على وقع بات يتكرّر بين الحين والآخر، يعيش العراقيون في خضم عواصف ترابية مستمرّة تجتاح أغلب المحافظات في البلاد، وتخلّف المئات من حالات الاختناق، فضلًا عن تأثيراتها الاقتصادية بتوقيف الملاحة الجوية وحركة المطارات.
يحتاج العراق أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر
وطوال السنوات الماضية، أهملت الزراعة في العراق، وكذلك ما يسمى بـ"الحزام الأخضر"، بعد قطع مئات الأشجار والنخيل من مناطق متعدّدة في البلاد بسبب الأزمة السكنية التي خلفت ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية دون تنظيم.
ويتكوّن ما يعرف بـ "الحزام الأخضر"، من مصدات خضراء منها أشجار الكالبتوس والصفصاف والأثل وغيرها، حيث تستطيع هذه النباتات تحمل الجفاف وملوحة الأرض، فيما زرعت في سبعينيات القرن الماضي بالبلدان العربية ومنها العراق حول بعض المدن بهدف صد الأتربة في ذاك الوقت، بحسب بيانات يتداولها خبراء.
وبعد العام 2003 أعيد الحديث عن مشروع "الحزام الأخضر"، إلا أنّ المشروع أهمل كغيره من المشاريع الأخرى، في حين تشير تصريحات وزارة الزراعة إلى "حاجة العراق لأكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر".
وتوقعت وزارة البيئة العراقية، في وقت سابق من هذا الشهر، ارتفاع عدد الأيام المغبرة في السنة إلى 300 يوم بحلول العام 2055، مؤكدةً أنّ "التغيرات المناخية عامل أساسي في زيادة موجات الغبار"، أما الإحصائيات المسجلة من قبل الهيئة العامة للأنواء الجوية، فقد ارتفع عدد الأيام المغبرة من 243 يومًا إلى 272 يومًا في السنة لفترة عقدين من الزمن.
أسباب العواصف الترابية في العراق
وبحسب مدير إعلام هيئة الأنواء الجوية عامر الجابري، فإنّ العراق على موعد مع عواصف ترابية متكررة، موضحًا أن أسباب العواصف الترابية في العراق يمكن إجمالها في أربعة نقاط أساسية هي:
- الجفاف
- التصحر
- سرعة الرياح
- قلة الأمطار
وتعدّ المناطق الغربية للعراق هي مصدر الأتربة التي تجتاح المدن بحسب الجابري الذي أكد أنّ هشاشة الأرض في الغرب، وتصحرها أحد أهم الأسباب، حيث أن "أقل حركة للرياح تساعد على هيجان الأتربة في المنطقة".
وأشار إلى أنّ "التراجع المائي في البلاد والذي تزامن مع قلة الأمطار أسفر عن تقليل المساحات الخضراء في المدن مما أدى بدوره إلى زيادة في العواصف الترابية".
ولفت الجابري إلى أنّ "العواصف الترابية دائمًا ما تتسبب بأضرار صحية على كبار السن والمصابين بأمراض تنفسية، مستدركًا "لكن هناك بعض الإيجابيات منها القضاء على الإشعاعات الملوثة وقتل الفيروسات وغيرها من الأمور الأخرى".
وهناك عامل آخر ساعد على ازدياد ظاهرة العواصف الترابية في العراق، مثل تجريف المناطق الخضراء وتحويلها إلى مناطق سكنية، فضلاً عن إهمال الحزام الأخضر، وفقًا للجابري.
ومع تكرار العواصف الغبارية في البلاد، أصدرت مديرية الدفاع المدني العراقية، 11 توجيهًا للمواطنين للحد من تأثير الأتربة، كان أبرزها "التقليل من الحركة على الطرق التي تشهد غبارًا كثيفًا قدر المستطاع".
كما تتأثر العراق منذ سنوات بظاهرة اللانينا، وهي الظاهرة التي تسهم في تجفيف المسطحات التربيّة في بعض مناطق العراق، ولاسيما في مناطق الجزيرة، وتلحق ضررًا ماحقًا بالغطاء النباتي الذي ينجم عنه تفكفك التربة وسهولة زحفها.
توقعات الصيف
وفي تصريح لـ "ألترا عراق"، يتوقع المتنبئ الجوي عماد كريم أنّ العواصف الترابية في العراق ستتواصل خلال الصيف، لكن بنسب أقل مقارنة بفصل الربيع ويعود ذلك لكثرة الفوارق الحرارية بين الفصلين.
ويقول كريم إنّ "التنبؤات الجوية تشير إلى أن هذا العام سيشهد العديد من العواصف الترابية في عموم محافظات العراق"، دون التطرق بشأن المحافظات الأكثر تضررًا بموجات الأتربة.
وحول ازدياد ظاهرة العواصف الترابية في العراق، أرجع المتنبئ الأسباب إلى "قلة هطول الأمطار في العراق خلال السنوات الماضية (السبب الرئيس)، فضلاً عن ازدياد ظاهرة التصحر وقلة الغطاء النباتي".
وعن الحلول، أوضح كريم أنّ "الحزام الأخضر (الغطاء النباتي)، الحل الأمثل والوحيد لتقليل الموجات الغبارية في عموم مناطق العراق".
يرى مختصون أنّ حل العواصف الترابية يكمن في الحزام الأخضر بعموم مناطق العراق
وفي وقت سابق، دق تقرير صحيفة "الجارديان" البريطانية ناقوس الخطر بالقول إن "العراق يواجه سخونة متزايدة والجفاف، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن متوسط درجات الحرارة السنوية سيتزايد بمقدار درجتين مئويتين بحلول العام 2050". كما يتوقع خبراء أن يتزايد عدد الأيار شديدة الاغبرار في العراق لتصل إلى حوالي 300 يوم في العام خلال العقود المقبلة.
كما يتزايد تأثير العواصف الترابية في العراق وتكرارها على صحة آلاف العراقيين وحركتهم وقدرتهم على التنقل بسهولة وأمان، إذ تتزايد معدلات الحوادث في ظروف تتدنى فيها مستويات الرؤية، كما يتزايد الضغط على المستشفيات بسبب حالات الاختناق والحوادث المرتبطة بهذه الظاهرة المناخية المقلقة في العراق ومنطقة الخليج.