بات ملف التلوث الجوي في العراق تحديًا جديدًا أمام الحكومة والجهات المعنية، وهو الذي يتزامن أيضًا مع التغير المناخي الحاد الذي ضرب البلاد، الأمر الذي وضع معظم العراقيين أمام مواجهة الأمراض السرطانية والغريبة التي اجتاحت العديد من المدن.
تلوث الهواء في العراق أحد أكثر أسباب انتشار الأمراض
في العراق، يعاني القطاع الصحي على مستوى المستشفيات الأهلية والحكومية من نقص كبير في المستلزمات الطبية والأدوية والكوادر العاملة فيها، في حين أنهكت أزمة تفشي فيروس كورونا ما تبقى من القطاع الذي سجل انهيارًا واضحًا بعد العام 2003.
ومن المعروف قديمًا أنّ العراق كان يطلق عليه "أرض السواد"، لكثرة وغزارة المرزوعات الطبيعية التي كانت تعمل آنذاك على تنقية الهواء في البلاد، إلا أن البلاد أصبحت الآن من بين الدول الأكثر تلوثًا وتصحرًا في العالم.
أسباب الانتشار
وعلى الرغم من انخفاض أعداد المصانع في العراق خلال الفترة الأخيرة، إلا أن تلوث الهواء لا يزال يعتبر أحد العوامل المسببة للأمراض في البلاد، من خلال التلوث الغازي والبايولوجي والإشعاعي في الهواء، وفق عضو الفريق الطبي الإعلامي في وزارة الصحة علي حليم الطاهر.
وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يشير الطاهر إلى أنّ "التلوث الغازي ينجم عن زيادة بعض الغازات في الهواء مثل أحادي أوكسيد الكاربون وثنائي أوكسيد الكبريت والغازات النيتروجينية ومركبات الكلورفلور والكاربون المنتشرة دون رقابة أو سيطرة والتي من الممكن أن تؤثر على الحالة الصحية للأفراد".
والتلوث البايولوجي يتم عن طريق انتشار الفيروسات والميكروبات في الجو ويؤدي لفقد السيطرة على هذا الانتشار، كما شهدناه في وباء الإنفلونزا وجائحة كورونا، وفقًا لكلام الطاهر.
وبحسب عضو الفريق الإعلامي، فإنّ التلوث الإشعاعي المتزايد في كافة المحافظات متزامن مع انتشار الأبراج التي تبث الموجات الكهرومغناطيسية قصيرة المدى وخاصة داخل المناطق السكنية. وعلى الرغم من متابعة وزارة البيئة لهذا الموضوع، إلا أن هناك العديد من أبراج شركات الهواتف النقالة وأبراج الإنترنت وأبراج البث التلفزيوني الرقمي تسبب تلوث الهواء إشعاعيًا.
ووفقًا للتقديرات العالمية التي صدرت مطلع العالم الجاري، فإنّ العراق يحتل المرتبة العاشرة لأكثر 10 دول تلوثًا في العالم، إذ أظهرت فحص الجسيمات الصغيرة الضارة المحمولة في الجو والمعروفة باسم الجسيمات المعلقة (PM2.5) بأنها تصل إلى 39.6 ميكروغرام لكل متر مكعب في البلاد.
وبحسب المختصين، فإنّ هذا الرقم يعدّ خطير، خصوصًا وأن منظمة الصحة العالمية توصي بألا يتجاوز متوسط تركيزات (PM2.5)، الـ 5 ميكروغرام/متر مكعب، فيما حذر البنك المركزي بدوره من مضار ارتفاع هذه التركيزات التي سيكون لها آثار سلبية على صحة الإنسان.
وبشأن الأمراض والمشكلات الصحية المصاحبة لتلوث الهواء، يضيف الطاهر، أنّ "هناك العديد من الأمراض التي قد تتزايد نتيجة التلوث الهوائي وبكافة أنواعه، ومن أبرزها الأمراض التنفسية، وأمراض الحساسية، وأمراض القلب، والأمراض السرطانية، والتي نلاحظ انتشارها في عموم المحافظات، حيث بات العراق يسجل إصابات يومية وبصورة مرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية".
أبرز الأمراض المنتشرة
ويقول حيدر محمد عبدالحميد الأكاديمي المتخصص بشؤون البيئة، إنّ "هناك العديد من الملوثات يعاني منها العراق سواءً على صعيد الهواء أو الماء وحتى التربة"، مبينًا أنّ "الهواء في العراق على وجه الخصوص يعاني من ارتفاع في أكاسيد الكبريت والنايتروجين والكربون والهايدوكاربونات الناتجة عن العمليات المصاحبة لاحتراق الوقود في المصافي ووحدات إنتاج الطاقة".
العواصف الترابية المستمرة أيضًا من الأسباب التي أسفرت عن تلوث الهواء في العراق بشكل كبير، وفقًا لعبدالحميد، الذي أكد أنّ "العواصف الترابية سببت ارتفاع في الجسيمات العالقة في الهواء وهذا ما يسبب التلوث".
وبحسب الأكاديمي، فإنّ ارتفاع أعداد السيارات في البلاد، مع انتشار المولدات الكهربائية بصورة كبيرة وعشوائية يدخلان أيضًا في عملية تلوث الهواء"، مشيرًا إلى أنّ "المعامل التي تعتمد على حرق الوقود، والاعتماد على حرق المخلفات الصلبة جميعها ساعدت على الأزمة البيئية الحاصلة في العراق".
وهذا النوع من التلوث يكون له آثار سلبية على صحة الإنسان على صعيد أمراض الجهاز التنفسي والجلدي وحتى التأثير المباشر على القلب، فضلًا عن انتشار أمراض السرطان، كما يؤكد ذلك عبد الحميد.
وفي ظل أزمة التلوث الهوائي في العراق، كشفت الأرقام الرسمية عن اجتياح التصحر للعراق بنسبة 39%، كما تهدّد زيادة ملوحة التربة القطاع الزراعي 54% من الأراضي المزروعة، الأمر الذي يساعد في زيادة تلوثات الهواء وعدم القدرة على تنقيته بواسطة الأشجار والمزروعات.
وحذرت الأمم المتحدة، مطلع العام الجاري، من انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات في العراق بنسبة قد تصل إلى 73%، فيما دعت إلى مشاركة العراق في مناقشات هادفة مع دول الجوار حول تقاسم المياه والخروج من أزمة الجفاف التي ضربت البلاد خلال الأشهر الماضية.
وبشأن هذه الأزمة البيئية، أصدر فريق من الباحثين الأمريكيين في مركز دراسات الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية تقريرًا جاء فيه، أنّ "الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعًا من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعًا مختلفًا من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض".
وأسفرت الحرب ضد تنظيم "داعش"، التي بدأت منذ العام 2014 إلى العام 2017، بزيادة تلوث الهواء في العراق من خلال الأضرار التي لحقت بالمصافي الخاصة بالنفط، فضلاً عن تدمير خطوط الأنابيب والبنى التحتية ذات الصلة بالطاقة.
البصرة الأكثر تضررًا
ويرى الخبير البيئي، شكري الحسن، أنّ محافظة البصرة من أكثر المناطق تضررًا بالتلوث الهوائي لوجود العديد من الحقول النفطية التي تفرز انبعاثات غازية تؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من المواد الكيميائية التي تسبب مرض السرطان بالدرجة الأساس.
ويضيف الخبير البيئي، أنّ "الهواء الآن بات محملًا بالمركبات العضوية الطائرة والهيدروكاربونات النفطية، فضلًا عن ثنائي أوكسين الكبريت والكاربون والعديد من المركبات الكيميائية الأخرى".
البصرة باتت تسجل إصابات عديدة بأمراض سرطان الدم خصوصًا عند الأطفال نتيجة لتلوث الهواء في المحافظة، بحسب الحسن، الذي أشار إلى أنّ "هناك دراسة أجريت مؤخرًا وجدت ارتفاع مركب البنزين في الهواء بدرجة تفوق الـ 3 أضعاف وأحيانًا 9 إضعاف معايير منظمة الصحة العالمية".
وحذر الخبير البيئي، من ارتفاع أمراض الجهاز التنفسي في البصرة جراء التلوث الحاد في الهواء، مؤكدًا أنّ "استمرار انبعاث الغازات سيعمل على انتشار أمراض السرطان بكثافة أمراض الإنفلونزا".
تسجل البصرة إصابات عديدة بأمراض سرطان الدم خصوصًا عند الأطفال نتيجة لتلوث الهواء
وطوال السنوات الماضية، أهملت الزراعة في العراق، وكذلك ما يسمى بـ"الحزام الأخضر"، بعد قطع مئات الأشجار والنخيل من مناطق متعدّدة في البلاد بسبب الأزمة السكنية التي خلفت ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية دون تنظيم.