فور إعلان رئيس الجمهورية تكليف رئيس كتلة النصر النيابية عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة خلفًا للمستقيل عادل عبد المهدي، أظهرت كتل شيعية رفضًا قاطعًا لعملية التكليف، بل هدد القيادي في عصائب أهل الحق جواد الطليباوي قبل الإعلان الرسمي، بـ "سنقلب عاليها سافلها على الأسياد والعملاء والمتآمرين" في حال مُرر الزرفي، ووصف الأخير بـ"الجندي البار للمشروع الأمريكي".
رغم الرفض والتهديد من بعض القوى السياسية يجري رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي تحركات داخلية محلية وأجنبية ربما تبدو غريبة في هذه الأجواء
في اليوم التالي من التكليف، أعلن تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وكتلتي العقد والنهج الوطني رفضهم تكليف الزرفي "المخالف للدستور"، محذرين من "تهديد السلم الأهلي وتفكك النسيج الوطني". وفيما كانت تغريدة زعيم التيار الصدري غير واضحة بعد أن رفض إعطاء رأيه بالزرفي وغيره، واكتفى باعتبار الأخير "غير مقرب" منه، أبدى رئيس تيار الحكمة اعتراضه على "آلية الترشيح" التي اعتمدها رئيس الجمهورية و "عدم اكتراثه لعدد مهم من القوى الأساسية".
اقرأ/ي أيضًا: هل يعتبر عدنان الزرفي نقطة تلاقي إيرانية ـ أمريكية؟
وبينما أشارت المعلومات المسرّبة إلى ترشيح الكتل الرافضة للزرفي لثلاث شخصيات من رؤسات الجامعات وإرسالها لزعيم التيار الصدري للتوافق على واحدة منها لتكون خلفًا للزرفي، كان الأخير يعقد اجتماعًا مع ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت.
حتى اللحظة، يشدد تحالف الفتح على لسان رئيس الكتلة محمد الغبان على تكليف الزرفي لمنصب رئاسة الحكومة، ويتحدث على لسان النائب فاضل جابر عن وجود "تكامل سياسي رافض للزرفي الذي أصبح عاجزًا عن حصول الثقة من القوى الشيعية الكبيرة".
يؤكد النائب عن كتلة صادقون النيابية (الجناح السياسي لعصائل أهل الحق) حسن سالم في 26 آذار/مارس 2020 "الرفض القاطع لآلية التكليف الخاطئة والإملاءات الأمريكية والمكلف الجدلي المخالف لوصايا المرجعية ومطالب المتظاهرين".
من جانبه، قال المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون بهاء النوري في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق" إن ائتلافه "لم يعترض على الزرفي بل على آلية تكليفه، وهو مع الإجماع الشيعي"، كاشفًا عن "اتفاق على اختيار رئيس جامعة لمنصب رئاسة الوزراء".
رغم كل شيء.. يتصرف كرئيس!
رغم الرفض ـ والتهديد أحيانًا ـ الذي تصدره كتل تحالف الفتح ومن معها، وبحثهم عن بديل للزرفي وحثّهم إياه على الاعتذار عن تكليف لـ"حفظ حق الأغلبية"، وتجربة محمد توفيق علاوي التي أضافت للعملية السياسية خيارًا جديدًا وهو إمكانية رفض المكلف، يجري رئيس الوزراء المكلف تحركات داخلية محلية وأجنبية ربما تبدو غريبة في هذه الأجواء.
وبتجاوز لقائه بلاسخارت بوصفها راعيةً للحوارات التي جرت بين المتظاهرين والسياسيين، استقبل الزرفي عددًا من السفراء، مثل سفير الكويت، وسفير مصر وسفير الأردن، وسفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وتأكيده لهم على ضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين و"حصر السلاح بيد الدولة".
محليًا، زار المكلف في اليوم التالي من تكليفه وزير المالية في حكومة عبد المهدي، فؤاد حسين، الذي قال في بيان إنه ناقش مع الزرفي "برنامجه الحكومي والمسائل العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والأمور الإقليمية والدولية".
وفي 25 آذار/مارس، بحث الزرفي مع وزير الصحة والبيئة في حكومة عبد المهدي إجراءات خلية الأزمة وآليات الحد من انتشار فيروس كورونا.
مع الزيارات التي يتصرف بها الزرفي كرئيس وزراء أدى القسم الدستوري، لا يزال تحالف الفتح يؤكد عبر تصريحاته رفض تمرير حكومة الزرفي
وتشير مصادر في محافظة الأنبار لـ"ألترا عراق"، مرفقة بمقاطع فيديو، إلى زيارة أجراها الزرفي في 26 آذار/مارس إلى المحافظة رفقة وزيري الدفاع والداخلية في حكومة عبد المهدي، مرجحةً لقاءه برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في مدينة الفلوجة.
غموض المواقف.. وتلميح الزرفي
مع هذه الزيارات التي يتصرف بها الزرفي كرئيس وزراء أدى القسم الدستوري، لا يزال تحالف الفتح يؤكد عبر تصريحاته رفض تمرير حكومة الزرفي، وجدد رئيس الكتلة موقفها، داعيًا الكتل الشيعية إلى "توحيد الكلمة وإنهاء حالة الغموض في المواقف والإفصاح عن موقفها الرافض للزرفي للاتفاق على مرشح بديل بأسرع وقت لتشكيل حكومة مسؤولة".
اقرأ/ي أيضًا: "جبهة الأرقام" في مواجهة التوافقات.. هل سيكسر الزرفي "شفرة" البرلمان؟
وتقول النائبة عن ائتلاف النصر ندى شاكر جودت إن بعض العقد والاعتراضات لا زالت موجودة في مباحثات تشكيل حكومة الزرفي، لكن الأمور ستتضح في الأيام المقبلة.
من جانبه، اتهم النائب عن تحالف الفتح حامد الموسوي، الرئيس المكلف بأنه "جندي لدى الجيش الأمريكي وولاؤه لغير العراق"، يرى في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق" أن زعيم التيار الصدري لن يذهب باتجاه تمرير حكومة الزرفي كون الأخير "لم يكن له موقفًا واحدًا مناصرًا لقضايا يؤمن بها الصدر تتعلق بسيادة العراق"، مشددًا على أن "عدنان الزرفي لن يكون رئيسًا للوزراء".
يعلل مراقبون رفض بعض الكتل الشيعية للزرفي لتخوفهم من مضايقات قد يمارسها على فصائل الحشد الشعبي التي هي أجنحة سياسية لبعض تلك الكتل، وكما تبدو اسجابةً لهذا التخوف، كتب الرئيس المكلف في الخميس، 26 آذار/مارس تغريدة على موقع تويتر أشار فيها إلى مساهمته في كتابة قانون الحشد الشعبي والتصويت له وتخصيص موازنة كافية في اللجنة المالية، وأضاف: "ستبقى هيئة الحشد مؤسسة رصينة وسيبقى ولاؤها وتضحياتها للعراق والعراقيين".
ربما تكون إشارة الزرفي للحشد في تغريدة منفردة رسالة اطمئنان للأطراف المتخوفة، أو دفاعًا عن النفس من تهم "التبعية للأمريكان" التي ردّ عليها بشكل مباشر.
وفيما يعتقد النائب الموسوي أن الكتل السنية والكردية لن تجازف بالتصويت للزرفي وتجاوز العرف السياسي، لم يظهر موقف واضح حتى الآن من الكتل الرئيسة السنية والكردية، ويُفسرعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان سبب عدم وجود حوارات بين القوى الكردية والسنية مع الزرفي كون هذه القوى "تنتظر قرار البيت السياسي الشيعي حتى تبدأ مفاوضات وحوارات مع الرئيس المكلف".
يؤكد باجلان في 26 آذار/مارس إن "البيت الشيعي لم يوافق على الزرفي لغاية الآن أو يطرح البديل عنه".
هل يمر عبر النواب؟
رغم عدم وجود مواقف صريحة من غالبية الكتل السياسية، ورفض جبهة شيعية مهمة لتمرير الزرفي، إلا أن بعض المصادر الصحفية تؤكد جمعه أكثر من مئتي نائب في البرلمان.
كان المقرّب من ائتلاف النصر أحمد الحمداني قد أشار في تصريح تابعه "ألترا عراق" إلى أن "نوابًا من سائرون والنصر والسنة والكرد هم من رشّحوا عدنان الزرفي إلى رئيس الجمهورية".
وأظهرت صورُ مراسم تكليف الزرفي من قبل رئيس الجمهورية، وجود نواب من تحالف سائرون وتيار الحكمة وائتلاف النصر ودولة القانون بالإضافة إلى نواب من الكتل السنّية.
بعض المصادر الصحفية أكدت جمع رئيس الوزراء المكلف أكثر من مئتي نائب في البرلمان للتصويت على حكومته
علَّلَ هذه "الحالة الجديدة"، المحلل السياسي حازم الشمري، بأن "الحرس القديم أصبح ضعيفًا، وسيطرة الكتل على نوابها ليست كالسابق"، وهو ما يُفسّر وجود نواب في عملية التكليف رغم تحفظ كتلهم.
اقرأ/ي أيضًا: الزرفي يكشف "أولويات" برنامجه: حكومة أزمة تنتظر 4 ملفات
ربما تؤشر تلك الحالة إلى طريقة التي يمكن أن تُمرر عبرها حكومة الزرفي، وهي تصويت النواب منفردين، مع بقاء مدة جيدة (نحو عشرين يومًا) على انتهاء المدة الدستورية.
وما يعزز ذلك، قول النائب عن كتلة إرادة حسين عرب في 26 آذار/مارس، بإن الزرفي "لم يتمكن حتى الآن من إقناع الزعماء، لكنه تمكن من إقناع غالبية نواب الشيعة كونه زميلًا لهم في البرلمان".
في الأثناء، يقول نائب سابق مطلّع على كواليس المفاوضات لـ"ألترا عراق" إن "تمرير حكومة الزرفي باتت مسألة محسومة وستمر بأغلبية مريحة، بالنظر إلى الحوارات التي تجريها الكتل السياسية معه، وبينها تلك التي عبّرت عن رفضها في بادئ الأمر".
أشار المصدر الذي رفض الكشف عن أسمه "منعًا للإحراج" إلى أن ائتلاف دولة القانون أحد الأطراف التي رفضت الزرفي في بداية تكليفه لكن "موقفها تبدل الآن، وهذا واضح في الحوارات المغلقة الجارية".
مصدر لـ"ألترا عراق": تمرير حكومة الزرفي باتت مسألة محسومة وستمر بأغلبية مريحة، بالنظر إلى الحوارات التي تجريها الكتل السياسية معه
لكن النائب عن كتلة صادقون محمد كريم يرى أن "الأغلبية الشيعية ترفض الزرفي حتى لو تم تمريره"، مشيرًا إلى أن "الكتل لديها القدرة على إيقاف مخطط تمرير الحكومة وإقالة رئيس الجمهورية من منصبه".
اقرأ/ي أيضًا:
إعطاء الحصص مقابل تشكيل الحكومة.. كيف سيعصم الزرفي نفسه من مصير محمد علاوي؟