13-أبريل-2021

التخادم يمنع كشف الحقيقة (تعبيرية/ Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

يكاد لا يخلو ملف بمجمل القطاعات ولا سيما الخدميّة في العراق من الغموض، ولعل ملف الإنترنت يرقى لأن يكون لغزًا كبيرًا، جنبًا إلى جنب مع ملف الكهرباء، إلا أن الاستياء المستمر الذي يحيط بهذا الملف ووجود حلقة وصل بين المستهلك والجانب الحكومي متمثلًا بالشركات، يقود إلى "فضح" جزء مما يجري في الكواليس.

يدفع الناس في العراق الأسعار التي تصل إلى 30 ضعفًا مقارنة بدول الجوار لكن الخدمة لا تزال هي الأكثر رداءة في المنطقة

أكثر من عقد ونصف مرَّ على دخول الإنترنت إلى العراق حتى أصبح ملفًا خدميًا مطلوبًا بشدة، أسوة بالكهرباء والماء، إلا أن جودة الخدمة لا تزال الأكثر رداءة في المنطقة، بالرغم من الأسعار المرتفعة التي يدفعها العراقيون قبالتها والتي تصل إلى 30 ضعفًا مقارنة بدول الجوار.

مبررات مبدئية واتهامات متبادلة.. جميع الأطراف محقّة!

مع كل تصاعد لحدّة الاستياء العراقي حول ضعف الأنترنت في العراق، تقوم وزارة الاتصالات خلال الدورات المتعاقبة بتحميل شركات الإنترنت وأصحاب الأبراج جزءًا كبيرًا من المشكلة، الأمر الذي يقود بطبيعة الحال إلى مشاكل اجتماعية بين أصحاب الأبراج والمستهلكين واتهامهم بتحميل أبراج الخدمة عدد مشتركين يفوق الطاقة التحميليّة، بينما تكشف الشركات جزءًا حقيقيًا من المشاكل التي تتسبب بضعف الإنترنت في العراق، وهي مشلكة استخدام الخدمة اللاسلكيّة وضعف البنى التحتيّة لوزارة الاتصالات التي تؤجرها للشركات، لكن مختصين يشيرون إلى أن "جميع الأطراف محقّة، وجميع الاتهامات والمشاكل المطروحة صحيحة وكل الأطراف مشتركة بنسبة معينة بهذا التردي في الخدمة". 

اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على "المخاطر" البيئية والصحية لأبراج الاتصالات في العراق

ويتفق الخبراء على أن من أوائل مشكلة ضعف الإنترنت في العراق، هو استمرار استخدام الخدمات اللاسلكية في نقل الإنترنت التي غادرتها معظم دول العالم وأصبحت من الماضي، والمتمثلة بأبراج الخدمة، والتي غالبًا ما يتم نصبها بطريقة عشوائية ولا تحدد معيار المسافة، الأمر الذي يتسبب بما يسمى بـ"الضوضاء"، وهو تقاطع الموجات الصادرة من الأبراج مع بعضها البعض، ما يتسبب بتردي الموجات الواصلة للمستخدمين وتقطعها، فضلًا عمّا تشهده أجواء العراق من ضوضاء بالموجات الناجمة عن المقرات العسكرية والتشويش الذي يعكس آثاره على خدمة الإنترنت، ويبقى الحل بالانتقال إلى الخدمة السلكية عبر الكيبل الضوئي.

ومن بين المشاكل الأخرى، هي تزايد عدد النسمات وبالتالي عدد المستخدمين، وعدم مراعاة المواطنين لأعداد المستخدمين في كل منزل لنوع الخط الذي يشتركون به، حيث لا تتحمل أقل حزمة إنترنت والمسعرة بنحو 35 ألف دينار أكثر من 4 أجهزة نقّالة، في الوقت الذي تستخدم بعض العوائل نحو 10 أجهزة لهذا النوع من الاشتراك.

المشكلة الحقيقية الأعظم

وبالرغم من حقيقة وقوف جميع المشاكل والمبررات المطروحة وراء ضعف الإنترنت في العراق، إلا أنها لا تعطي تصورًا واضحًا عن المتهم الأبرز في هذا الملف، ولكن حقيقة أخرى هي الأبرز وغالبًا ما تكون "مسكوت عنها" تقف وراء ارتفاع أسعار الإنترنت في العراق ورداءة جودته مرة واحدة.

وتتمثل هذه الحقيقة بالأسعار المرتفعة التي تبيع بها وزارة الاتصالات حزمات الإنترنت إلى الشركات المجهزة التي تقوم بدورها بتوزيعها على أصحاب الأبراج ومن ثم المواطنين، ما يجعل الوزارة وفي جميع الدورات الحكومية، المتهم الأول وراء هذا الملف، وتمثل الشركات ما يمكن وصفه بـ"شاهد الزور" حيث أنه وبفعل التخادم بين الشركات والوزارة، لا تفصح هذه الشركات عن الأسباب الحقيقية غالبًا، وهذا ما يفسر لجوء هذه الشركات إلى بعض وسائل الإعلام المحليّة لتسرّب من خلالها معلومات عن وقوف الوزارة وراء كل مشاكل الإنترنت، في كل مرة يتصاعد فيها الاستياء الشعبي تجاه الشركات.

يقول المختص في هندسة الاتصالات مصطفى أمين في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "سعر الميغابايت عالميًا يتراوح بين 1-3 دولار، في الوقت الذي تبيع فيه وزارة الإتصالات الميغابايت الواحد إلى شركات الإنترنت والاتصالات بين 25-60 دولارًا".

وبحسب أمين، فأنه "بفعل الأسعار المرتفعة، تقوم الشركات أولًا ببيع الميغات إلى المستخدمين بأسعار مرتفعة أولًا، والأمر الآخر يجعلها لا تشتري سوى حزم قليلة من الميغات وتقسمها على ملايين المشتركين لتحقيق أرباح تمكنها من الاستمرار بالعمل، الأمر الذي يتسبب كعامل أول وراء ضعف الإنترنت في العراق"، وفي مثال على الأسعار المرتفعة التي تفرضها الحكومة العراقية على شركات الإنترنت والاتصالات، دفعت شركة زين لغرض الحصول على رخصة إدخال خدمة الجيل الرابع، مبلغ 233 مليون دولار لرخصة تمتد لمدة 8 سنوات فقط، فيما في السعودية تم دفع 225 مليون دولار لرخصة تمتد لـ25 سنة، بحسب تصريح متلفز لمدير شركة زين العراق علي زاهد.

من هنا يتبيّن، أن الشركات تلعب دور "محوّل الأزمات" تقوم بحمل المشاكل من وزارة الاتصالات، وترميها على عاتق المشتركين لموازنة الخسائر التي قد تنجم عن الخضوع لشروط وأسعار وزارة الاتصالات.

القصة في إقليم كردستان مختلفة.. لهذا ينشط التهريب

يتمتع المواطنون في إقليم كردستان بخدمة إنترنت جيدة وبأسعار مناسبة، على العكس من باقي محافظات العراق، ويعود ذلك بحسب أمين، إلى "سعر الميغا المنخفض، حيث يُباع في الإقليم بـ10 دولارات فقط، ومقارنة مع سعر وزارة الاتصالات الاتحادية، يظهر جليًا سبب قيام بعض الشركات بتهريب سعات الإنترنت من الإقليم أو باقي منافذ الإنترنت بعيدًا عن بوابات وزارة الاتصالات بسبب السعر المرتفع الذي تفرضه الوزارة".

وبحسب تصريح متلفز لعضو لجنة الخدمات والاتصالات البرلمانية النائب علاء الربيعي، فأن "التهريب يحصل عن طريق إيران، والآخر من إقليم كردستان العراق باتجاه محافظة كركوك".

من جانبه كشف مدير عام الشركة العامة للاتصالات والمعلوماتية في وزارة الاتصالات باسم الأسدي، في تصريحات سابقة، أن "العراق يتكبد الخسائر الكبيرة التي تقدر بثلاثة مليارات دينار شهريًا جراء تهريب سعات الإنترنت في محافظة نينوى عن طريق إقليم كردستان".

يتمتع المواطنون في إقليم كردستان بخدمة إنترنت جيدة وبأسعار مناسبة، على العكس من باقي محافظات العراق

وبينما أعلن وزير الاتصالات الحالي، أركان شهاب عن عمليات كبيرة لاستهداف أبراج التهريب تحت مسمى "عملية الصدمة" انطلقت العام الماضي، يشير مصدر في وزارة الاتصالات رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أن "أي وزير جديد يأتي للوزارة يتوجه نحو استهداف شركات وأبراج التهريب، إلا أن هذه الشركات تعود لدفع الأموال لأطراف فاعلة في الوزارة وتعود لممارسة نشاطها في التهريب من جديد، لذلك فإن التهريب عاد مجددًا منذ فترة".

لماذا تحتكر شركات كبرى الإنترنت في العراق؟

وبالرغم من وجود عشرات الشركات المجهزة للإنترنت في العراق، تظهر أسماء معدودة كمحتكرة لخدمة الإنترنت في العراق، ويعود ذلك إلى ما تمتلكه هذه الشركة من أموال وإمكانية قيامها بالدفع إلى الوزارة.

اقرأ/ي أيضًا: نواب سائرون يهاجمون وزير الاتصالات: كافأ شركات تهرّب الإنترنت

يقول المصدر في وزارة الاتصالات أن "شركات الإنترنت الكبرى المعروفة في العراق ولا سيما شوكة أيرثلنك تحتكر هذه الخدمة بفعل قدرتها على دفع الأموال وصنع علاقات مع أطراف فاعلة في وزارة الاتصالات".

ويبيّن أن "جميع الشركات تحتاج إلى وزارة الاتصالات لتسهيل أعمالهم"، فيما يشير إلى مثال يترجم هذا الأمر بأن "شركة ما لو أرادت إيصال برج للإنترنت لقرية نائية لتوسيع خدماتها هناك، فأنها لا تستطيع مد كابلات لمسافات طويلة وتهيئة بنى تحتية جديدة تكلفها الكثير من الأموال، إلا أنها بعلاقاتها مع وزارة الاتصالات وما تدفعه من أموال تستطيع استخدام بدالة قديمة تابعة لوزارة الاتصالات هناك، وتقوم بنصب برج فيها معتمدة على البنى التحتية الجاهزة للوزارة".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاتصالات تحجب المعلومات عن صحفيين.. الحديث عن ملف الإنترنت ومشاكله لا يجوز!

العراق يخسر 60 مليون دولار شهريًا بسبب تهريب الإنترنت.. لمن تذهب الأموال؟