وسط الصراع الأمريكي الإيراني، وما خلفه من أحداث في العراق بعد تظاهرات الحشد الشعبي أمام السفارة الأمريكية، ومن ثم مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بالإضافة إلى قرار البرلمان لإخراج القوات الأمريكية، تأتي أزمة جديدة بين السفارة الأمريكية والحشد الشعبي في محافظة نينوى تخص الآثار التي اكتشفت بعد اجتياح "داعش" للمحافظة.
مسؤول من محافظة نينوى: حديث السفارة الأمريكية عن الآثار في شرق الموصل هو لإبعاد الحشد الشعبي عنه
تقول السفارة الأمريكية في العراق إن "تنقيبًا غير قانوني يجري في مزار النبي يونس بشرق الموصل، وهي تسعى لبناء سور أمني لحماية المكان التاريخي في المدينة".
اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد
المزار الديني الذي ذاع صيته بشكل منقطع النظير عندما أقدم عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على تفجيره، والحفر في أسفله، أظهر آثارًا مهمة مثل قصر اسرحدون الآشوري، وكنيسة مسيحية تاريخية، ومقبرة مليئة بالآثار والثيران المجنحة والأواني الفخارية الثمينة.
يفتتح بيان السفارة الأمريكية الباب عن الأسباب التي استدعتها للتدخل الآن في موقع أثري عراقي في الشمال، وهي تصارع للبقاء في الجنوب والوسط.
يقول أحد المسؤولين في نينوى طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بأمنه في المحافظة، إن "التدخل الأمريكي الآن فيه الكثير من الأسباب، مستدركًا "ولكن السبب الأساسي يوضح الأمر، وهو لإبعاد الحشد الشعبي عن المكان".
تخضع غالبية محافظة نينوى لسلطة الحشد الشعبي، ولفصائل مختلفة بعض العناصر فيها من السكان المحليين، وآخرين من الجنوب، فيما ازدادت سلطتهم عندما طرد تنظيم "داعش" من الموصل بشكل كامل.
قال المسؤول لـ"ألترا عراق"، إنه "قبل عام تقريبًا، قام أحد السكان في محيط النبي يونس بتأجير منزله لبعض الأشخاص المنتمين للحشد الشعبي، والذين شرعوا بسرقة بعض الآثار الموجودة في الموقع عن طريق الدخول خلسة في الليل من المنزل المستأجر القريب إلى أسفل المزار، وتحديدًا عند المقبرة".
بيّن أن "قوة أمنية اعتقلت صاحب المنزل والسارقين وهم الآن في السجن، لكن محاولات الحشد الشعبي للسيطرة على محيط المزار في المرآب القريب وغيرها تزيد المخاوف من وضع يدهم على الموقع الذي يضم واحدًا من أهم القصور الآشورية فضلًا عن الكنيسة".
لا تعلم الحكومة المحلية عن الإجراءات الأمريكية أو حتى ما يجري داخل مزار النبي يونس
تابع أن "هناك نقاط أخرى أيضًا تسعى إليها الولايات المتحدة، وهي ليست فقط إبعاد الحشد الشعبي عن المكان، وإنما إبعاد المنظمة الألمانية التي تعمل على التنقيب في الموقع، ومنحها لمنظمة أمريكية، كتلك التي تعمل بمنطقة النمور الأثرية القريبة من الموصل، بمبلغ ممنوح من السفارة يصل إلى 540 ألف دولار أمريكي".
اقرأ/ي أيضًا: هدمها "جنود البغدادي" ولن تعود.. معالم اختفت من نينوى
بيد أن الحكومة المحلية في نينوى لا تعلم عن الإجراءات الأمريكية أو حتى ما يجري داخل المزار، حيث لم يرد المحافظ أو الجهات الأثرية الأخرى على الاتصالات التي أجراها "ألترا عراق"، بالوقت الذي رفض فيه آخرون من ذوي الشأن الإدلاء بتصريح بعدم معرفتهم ما يجري، وهو نافذة أخرى على عدم وجود تدقيق فيما يخص آثار الموصل.
كان تنظيم "داعش" قد استخدم تفجير وتجريف الآثار الإسلامية والمسيحية في نينوى كمادة مثيرة خلال سيطرته على الموصل من 2014 حتى 2017، حيث فجر المنارة الحدباء، ومزار النبي يونس، وهدم بوابات نينوى الأثرية التي تضم تماثيل الثور المجنح، وكذلك تدمير النمرود ومناطق أخرى، إضافة إلى كنائس مسيحية ومزارات شيعية.
يقول الباحث التأريخي زياد الشمري إنه "من أوائل من دخل إلى مزار النبي يونس، حيث كان المكان مهيئًا للسرقة، وشرع تنظيم "داعش" قبل اندحاره بإجراء حفريات، أوصلته إلى التمثايل والبوابة الرئيسية لقصر اسرحدون والكثير من الأوانية، مستدركًا "لكن الوقت لم يكن بصالحه وغادر المكان من دون سرقة، أو قد يكون سرق، ولكن لا يوجد أي قاعدة بيانات متوفرة لما موجود حينها".
أضاف الشمري لـ"ألترا عراق"، أنه "من منتصف 2017 حتى 2018 كان المكان تحت السلطة العراقية، لكن منظمة المانية تابعة لجامعة هايدلبرغ استلمت العمل منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وفيه الكثير والكثير مما يحتاج للاكتشاف والحماية، ليس فقط من السرقة وإنما من الانهيارات الأرضية التي قد تحدث بسبب الكميات الكبيرة من الركام القابع أعلى تلك الآثار، وهو لقبر النبي يونس المفجر".
تحاول جامعة الموصل التواصل مع كافة الأطراف الدولية لكشف ما يجري بخصوص الآثار، ولكن هي الأخرى تعاني من قلة التمويل.
يقول أستاذ التاريخ محمد عبدالله إن "الموصل مدينة زاخرة بالآثار والتراث وما سرق أو دمر على يد "داعش" لا يمكن إعادته، مستدركًا "لكن يمكن اكتشاف ما هو جديد، وما في داخل قصر اسرحدون يكفي لأن يشكل متحفًا هو الأكبر والأهم في الشرق الأوسط".
أكاديمي من جامعة الموصل: الحكومة العراقية غير مهتمة، والعيون التي تسعى للسرقة هي جهات متنفذة في نينوى وهي الأكثر سيطرة الآن
لفت عبدالله لـ"ألترا عراق" إلى أن "الحكومة العراقية غير مهتمة، والمنظمات الدولية بطيئة بإجراءاتها، والعيون التي تسعى للسرقة هي جهات متنفذة في نينوى هي الأكثر سيطرة الآن".
اقرأ/ي أيضًا:
"صراع طائفي" على إرث الأموات في الموصل.. كلٌ يدعي وصلًا بـ "بنات الحسن"!
صراع طائفي على مراقد الموصل القديمة.. المنازل أهم أم المساجد؟