة للمتظاهرين واتهم عناصر شركة "بلاك ووتر" الأمنية الأمريكية بالوقوف وراء تلك العمليات.
إلا أن السيستاني وجه اتهامه مباشرة إلى القوات العراقية وميليشيات مقربة منها، بالمسؤولية المباشرة عن المجازر التي ارتكبت ضد المحتجين في ساحات بغداد والمحافظات والمدن الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا:
السلطة تحاصر الصحافيين في محاولة لإسكات الاحتجاجات العراقية!