الترا عراق - فريق التحرير
قدم وزير المالية بالوكالة إحسان عبد الجبار إسماعيل، طلب إعفاء من مهام وزارة المالية، عقب توثيق سرقة 2.5 مليار دولار من حساب هيئة الضرائب في مصرف الرافدين.
قال وزير المالية إنّ قرار البرلمان بإعفائه من منصبه جاء لصالح منفذ "السرقة الأغرب في تاريخ العراق والعالم"
واتهم عبد الجبار في بيان الاستقالة، جهات في البرلمان بـ "التواطؤ" مع الأطراف التي نفذت "السرقة الأغرب في تاريخ العراق"، على حد وصف الوزير.
وعلى غرار استقالة الوزير السابق علي علاوي في شهر آب/أغسطس الماضي، تضمنت خطاب إسماعيل تأكيدات عن استحكام الفساد في الوزارة وخضوعها إلى "نظام إدارة متخلف" تديره "مجموعة متمرسة تهيمن على أموال الدولة.
وشدد الوزير، أنّ "هذه الجريمة الاقتصادية هي امتداد لمخالفات أصغر حجمًا، ولكنها أكثر عددًا منتشرة في عدد من دوائر وزارة المالية ومستمرة منذ سنوات".
وبيّن، أنّ ذلك "يكشف عن واحدة من أسباب انهيار النظام الاقتصادي العراقي، وضياع وفقدان الجزء الأكبر من إیرادات الدولة الأخرى، إثر اعتماد البلد المباشر على الإيرادات النفطية، وهو انحراف شديد عن ركائز الاقتصاد السليم والتنمية المستدامة"، على حد تعبيره
نص الاستقالة:
كلفني سيادتكم بمسؤولية وزير المالية وكالة في إثر استقالة السيد الوزير السابق علي علاوي، وقبلت المسؤولية تقديرًا للتحديات التاريخية التي واجهتها هذه الحكومة، والرؤية الوطنية التي كانت وما زالت تؤطر مسارها، ويقينًا مني بضرورة تقديم كل ما أمتلك من وقت وطاقة وقدرة على إدارة التحديات، خلال مرحلة حرجة من عمر الحكومة، وهي مرحلة انتقالية صعبة شهدت تشنجات وتقاطعات سياسية شديدة، وإيمانًا بشرف هذه المسؤولية والأمانة الكبيرة، عملت منذ اليوم الأول في وزارة المالية على استكمال رسم خطوات تصحيح المسارات الخاطئة، وتنظيم أساليب الإدارة، والانتقال نحو الأتمتة و غيرها من أساليب الإدارة المعيارية، التي ستؤدي عند تطبيقها إلى حماية المال العام وتحسين مستوى الأداء، وكان هنالك تركيز على البدء بترميم الاخفاق في عمل بعض المؤسسات المهمة بالتناوب والتوازي، لضمان السيطرة على هدر وضياع المال العام طوال السنوات السابقة، وتقليص النفوذ السياسي والحزبي المستشري بعمق و قوة طوال السنوات الماضية، في أغلب مفاصل هذه الوزارة الهامة ومواقعها الحساسة وفي الكثير من مؤسسات الدولة.
للأسف إنّ هذا التحدي كبير وتفصيلي، خصوصًا مع الوصف التراجيدي الخطير الذي وصفه السيد وزير المالية السابق بخصوص تآكل المؤسسات، وسيطرة عصابات الفساد على المفاصل المهمة في الدولة، والضغط السياسي والجهوي ضد أي محاولة لتصحيح مسار العمل وصيانة وحماية الحق العام. الهيئة العامة للضرائب كانت الخطوة العملية الأولى نحو تطبيق فلسفة ومعايير الإدارة المثلى للمال العام، بدعم من مستشارين دوليين تعاقدوا مع الوزارة سابقًا، وفعلاً؛ بدأت بسلسلة من الاجتماعات التي اكتشفت خلالها فداحة الانهيار في هذه المؤسسة المالية الكبيرة، من انعدام الشفافية، والإصرار على النظم المتخلفة في الإدارة، والتهرب من توفير البيانات بصورة متكاملة، وحجم شكاوي المواطنين، والأساليب المتبعة في أداء الأعمال، والأخطر من كل ما سبق هو المضي باختلاس أموال الضريبة المتراكمة في حساب الأمانات في مصرف الرافدين، وبصورة شبه علنية.
كان المبلغ المؤشر ابتداءً هو فقدان أكثر من ترليون دينار عراقي (حوالي 800 مليون دولار) بحسب وثيقة قدمت لي، فيها مراجعة للأرقام والحسابات المصرفية، وبصورة لا تقبل الشك أو التبرير، ونتيجة لتوصيات لجنة تحقيق إداري عالية المستوى عن سوء الإدارة وضياع البيانات، قمت مباشرة بإجراءات إدارية احترازية، بإعفاء ونقل مجموعة من الإدارات المهمة في الهيئة العامة للضرائب، بغية السماح بتدفق البيانات والمعلومات السليمة، وللحيلولة دون اتلاف أو إخفاء البيانات.
وزير المالية: لم يكن هنالك جهد تحري أو استقصاء في قضية هيئة الضرائب بل كانت السرقة واضحة المعالم بصورة مطلقة
وهنا وبكل انسيابية ظهرت كل البيانات التي تثبت سلسلة عمليات التزوير، والاختلاس، وتحويل مبالغ لشركات مؤسسة حديثة ليس لها أي علاقة او حق او استحقاق في هذه الأموال، مع وثائق بمبلغ إجمالي قدره (3.7 ترليون دينار عراقي) ما يعادل أكثر من 2.5 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 1 أيلول 2021 ولغاية 15 آب 2022.
لم يكن هنالك جهد تحري أو استقصاء، السرقة كانت واضحة المعالم بصورة مطلقة. قدمت الأقسام المعنية في الهيئة العامة للضرائب الوثائق التي تثبت صحة ما ورد في أعلاه، وبالتفاصيل الدقيقة، ووفق الكتب الرسمية وكشوفات الحسابات المصرف الرافدين، وأرقام صكوك ومستندات صرف متكاملة، (تم تقديم المعلومات والوثائق الرسمية الواردة من الهيئة العامة للضرائب ومصرف الرافدين إلى هيئة النزاهة الاتحادية من قبل دوائر مركز الوزارة)، علمًا أنّ هذه الجريمة الاقتصادية هي امتداد لمخالفات أصغر حجمًا ولكنها أكثر عددًا منتشرة في عدد من دوائر وزارة المالية ومستمرة منذ سنوات، وهو ما يكشف عن واحدة من أسباب انهيار النظام الاقتصادي العراقي، وضياع وفقدان الجزء الأكبر من إیرادات الدولة الأخرى، عبر السيطرة عليها من مجموعات متمرسة، واعتماد البلد المباشر على الإيرادات النفطية، وهو انحراف شديد عن ركائز الاقتصاد السليم والتنمية المستدامة، وليس ببعيد عنا الوضع الاقتصادي الذي عاشه البلاد خلال 2019 - 2020، واضطرار الحكومة لسد النفقات عبر الدين الداخلي والخارجي.
سيادة الرئيس.. لقد كانت توجيهاتكم منذ اليوم الأول لتولي هذه الحكومة هي العمل على بناء الإنسان، ومكافحة آفات الفساد ومواجهته بشجاعة ومهما كانت الأثمان، وقد شهد العراقيون والمجتمع الدولي الحرب الشعواء التي شنت على تجربة الحكومة في محاربة الفساد بعد ظهور أولی بوادر نجاحها، ما أدى إلى وأدها في نهاية المطاف. وامتدادًا لهذا الواقع المرير فإن بداية عملي في وزارة المالية تزامن مع حرب شرسة استخدمت فيها كل الأدوات غير النزيهة، من بعض القنوات الإعلامية المدفوعة من أموال الضرائب، ومعها احتراب وتأليب سياسي واضح، تمثل بمجموعة من التصرفات والتصريحات المتشنجة، والسباق مع الوقت من قبل بعض المتحمسين في مجلس النواب للإسراع في إزاحتي من إدارة الوزارة. وعلى الرغم من أنني كاشفت أعلى الشخصيات في العملية السياسية عن حجم السرقة الحادثة في الأموال العامة، إلاّ أنّ الحرب كانت تزداد بشدة وبكل الوسائل، وكانت العصابات التي سرقت المال العام تشيع في كافة الأوساط مبكرًا، ما سيتم اتخاذه ضدي من إجراءات! لست خائفًا من تحديات الإدارة أو مجابهة الانحراف، ودليله أنني لم أسكت عما اكتشفته من جريمة كانت أحد أعظم أسباب التشوه الاقتصادي للبلاد. كان بإمكاني السكوت وتبرير ذلك بأنني وزير بالوكالة ولوضع انتقالي، إلاّ أنّ شرف المهنة والانتماء للأرض وللوطن كان هو الدافع الخوض هذا التحدي الشرس في كشف وإيقاف نزيف المال العام الذي كان منذ سنوات خارج إیرادات الدولة، وتشخيص الجهات والآليات والممارسات التي أدت إلى هذه السرقة الهائلة بكل دقة وموضوعية، وهو ما تم كشفه بحقائق ووثائق رسمية صادرة عن دوائر الوزارة ومصرف الرافدين، وبدون أي قدرة لأي جهة على تجاوز هذه الحقائق أو الطعن بصحتها أو تجاوز الحادثة، وهو ما أعيد التأكيد عليه بأنّ (3.7 ترليون دينار) هو المبلغ الذي كان من المفترض أن يذهب للخزينة العامة، وتم الاستيلاء عليه من قبل عصابة محددة.
وزير المالية: هذه الجريمة هي امتداد لمخالفات أصغر حجمًا ولكنها أكثر عددًا منتشرة في عدد من دوائر وزارة المالية ومستمرة منذ سنوات
لكن الوضع السياسي العام، وخصوصًا بعد قرار مجلس النواب الأخير الذي لا يستند القانون ولا للدستور ولا للمصلحة العليا، وما تضمنه من رغبة الشد في إزالتي من موقعي الحالي بأقرب وقت ممكن، وهذا ما يصب في مصلحة من استولى على المبلغ أعلاه ومن أصدر لهم الصكوك وأذونات الصرف، في حادثة هي الأغرب من نوعها في تاريخ العراق والعالم. هذه الضغينة ولي القوانين وتداخل السلطات التشريعية في الجهاز التنفيذي للدولة، حتم على دراسة الموضوع بصورة أدق وأكثر عمقًا، وخصوصًا مع تقديم عدد من كبار قادة البلاد النصيحة لي بترك العمل في الوزارة، لما وجدوه من مخططات وجهود عدة جهات التقت مصلحتها على إيقاف إجراءاتي في وزارة المالية بأسرع وقت. سيادتكم.. لما ورد في أعلاه من شرح مختصر جدًا لحجم التحديات في المسؤولية التي أشغلها، ومع هذا الاستعداء والتجني المتزايد، أرجو قبول إعفائي من مهام إدارة وزارة المالية بالوكالة، والتي أقدمها للمرة الثانية خلال أسبوعين، وأترك لمن يأتي بعدي خيار الاستمرار فيما بدأناه، مع قيام الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وفقًا للمعلومات النهائية والدقيقة المتوفرة في وزارة المالية بخصوص المبالغ المالية المفقودة.
خالص الشكر والتقدير لكم وللثقة الكبيرة بنا خلال عملنا في مجلس الوزراء للسنوات السابقة ولكل ما فيه خدمة للبلاد.