يبدو أنّ عاصفة الخلافات السياسية لم تقف داخل البيتين السياسيين "الشيعي والكردي"، بل انتقلت إلى ما يسمى بـ"البيت السني"، بعد أن تبيّنت الخلافات الحادة بين الوجهين البارزين، رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي يرأس "تحالف تقدّم"، قد تؤدي إلى إعلان انقسام تحالف السيادة الذي حصد حصّة ليست بالقليلة في الانتخابات الأخيرة.
طوال فترة العلاقة المتوترة بين الحلبوسي والسوداني خرج الخنجر بأكثر من تصريح يمتدح الحكومة ويعتبرها ملتزمة بتنفيذ برنامجها
فمن المرجح أن يتم الإعلان قريبًا عن "تحالف سني" جديد برئاسة الخنجر، بحسب ما أعلن عنه رئيس حزب وطن مشعان الجبوري، في تغريدة أكد فيها فعلًا تأسيس تجمع جديد سينضم رسميًا إلى تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر "لاسترداد المحافظات الغربية من قبضة الفاسدين والمغامرين"، وفق تعبيره.
كانت استعدادت اللجنة التحضيرية لاستقبال ثلاثة الاف من صقور حزب الوطن ليصوتوا على قرار اندماج حزب الوطن في "السيادة"
لكن فرح الجمهور بهذه الخطوة وشعورهم انها ستساهم في التخلص من المغامرين وحيتان الفساد جعلت عدد الحضور يجاوز الخمسة الاف وامضى الكثيرون ساعات الاحتفال تحت اشعة… pic.twitter.com/Ixq794O4No— مشعان الجبوري (@mashanaljabouri) May 13, 2023
وتحالف السيادة أكبر تحالف سياسي عراقي "سُني"، تأسس بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في 2021، وكان التحالف يمتلك 37 نائبًا لـ"حزب تقدم"، و"عزم" 34 نائبًا، قبل أن تعصف الخلافات به مع استقالة عدد من النواب وإبعاد آخرين، وإعلان تحالف عزم انشقاقه برئاسة النائب مثنى السامرائي.
ودخل السيادة ضمن تحالف مع الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني، سمي بـ"ائتلاف إدارة الدولة"، تم من خلاله تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني عقب انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من العملية السياسية.
ويبدو أنّ الخنجر لن يبتعد كثيرًا عن حلفائه السابقين في "عزم"، إذ بحسب مصادر مطلعة، فإنّ خميس الخنجر قد يجمع "عزم" في تحالفه الجديد لزيادة أعداد ناخبيه وضمان كسب أعلى نصيب من الأصوات في الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري.
خلاف الحلبوسي والإطار
تولي الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان، جعله الأكثر تعرضًا لنيران المواجهة مع القوى السياسية الشيعية وحتى السنية، مع ظهور أحزاب وسياسيين بين فترة وأخرى يعلنون وقوفهم بالضد من ما يسموه بـ"مشروع الحلبوسي للسيطرة على الأنبار".
ومنذ بداية الدورة التشريعية الحالية، واجه محمد الحلبوسي خلافات حادة، وكان على شفى الإطاحة به من منصبه، حيث كان على خلاف مع قوى الإطار التنسيقي إبان تحالفه مع الكتلة الصدرية والتي من خلالها استطاع ترأس البرلمان لدورة ثانية.
وعقب انسحاب الصدر من العملية السياسية واستقالة نواب كتلته من البرلمان، أعلن الحلبوسي استقالته من رئاسة البرلمان ليجدد نواب الإطار التنسيقي الثقة به وتلغى استقالته.
ومؤخرًا، توترت العلاقة بين الحلبوسي والإطار على خلفية اتهامات وجهها السوداني لرئيس البرلمان بـ"محاولة تعطيل تمرير قانون الموازنة وإحراج الحكومة"، وعلى الرغم من محاولات الصلح بين رئيسي الوزراء والنواب، إلا أنها لم تصل إلى حل.
وطوال فترة العلاقة المتوترة بين الحلبوسي والسوداني، خرج الخنجر بأكثر من تصريح يمتدح الحكومة، ويعتبرها "ملتزمة بتنفيذ برنامجها الوزاري الخدمي".
يأتي ذلك، بالتزامن مع إعلان عدد من نواب تحالف الحلبوسي استقالتهم من التحالف، والبقاء ضمن تحالف السيادة، وهم "فلاح الزيدان ولطيف الورشان وعادل المحلاوي ويوسف السبعاوي"، ووفقًا لبيانهم، فإنّ الانسحاب جاء لـ"وجود ملاحظات عدة على طريقة عمل الحزب وعدم وجود شراكة حقيقية في اتخاذ القرار"، ثم التحقت بهم النائب عن محافظة كركوك ساهرة عبد الله الجبوري التي عزت استقالتها إلى "التحكم السياسي في بعض مؤسسات كركوك".
نقطة الصفر
نقطة انطلاق الخلاف بين الحلبوسي والخنجر، كان من الضربة التي وجهتها هيئة النزاهة لدائرة التسجيل العقاري في محافظة الأنبار، بعد أن كشفت في نيسان/أبريل المنصرم عن تلاعب وتزوير في آلاف الأراضي والمعروفة بـ "أراضي مطار الأنبار".
ووفقًا للنزاهة، فإنّ عملية كبرى أسفرت عن إلقاء القبض على مدير التسجيل العقاري في الأنبار وعدد من المسؤولين والموظفين فيها، فضلًا عن ضبط مئات الهويات المزورة العائدة لإحدى النقابات، والتحرز على عشرات الآلاف من أضابير العقارات التي تم تمليكها خلافًا للقانون، فيما تم الكشف عن "وجود تضخم في أموال المتهمين الذين تم إلقاء القبض عليهم".
قال حيدر الملا إنّ رحلة الحلبوسي في زعامة البيت السياسي السني انتهت
وأسفرت العملية بحسب ما ذكرت هيئة النزاهة عن "ضبط ما يقارب أربعمائة هوية مزورة تعود إلى إحدى النقابات، وقرابة (1،500،000) مليون وخمسمائة ألف دولار، و(600،000،000) ستمائة مليون دينار عراقي، فضلاً عن أختام وحواسيب وأجهزة لوحية، وأجهزة استنساخ تستخدم؛ لغرض تزوير أضبابير العقارات، ومخشلات ذهبية ثمينة".
واتهم الحلبوسي، خميس الخنجر بتسريب الوثائق الخاصة بتلك الأراضي، بحسب المحلل السياسي سمير عبيد.
وكشف عبيد في تصريح لـ"ألترا عراق"، عن "وساطة خليجية" للصلح بين الحلبوسي والخنجر، مستدركًا "لكنها جوبهت بالفشل بعد رفض الخنجر محاولات إعادة العلاقة إلى طبيعتها".
وقال عبيد إنّ "الحلبوسي اتهم الخنجر بأنه غدره عندما سلّم ملف الأراضي وفيديوهات خاصة بتعيين القادة وشراء المناصب في محافظة الأنبار، وأسرار أخرى إلى رئيس الحكومة السوداني".
وبيّن أنّ "الحلبوسي زار مصر والسعودية من أجل التوسط له مع السوداني لإغلاق ملف بيع الأراضي في الأنبار وملفات الفساد فيها لكنه لم يفلح بذلك"، مبينًا أنّ "الإطار التنسيقي حاول استغلال عدم توازن الحلبوسي في البرلمان للإطاحة به والتخلص منه كزعيم سني".
قرار استبدال الحلبوسي
يكشف القيادي البارز في تحالف "عزم" حيدر الملا، عن وجود اتفاق داخل البيت السني لاستبدال الحلبوسي بشخصية ثانية لرئاسة البرلمان، كما يشير إلى انتهاء العلاقة التي تجمع الخنجر به في تحالف السيادة وما تبقى سوى الإعلان رسميًا.
وخلال حديثه لـ"ألترا عراق"، يقول الملا، الذي كان مرشحًا عن تحالف الحلبوسي في الانتخابات الأخيرة قبل انسحابه منه، إنّ "مرحلة الحلبوسي في زعامة البيت السياسي السني انتهت".
ولفت إلى أنّ "تحالف السيادة تفكك منذ فترة وتحول إلى حزب برئاسة خميس الخنجر وباتت علاقته بالحلبوسي ضعيفة".
كما بيّن أنّ "هناك قرارًا سنيًا سيصدر بعد إقرار قانون الموازنة للعام الجاري باستبدال محمد الحلبوسي بشخصية ثانية لرئاسة مجلس النواب".
رفض الزعامة الموحدة
ومنذ سقوط النظام السابق بعد عام 2003، وعلى مدى السنوات الماضية، اختلفت الساحة السياسية "السنية" عن "الشيعية" بالزعامات، حيث غالبًا ما تكون الزعامة في "البيت السني" للشخصية التي تتسنم منصب رئيس البرلمان (المنصب السياسي الأعلى للمكون السني وفق العرف الموجود في العراق)، لذلك تسعى "قوى سنية" جديدة إلى إزاحة مفهوم الزعيم الأوحد، بحسب ما يرى محللون سياسيون.
المحلل السياسي غازي اللامي، يرى خلال حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "الخلافات ما بين الأحزاب السنية، وصلت إلى مرحلة كبيرة ومؤثرة ومهمة، والمعطيات بدأت على الساحة السياسية من خلال انسحاب الكثير من الشخصيات من التحالف أو حزب الحلبوسي وانضمامها إلى التحالفات السنية الأخرى"، موضحًا أنّ "الخنجر اليوم يريد أن يرمم هذه العملية بطرق عديدة من خلال لملمة كل الأوراق المتناثرة".
وتابع أنّ "هناك طروحات كثيرة في هذا الجانب، خاصة الزعامات السنية، لا تريد أن تكون هناك مرجعية أو زعامة واحدة منفردة ضمن الأحزاب، وتريد أن يكون هناك مجلس سياسي يضم كل القيادات السنية التي شغلت المسؤولية السياسية منذ عام 2003 ولحد هذه اللحظة، حتى وإن كانت خارج السلطة".
ويعتقد أنّ "الشخصيات السنية" ترغب بأن "يكون القرار قرارًا جمعيًا وليس فرديًا كما يعمل به الحلبوسي من خلال سيطرته على كثير من مفاصل الحكومة، خاصة في محافظة الأنبار".
وأشار إلى أنّ "هناك طروحات كثيرة من الشيوخ وزعماء وقبائل في محافظة الأنبار على أنهم يعملوا على الدخول بقائمة جديدة في الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات، وبالتالي يبعدون الشخصيات التي كانت تحت خيمة الحلبوسي في الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات".
ترغب شخصيات من "المكون السني" أن يكون القرار جمعيًا وليس فرديًا من الحلبوسي
ويكمل اللامي أنّ "هذه إحدى الإشارات على أن الزعامة التي كان ينفرد بها الحلبوسي بدأت تذوب وتتفكك من خلال رفضهم لكل الإجراءات الديكتاتورية التي كانت يقوم بها من أصدار قرارات دون الرجوع إلى القيادات السنية، وهذي وحدة من المؤشرات المهمة التي اليوم بدت طاغية على السطح، وحتى الخنجر بدا حائرًا بين هذا وذاك، ويريد أن يكون بعيدًا عن ملاكمته، لكنه اليوم يستغل هذه المناكفات لمصلحته، لاسيما أن لعبة المصالح لا زالت موجودة".