نشرت صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية تقريرًا عن إحياء ذكرى العاشر من محرم في العراق، وكيف تلهم هذه الذكرى الملايين من المسلمين الشيعة، إذ تتوافد الحشود من شتى أنحاء العالم إلى البلاد لزيارة مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس. قد يكون "عاشوراء" المهرجان الأكبر إسلاميًا، وقد تغير معناه على مر السنين، فما كان في وقت ما يلهم هذه الأعداد من الناس كما يحدث اليوم.
يزور العراق عشرات الملايين من المسلمين الشيعة من جميع أنحاء العالم يوم 10 أيلول/سبتمبر لزيارة الإمام الحسين وأخيه العباس في "عاشوراء"
"الترا عراق" ترجم هذا التقرير عن الصحيفة البريطانية، ننقله لكم دون تصرّف في السطور أدناه:
___________________________________________________________________
يصادف هذا اليوم الذكرى السنوية للعاشر من شهر محرم، الشهر الأول من العام الإسلامي الجديد بما أنَّ التقويم الإسلامي تقويم قمري، لذا فإنَّ يوم عاشوراء يتغير من سنة إلى أخرى. يزور المسلمون الأضرحة لإحياء ذكرى يوم استشهاد الحسين الذي قُتل في صحراء كربلاء في العراق افي عام 680 م.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يواجه "الراب الحسيني" بالسخط والسخرية والتحريض على القتل؟
يعتقد المسلمون الشيعة أنَّ الحسين كان إمامهم الثالث من بين 12 خلفاً روحيًا وسياسيًا. ويعود تاريخ محرم قبل 13 قرنًا، من الأحداث التي تلت وفاة الرسول محمد، فبعد وفاة الرسول عام 632 ميلادي، نشأ الخلاف حول من سيرث قيادة المسلمين ويتسلم لقب الخليفة (أمير المؤمنين).
أيد غالبية المسلمين أبو بكر الصديق المقرب من النبي ليصبح الخليفة الأول، بينما طالبت أقلية من المسلمين الشيعة بتنصيب ابن عم النبي وصهره (علي بن ابي طالب)، وحتى لو لم يكن علي هو الخليفة، فإن المسلمين الشيعة سوف يعتبرون علي إمامهم الأول، وقد بقيت القيادة السياسية بعيدة عن أيدي الأئمة الشيعة فلم يكونوا خلفاء، لكن الشيعة أصبحوا يعتقدون أنَّ إمامهم علي هو القائد الحقيقي الواجب اتباعه.
بحلول الوقت الذي أصبح فيه الحسين هو الإمام الثالث تعمقت الانقسامات بين الخليفة والإمام، وفي عام 680 خلال شهر محرم، أمر الخليفة يزيد من أسرة الأمويين، وهي سلالة حكمت العالم الإسلامي من 661 إلى 750، الحسين بالتعهد بالولاء له لكن الأخير رفض لأنه كان يعتقد أنَّ حكم يزيد غير عادل وغير شرعي.
أدى رفضه إلى مواجهات حادة استمرت 10 أيام في كربلاء، بين جيش الأمويين ومجموعة صغيرة تابعة للحسين، والتي شملت أخيه غير الشقيق وزوجاته وأطفاله وأقرب أتباعه، إذ قطع الجيش الأموي الطعام والماء عن الحسين وأتباعه، وفي يوم عاشوراء قُتل الحسين، وتم كشف النقاب عن النساء من أسرة الحسين- وهو انتهاك لشرفهن كأفراد من أسرة الرسول واستعرضن في دمشق ، مقر الحكم الأموي.
يتم إعادة تمثيل هذا التاريخ في جميع أنحاء العالم في يوم عاشوراء، في العراق، يملأ ملايين الحجاج الشوارع لزيارة الأضرحة وهم يرددون قصائد الرثاء ويشهدون على تجدد العنف في كربلاء ومشاهد أسر النساء والأطفال.
اكتشف العديد من المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا كيف قامت المجتمعات عبر الزمان والمكان بتكييف قصة كربلاء أو الطقوس المحيطة بعاشوراء
من نيويورك ولندن إلى حيدر أباد وملبورن، يشارك الآلاف في مواكب عاشوراء التي تحمل صور وتماثيل تمثل الحسين ويتبعون حصانًا أبيض. ويرمزهذا إلى عودة حصان الحسين إلى المعسكر بعد استشهاده، ويتم عرض مسرحيات تدعى "التشابيه" وتهدف إلى إثارة مشاعر الحزن العميقة لدى الجمهور في كربلاء وجميع أنحاء إيران والعديد من البلدان الأخرى.
اكتشف العديد من المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا كيف قامت المجتمعات عبر الزمان والمكان بتكييف قصة كربلاء أو الطقوس المحيطة بعاشوراء.
وأصبحت شخصية زينب، حفيدة الرسول محمد، تلعب دورًا رئيسيًا في إحياء ذكرى قصة كربلاء واليوم تعتبر زينب نموذجًا قويًا للمقاومة. ولفت العلماء الى الانتباه إلى الخطب التي أدانت فيها زينب العنف في كربلاء وأشادت بـ "استشهاد" الحسين.
في الثورة الإيرانية عام 1979، أصبحت قصة كربلاء نقطة تجمع لمعارضين الشاه، الذين كانوا يقاتلون ضد نظام الشاه القمعي إذ قارنوا الشاه بالخليفة يزيد وجادلوا بأنَّ الشعب الأيراني اضطر إلى الوقوف في وجه الظالم، مثلما فعل الحسين.
اقرأ/ي أيضًا: في بغداد.. الموتى أكثر من الشوارع
يصف عالم الأنثروبولوجيا (مايكل فيشر) هذا "نموذج كربلاء" وهي قصة تجسد مجموعة قوية من الموضوعات بما في ذلك الأشخاص الذين يقفون إلى جانب الدولة ويكافحون من أجل العدالة والأخلاق.
أصبحت قصة كربلاء اليوم أداة قوية للنضال من أجل العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية وهي حركة اجتماعية لها فروع في أكثر من 60 مدينة حول العالم وتنفذ أنشطة خيرية وتبرعات بالدم باسم الحسين.
يتم تشجيع المتطوعين على تنظيم الأحداث التي ستكون ذات مغزى في مجتمعاتهم والتي ستشمل قضايا العدالة الاجتماعية التي يعتقد أن الحسين قد ناضل من أجلها.
أصبحت قصة كربلاء اليوم أداة قوية للنضال من أجل العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية
وفي عام 2018، تبرع متطوعون محليون بعشرات الآلاف من زجاجات المياه بولاية ميشيغان لإحياء ذكرى الحسين وأتباعه، الذين حرموا من الماء لمدة ثلاثة أيام قبل أن يقتلوا. ويشير المؤرخ (اسحاق نقاش) إلى أنَّ مأساة كربلاء تعطي المسلمين الشيعة قصة مشتركة لنقلها إلى الأجيال القادمة وإحيائها بطرق عدة وهو جزء من هويتهم الفريدة.
اقرأ/ي أيضًا: