شانها شأن كل شي في البلاد، تغيرت الخارطة السياسية بعد صعود تنظيم "داعش" والمعارك الشرسة على مدى سنوات لطرده وحجم التضحيات والدمار. ولعل أبرز المتأثرين هي القوى السنية، حيث فرضت المرحلة الجديدة معادلة أخرى ترجمتها الانتخابات، أعلنت تراجع الأطراف التي خاضت المعترك السياسي منذ 2003 سواءً في بغداد والمحافظات، ومن بين أبرزها الحزب الإسلامي، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق.
فرضت الانتخابات الأخيرة وهزيمة تنظيم "داعش" معادلة سياسية جديدة ترجمها صعود زعامات سنية جديدة في المناطق المحررة على حساب القوى التي سادت بعد 2003
تبدو الصورة أوضح إذا ما نظرنا إلى محافظة الأنبار، التي كانت تعتبر واحدة من معاقل الحزب الإسلامي الرئيسية، إلا أن رصيده فيها اليوم يكاد لا يذكر، لأسباب عدة، من بين أبرزها: فشل المشروع الإسلامي السياسي في العراق فشلا ذريعًا، وانعدام ثقة جمهور أهل السنة بالحزب ورجالاته، وهو ما تستغله أطراف أخرى بأكبر صورة ممكنة للتتصدر كزعامة سنية.
الأنبار.. صراع الزعامات!
أبرز تلك الأطراف تيار رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الشاب الذي دفعه الكرابلة إلى الواجهة، حيث يحاول سلب آخر مواقع المسؤولية من الحزب الإسلامي، وهو ما ترجمه التحرك الأخير من محافظ الأنبار علي فرحان، والذي أثار ضجة كبيرة ومخاوف من أزمة جديدة تبدو كابوسًا لأبناء المحافظة الذين يرغبون بأقصى درجات الاستقرار بعد سنوات من المعاناة والتشرذم.
اقرأ/ي أيضًا: بين الكرد وأبو مازن والحشد: خارطة "جديدة" لتقاسم مناصب نينوى من مصادر خاصة!
كان المحافظ قد أشهر البطاقة الحمراء بوجه القيادي في الحزب الإسلامي وقائممقام قضاء الفلوجة (62 كم غرب بغداد)، عيسى الساير، بحجة "جود مخالفات إدارية خلال انتخابه من قبل مجلس الفلوجة"، فيما تم اسناد المنصب إلى مؤيد الدليمي بالوكالة، فيما رفض الأول مع عدد من أعضاء المجلس المحلي الانقياد إلى القرار، لكن الثاني تسلم المنصب بالقوة، حين اقتحم مع فرقة خاصة مبنى القائممقامية وجلس كمدير للقضاء.
لا يبدو المنصب ذو أهمية كبيرة على مستوى محافظة الأنبار، من حيث المسؤولية أو النفوذ، لكنه يشكل أهمية خاصة على مستوى الصراع السياسي الجديد بين الأطراف السنية، حيث يمكن القول إنها تنقسم الآن إلى ثلاثة محاور رئيسية: الأول يضم تيار محمد الحلبوسي وجمال الكربولي، أما الثاني فينخرط فيه زعيم المشروع العربي خميس الخنجر وتقترب منه بعض الشخصيات والأطراف من بين أبرزها أحمد الجبوري "أبو مازن"، فيما بدأ يظهر ثالث "ناشيء" أبرز شخصياته زعيم تحالف القرار أسامة النجيفي وشقيقه أثيل.
ظهرت أحدث فصول الصراع على الزعامة في محافظة الأنبار حيث أثار منصب قائممقام الفلوجة أزمة جديدة على الرغم من "عدم أهميته" على أرض الواقع
يقول مصدر مسؤول في مجلس محافظة الأنبار لـ "الترا عراق"، إن "محمد الحلبوسي تمكن من فرض إرادته منذ توليه زمام الأمور في المحافظة قبل رئاسة مجلس النواب، عززها العمل والمبادرات الإيجابية في المحافظة بعد تحريرها، ليكسب الكثير من المؤيدين على مستوى الحكومة المحلية والشارع"، مبينًا أن "الحلبوسي أزاح وجهًا آخر من وجوه الحقبة الماضية، والأمر لن يتوقف، بل سيشمل دوائر أخرى في المحافظة".
أضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "إقالة الساير لها بعد آخر، فضلًا عن كونها ضربة للحزب الإسلامي، حيث استقبل الساير قبل أيام زعيم المشروع العربي، خميس الخنجر، فجاء تحرك تيار الحلبوسي ضده مزلزلًا، ما يترجم حجم الصراع بين الخنجر والحلبوسي".
الأمن.. "كابوس الأنباريين"!
كل ذلك يبدو مقبولًا طالما تدور الصراعات في مستوى سياسي سلمي، لكن ما تخشاه الأوساط الشعبية في الأنبار وبقية المحافظات السنية، هو انعكاس ذلك على مستوى الأمن، في ظل الحديث عن تنامي قدرة تنظيم "داعش" مجددًا، وهو ما ترجمه هجوم لمجموعة من التنظيم استهدف اللواء الثالث للحشد الشعبي، في منطقة الضابطية من شمال شرقي الأنبار، وفق مدير ناحية الخيرات عماد مهدي، لتسجل المحافظة الهجوم الثاني خلال شهر واحد.
اقرأ/ي أيضًا: سباق الدعاوى ينتهي بفوز الحلبوسي على الزوبعي.. هل تعود الحصانة بـ"التسوية"؟
أبلغ مهدي "ألترا عراق"، أن "أربعة قتلى سقطوا من الحشد الشعبي وجرح عنصر آخر خلال الهجوم الذي وقع بالقرب من السور الأمني الترابي، والذي يقسم المناطق الشمالية في المحافظة وتحديدًا بلدة الكرمة إلى جانبين".
في هذا الصدد يؤكد المسؤول في مجلس المحافظة، أن "الحلبوسي كان قد أصدر مؤخرًا قرارًا برفع السور الأمني بموافقة القائد العام للقوات المسلحة، ويبدو أن الإرهابيين حاولوا استغلال الأمر".
يخشى الأنباريون انعكاس الصراع السياسي على أمن واستقرار المحافظة في ظل تحذيرات من تنامي قدرات تنظيم "داعش" مجددًا
لا يستبعد مختصون أن تلقي الخلافات السياسية المشتعلة بين محوري الخنجر والحلبوسي، أو أي طرف ثالث مستقبلًا، بظلالها على استقرار الأنبار. يقول الباحث السياسي عمر السبهان، إن "الوضع في الأنبار قد يتأزم في أي لحظة بالنظر إلى حجم الصراع السياسي، والأمر ينطبق على المحافات المحررة الأخرى، حيث تقف العشائر بكل ثقلها خلف الفرقاء".
يضيف السبهان لـ "ألترا عراق"، أن "كل حدث أمني أو مشكلة سياسية ستحدث، ستأخذ أكبر من حجمها الفعلي، مع مخاوف من تحول السلاح الذي أشهرته العشائر بوجه تنظيم داعش إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية"، موضحًا أن "الخنجر لا يزال يسعى جاهدًا لنيل النفوذ في الأنبار عبر ضخ الأموال إلى بعض الأطراف السياسية والعشائرية، وهو ما سيواجهه الحلابسة والكرابلة بكل حزم".
اقرأ/ي أيضًا:
صراع "تكسير العظام".. ما مصير رئاسة البرلمان ووزارة التربية؟
فوضى داخل المحور الوطني: طرد الحلبوسي واستبعاد "الخنجر وأبو مازن" لهذه الأسباب